أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

الحرب الإعلامية بين الإمارات و”الشرعية” .. هل هو بداية لصدام مباشر بينهما في اليمن..؟

يمنات

معاذ منصر

يبدو أن الحرب في اليمن انتقلت من المواجهة في الميدان بالرصاص والمدافع إلى المواجهة في الإعلام. فالحرب الإعلامية التي بدأت بالكلام، وتحولت إلى حرب سياسية، تتصاعد يوماً بعد آخر وبشكل ملفت، خصوصاً بين الإمارات وبعض أجنحة «الشرعية» من جهة، وحزب «التجمّع اليمني للإصلاح» من جهة أخرى. ويبدو أن الحرب الإعلامية الخليجية ألقت بظلالها على الأزمة اليمنية، التي صارت واحدة من أدوات المواجهة والتحريض بين الخليجيين.

وخلال الأشهر الماضية، وتحديداً منذ إقالة الرئيس عبد ربه هادي لمحافظ عدن عيدروس الزبيدي، وربما منذ أحداث مطار عدن،برزت الحرب الإعلامية بشكل كبير، وبدأت تتكشف كثير من الخفايا السياسية والأجندات المفتوحة، التي تحركها دول منضوية في إطار «التحالف» الذي تقوده السعودية.

طوال الفترة الماضية، دأب فريق من المغردين الإماراتيين، بينهم مسؤولون في النظام الإماراتي، على توجيه انتقادات للرئاسة اليمنية، وللرئيس هادي، وهو ما اعتبره سياسيون مؤيدون للأخير نوعاً من «المراهقة السياسية لمستجدين على الشأن السياسي»، وفسّروه بأن «شعب الإمارات شعب مكبوت من السياسة ويخرج الكبت على اليمن».

الحديث الغريب والمستفز لمسؤولين وإعلاميين إماراتيين دفع البعض في مربع «الشرعية»، من ناشطين وسياسيين وإعلاميين، إلى مواجهته، ودخولهم في حرب ومشادات إعلامية واسعة.

السكرتير الصحافي في الرئاسة اليمنية سابقاً، مختار الرحبي، قال: «تفاجأت وأنا أطالع تويتر بعد صدور قرارات رئيس الجمهورية التي أطاحت بعيدروس وبن بريك، بناشطين تابعين للإمارات يقودون حملة شرسة ضد رئيس الجمهورية، وتفاجأت أن لا أحد قام بالرد على تطاولهم، وشتمهم الرئيس، فقمت بالرد على ضاحي خلفان، ودخلت معه بردود قوية، ما تزال في حسابي في تويتر، وكذلك قمت بالرد على السفير الإماراتي في اليمن، سالم الغفلي، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، وكذلك بعض الصحافيين الذين أعرف قربهم من قيادة الإمارات. وكانت حملة منظمة ومدروسة ومخطط لها ضد رئيس الجمهورية، والغرض منها الإهانة، وتوجيه رسالة للرئيس أنهم منزعجون ولكن بطريقة غير دبلوماسية».

وأضاف الرحبي: «تناسوا أنهم يكتبون عن رئيس جمهورية، وليس موظف في برج خليفة، ومما أثار انزعاجهم أني كتبت أن الرئيس يستطيع أن ينهي تواجد الإمارات في اليمن بطلب من التحالف العربي إنهاء تواجدها في اليمن، وبذلك يكونون محتلين وليسوا شركاء. بعد ذلك صدرت توجيهات صارمة من قيادة الدولة الإماراتية بعدم الإساءة للرئيس، بعد أن قمت ومعي مجموعة كبيرة من الناشطين والإعلاميين اليمنيين بالرد على هرطقاتهم وإساءتهم له».

مصادر سياسية في حكومة أحمد عبيد بن دغر أكدت، أن الإمارات ضغطت على «الشرعية» أكثر من مرة لإيقاف الحرب الإعلامية والتحريض ضدها عبر مواقع ووسائل إعلام كثيرة، معظمها محسوبة على حزب «الإصلاح». وانطلاقاً من ذلك، أصدر رئيس الحكومة توجيهات لجميع وسائل الإعلام، وطالبها بعدم الإساءة الى دول «التحالف» والكف عن أي خطاب تحريضي. كذلك، أفاد مصدر صحافي «إصلاحي»، في حديث إلى «العربي»، بأنهم، منذ انفجار الخلافات الخليجية، تلقوا توجيهات أيضاً بعدم الإساءة إلى الإمارات، وبأن عليهم التهدئة وإيقاف الحملة الإعلامية ضد الإمارات حالياً.

اليوم، عادت المواقع الإخبارية التابعة لـ«الإصلاح» إلى استئناف الحملة، في حين تهاجم مواقع ووسائل اعلام أخرى محسوبة على الحزب أو على بعض قياداته، كقناة «بلقيس»، الإمارات، وذلك بهدف الحفاظ على علاقاتها السياسية مع دولة قطر. في المقابل، تقوم صحف إماراتية بنشر تقارير تستهدف بعض إعلاميي «الشرعية» وجماعة «الإخوان»، متهمة إيّاهم بالعمل مع قطر في سياق التحريض الإعلامي، موجهة رسائل للرياض بأن هؤلاء يعملون مع قطر وهم مقيمون لديكم في الرياض.

مختار الرحبي، وأنيس منصور، وعارف أبو حاتم، وآخرون، تم تناولهم من قبل وسائل إعلام إماراتية، إلى جانب وسائل إعلام يمنية محسوبة على و/أو ممولة من الإمارات، ومقرها أبوظبي، ومن بين تلك الوسائل الإعلامية قناة «الغد المشرق»، بحسب ما يقول من تم استهدافهم. الصحافيون والناشطون أصدروا بيانات إدانة، ورفعوا مذكرات وبلاغات صحافية إلى نقابة الصحافيين اليمنيين طالبوها فيها بالوقوف إلى جانبهم لوضع حد للتحريض الإعلامي الإماراتي الذي يستهدفهم، مشيرين إلى سعيهم إلى رفع دعاوى قضائية ضد بعض وسائل الإعلام المقيمة في الإمارات، ومن بينها قناة الغد «المشرق».

وتعترف مصادر إعلامية في أبو ظبي، بتعمّد الإمارات، منذ السيطرة على مدن الجنوب، أن تكون لها آلة إعلامية كبيرة؛ فقامت باستقطاب العشرات من الإعلاميين، وركزت على الإعلاميين المنخرطين في إطار الحراك الجنوبي، واستوعبت العديد منهم في قنوات إماراتية كمراسلين لها. ولفتت المصادر إلى قيام الإمارات بإنشاء مركز إعلامي في مدينة عدن يشرف عليه إعلاميون إماراتيون، فيما تم تدريب الكثير من الإعلاميين في أبو ظبي. إلى جانب ذلك، تم تشكيل خلايا إعلامية متخصصة في وسائل التواصل الإجتماعي، لإطلاق حملات إعلامية لتشويه أي طرف يعادي سياسية أبوظبي، وهو أمر صار مكشوفاً بشكل أو بآخر.

يذكر أنه أثناء فترة العملية العسكرية التي انطلقت في الساحل الغربي، شن الإعلام الإمارتي هجوماً على حزب «الإصلاح»، لوّح فيه مجدداً بالأدلة التي تثبت تورطه بدعم تنظيم «الدولة» في اليمن. ثلاث تهم رئيسية وجهتها الإمارات لخصمها اليمني: «الابتزاز السياسي والمالي في ملف تحرير تعز، دعم داعش والقاعدة في الجنوب، وعدم جديته في التحالف ضد الحوثيين في الشمال»، بل والذهاب للقول إنهم يحاربون في صفوف الحوثيين. هذا الإتهام الأخير أثار جدلاً وسخطاً واسعاً، وسط غبار العملية العسكرية التي تشنها الإمارات، وأكدت الإمارات أنها تملك ما يؤكد وجود مقاتلين من حزب «الإصلاح» في صفوف الحوثيين.

في المقابل، تشير مصادر سياسية وإعلامية في الرياض إلى أن حزب «الإصلاح» اتخذ، منذ بدء الأزمة الخليجية، قراراً غير معلن بتوزيع الأدوار والعمل وفقاً لمسارين سياسيين وخطابين إعلاميين متوازيين؛ الأول يقوده فريق «الإصلاح» المتواجد في السعودية، والذي يتبنى خطاباً أكثر اتساقاً مع التوجهات الخليجية بهدف اختراق «الشرعية» واختطافها من الداخل، بينما يحتفظ الفريق الآخر المتواجد في اسطنبول بقيادة الشيخ حميد الأحمر، والقيادية توكل كرمان، بالخط الرسمي المعلن للتنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، وتبنى مواقفه المعلنة والسرية، وهو ما كشف عنه بشكل جلي التناقض في مواقف قيادات «الإصلاح» في العديد من التحولات السياسية وآخرها الأزمة الخليجية، التي انضم إليها بشكل مباشر الجناح التركي لحزب «الإصلاح»، من خلال حملة منظمة استهدفت دول «التحالف»، وفي مقدمتها السعودية والإمارات.

مراقبون سياسيون يرون أنه بقدر ما تبدو الحرب في اليمن توليفة استثنائية لجملة من المتناقضات السياسية التي تحركها قوى داخلية وخارجية، مستفيدة من إطالة أمدها، فإنه ليس مستغرباً أن تتحول هذه الحرب، بكل تعقيداتها ومعاناة مواطنيها، إلى ساحة إعلامية للمكايدات السياسية بين الدول المؤيدة لـ«الإخوان المسلمين» والمناهضة لهم، وذلك لفرادة الحالة اليمنية، وانضواء هذه الدول تحت مظلة «التحالف» لدعم السلطة «الشرعية»؛ فاليمن، باعتباره مسرحاً لصراع الفرقاء اليمنيين وحلفائهم الإقليميين على السلطة، صار مادة سياسية لتصفية حسابات الطرفين، واستقطاب «مهرّجين» جدد.

من هذه الزاوية، وطبقاً للمراقبين السياسيين، أعاد الصراع الإعلامي بين الدول المؤيدة لـ«الإخوان» والمناهضة لهم إلى الواجهة تضارب أجندات دول «التحالف» في اليمن، والمدى الذي قد يصل إليه هذا التضارب في صياغة مستقبل اليمن، فضلاً عن أن هذا الصراع أخذ وجهةً جديدةً في استهداف دول «التحالف» بعضها بعضاً؛ إذ لطالما أدارت هذه الدول حملاتها الإعلامية بشكل غير مباشر، عبر استهداف القوى المحلية الممثلة لخصمها في اليمن وتشويهه سياسياً، إلا أن استهداف بعضها البعض إعلامياً، كما يحدث حالياً، مؤشر إلى تفكك «التحالف السعودي»، أو بداية لدخولها في صدام مباشر في اليمن للدفاع عن أجنداتها وحلفائها المحليين.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى