تجمع الاصلاح حين يضيق به الشمال والجنوب والخليج .. ما هي الخيارات التي لا تزال بحوزته..؟
يمنات
فائز الأشول
عقب سيطرة “أنصار الله” على العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014م، استشرف رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “الإصلاح”، زيد الشامي، المآلات المستقبلية لحزبه؛ فبعث برسالة مؤثرة حملت عنوان “أيها الإصلاح: لستم الدولة”، دعا فيها قيادات الحزب وأعضاءه إلى لزوم منازلهم وعدم الإنجرار للعنف. و قال: “أنتم حزب سياسي، ولستم مسؤولين عن حماية مؤسسات الدولة، كما أنكم لستم البديل عنها. وعليكم الحرص التام على السلم الإجتماعي وعدم الإنجرار إلى الفرز الطائفي أو المذهبي أو العنصري، فالكيد والتآمر الداخلي والإقليمي والدولي لا يخفى عليكم، فإياكم ثم إياكم أن تندفعوا لتكرار تجارب الصراع المدمر في دول أخرى كسوريا والعراق. عودوا إلى ميادين التربية والتوجيه والعطاء، واعطوا أنفسكم فسحة من الوقت للمراجعة والبناء الداخلي. إلجأوا إلى الله ولا تثقوا بغيره، فهو سبحانه الذي له الأمر من قبل ومن بعد”.
لم تلتفت قيادة “الإصلاح” ولا أعضاؤه لدعوة الشامي، الذي قوبل من قبل بعض “الإصلاحيين” بحملة تخوين واتهام بتغليب سلالته الهاشمية على مصلحة الحزب.
لزم الشامي منزله في حي الروضة بصنعاء، ولسان حاله كـ”دريد بن الصمة”: “بذلت لهم نصحي بمنعرج اللواء … فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد”.
و في وقت حزمت فيه قيادة “الإصلاح” حقائبها في رحلة حج جماعي إلى الرياض والدوحة وأنقرة، لتصدر في منتصف العام 2015م بيان تأييد للحرب التي قادتها السعودية على اليمن، حمل أعضاء الحزب السلاح كمليشيات لمواجهة “الإنقلابيين” و”الروافض”، كما أعلنت قيادة فرع “الإصلاح” في عدن مباركتها مطلب الحراك الجنوبي باستعادة الدولة وفك الإرتباط.
اليوم، يضيق الشمال والجنوب والخليج بـ”الإصلاح”، وصار الحزب، كفرع لـ”الإخوان المسلمين” في اليمن، جزءاً من مشكلة إقليمية وحركة “إرهابية” تواجه خطر الإجتثاث.
و هنا تبرز التساؤلات عن سبب الفزع من “الإصلاح”، والمصائب التي تتوالى عليه، والخيارات التي لا تزال بحوزته..؟
نقاط ضعفه
الكاتب علي الضبيبي يقول، لـ”العربي”، إن “السلاح والفتوى والإخوانجية، التي يعتقد الإصلاح أنها أدوات نفوذ وامتياز قوة، هي في الأساس نقاط ضعفه الأساسية”.
و يشير إلى أن “أياً من الأحزاب اليمنية لم يخض الحرب الراهنة كأحزاب سياسية: لا المؤتمر ولا الإشتراكي ولا الناصري ولا اتحاد القوى الشعبية، لكن الإصلاح خاض غمارها رسمياً كحزب، وهذا يتنافى مع جوهر الطبيعة المدنية للكيانات السياسية المعاصرة”. مضيفاً أن “مصيبة الإخوان المسلمين دائماً، كجماعة عالمية، أنهم يحملون السلاح، وفي اليمن ميزوا أنفسهم في وحدات وألوية عسكرية، ووزعوا الرتب وتسابقوا على السلاح والمال العابر للحدود، وليس في اليمن فحسب، ولكن في سوريا، في العراق، في ليبيا، في السودان”.
و يتساءل الضبيبي: “متى كان السلاح لصالح الإخوان..؟ في كل حروبهم: من أفغانستان إلى السودان إلى اليمن إلى الجزائر إلى العراق إلى سوريا إلى غيرها..؟!”، مخاطباً حزب “الإصلاح” بأن “اتركوا السلاح إلى الأبد، واكفروا بفكر جماعة الإخوان، واتركوا استخدام الفتوى، وتوظيف الدين في صراع المصالح، وتعاملوا بوعي جديد مع مسألتين سياديتين: ما هو الوطن وما هي الدولة..؟”.
تبادل الإقصاء
في الـ7 من يوليو الجاري، وفي خضم الأزمة القطرية التي جوهرها دعم الدوحة لـ”الإخوان”، أعلن “المجلس الإنتقالي” في عدن حظر نشاط “الإخوان المسلمين” في الجنوب، والتعامل معها كحركة “إرهابية”. أعقبت ذلك دعوة الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، إلى وقف تمويل “الإخوان”، التي قال إنها “خطر يتهدد الإستقرار في المنطقة والعالم”.
لا يشار إلى “الإصلاح” صراحة باسمه وصفته، لكن توجيه أصابع التهم إلى “الإخوان” يثير حفيظة قيادة وأعضاء “الإصلاح”، الذين ينكرون صلتهم بالتنظيم الأم، ولكن دون جدوى.
فهذا نائب رئيس الدائرة الإعلامية للحزب، عدنان العديني، يقول: “إن موقف الحراك – المجلس الإنتقالي – يمكن تفسيره بأن الإصلاح يرفض التخلي عن يمنيته في زمن التخلي الجماعي عنها”.
و يرى الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي، من جهته، أن “التجمع اليمني للإصلاح يعيش اليوم تجربة إقصاء صعبة وغير مسبوقة، منذ 21 سبتمبر 2014، لحظة سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين؛ حيث بات هدفاً لثأر سياسي يتم تنفيذه من قبل أطراف منفلتة، كما يدفع ثمن مساندته وتبنيه لثورة الـ11 من فبراير 2011، ويدفع كذلك ثمن نفوذه وحضوره على الساحة اليمنية، ولكونه أيضاً امتداداً إقليمياً للإسلام السياسي، فقد دخل في صراع وجودي مع امتدادات إقليمية أخرى”.
إلا أن الكاتب والباحث، محمد الظاهري، يعتبر، في تصريح إلى “العربي”، أن “لا جدوى من الدفاع عن حزب الإصلاح إذا لم يدافع هو عن نفسه. فعليه تقع مسؤولية ما يواجهه اليوم، وعليه أن يتغير، وإلا فإنه مجرد عصابة أخرى”.
و يتابع أن “ما يواجهه حزب الإصلاح اليوم لم يولد مع الناس، وليس فطرة فطروا عليها، إلا في مخيلة رجال الكهانة وفي قصص الدروشة التي يتبادلونها اليوم في ما بينهم عبر شبكات التواصل”.
و يعتقد الظاهري أن “على الإصلاح أن يتحرك ويقبل بالتغيير، وبأفكار شبابه الأكثر انفتاحاً وقبولاً بالآخر. حملات الدعاية لا تغني ولا تسمن من جوع”.
و يلفت إلى أن “رجال الدين الإصلاحيين لم يتركوا فئة ولا جماعة لم ينالوا منها، كما أن الاصلاح مارس الإقصاء سلوكاً مع شركائه وبصورة فجة من العام 2011، واستفرد بالساحات كحاضر وحيد ولا أحد غيره”.
حسابات خاطئة
ينحسر نفوذ “الإصلاح” في الساحة اليمنية، ويخسر المحافظة تلو الأخرى، ولم يعد له سوى محافظة مأرب، ومدينة تعز، كملاذ لأعضائه، لكنه لا يضمن لهم طول الإقامة فيه.
“«كتائب أبو العباس” السلفية، وجماعات متطرفة أخرى، تنازع حزب “الإصلاح” النفوذ على المناطق «المحررة» في تعز، في وقت لا تزال فيه “أنصار الله” تطوق المدينة وتقاتل باستماتة لاستعادة ما خسرته.
و في مدينة مأرب، يتنامى نشاط تنظيم “القاعدة”، وتترصد الطائرات الأمريكية بدون طيار أهدافها في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإصلاح” بالمحافظة، وتحلق في سمائها على مدار الساعة.
بدوره، يشير الكاتب والصحافي، محمد عايش، إلى أن “جميع شركاء الإصلاح في عاصفة العدوان (وليس الزبيدي وحده) يبدون مجمعين على أن التخلص منه بتاتاً ضرورة ملحة، والفارق فقط في التوقيت: الإمارات تريد ذلك الآن، والسعودية تؤجله إلى وقت الحاجة”.
و يعتبر عايش أن “ناشطي الإصلاح وقياداته لم يتعرضوا لأي أذى إلا بعد إعلان الإصلاح بيانه الشهير الذي يؤيد فيه العدوان عاصفة الحزم؛ حيث اعتقد حينها أن قوة السعودية هي الطريق الأقصر لحسم الأمر وإعادة السلطة إلى أيديهم غير أننا نرى النتائج ماثلة أمامنا”.
لعبة مكشوفة
من جانبه، رئيس مركز “سبأ” للدراسات، الدكتور أحمد عبد الكريم سيف، يقول، لـ”العربي”، إن “مناورات حزب الإصلاح أصبحت بالية”، وإن “لعبته التي برع فيها بالتخويف من المد الايراني للهيمنة على قرار الرئيس هادي وعلى مساعدات دول التحالف صارت مكشوفة”، مؤكداً أنه “بدون أي دور للإصلاح سيصل الجنوب والشمال لحلول سلمية سريعة، لذا هو يستميت في إفشال أي مصالحة وطنية سلمية، كما يعيق أي حسم عسكري”.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا