العرض في الرئيسةعربية ودولية

السعودية تلوح بتغيير النظام القطري وشق الأُسرة الحاكمة وتحتضن “أميرا بديلا” وقطر تتبنى المعارضة السعودية وتدعم “آل الرشيد”

يمنات

سيَحتل سيرغي لافروف الذي حَط الرّحال في الكويت اليوم الأحد، مرتبة وزير الخارجية الثامن على قائمة الوسطاء الذين حاولوا إيجاد حُلول، ومخارج سلميّة، للأزمة الخليجية، وإصلاح ذات البين بين قطر وخُصومها الأربعة، ولا نعتقد أن حظ وزير الخارجية الروسي سيكون أفضل من حُظوظ سابقيه، ومن بينهم نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون.

لافروف سيَزور ثلاث دول خليجيّة في إطار جولته هذه، هي الكويت (عاصمة الوساطات)، وكل من الدوحة وأبو ظبي، ولأنه يُدرك جديًّا صُعوبة مُهمّته هذه، لم يُصعّد آمال مُضيفيه بالنّجاح، وتحدّث سُفراء بلاده عن مواضيع عديدة على جدول أعمال مُحادثاته مع المَسؤولين الخليجيين الذين سيَلتقيهم في العواصم الثلاث، مثل ملف الأزمة السورية والعلاقات الثنائيّة وكيفية تطويرها، والصّراع العربي الإسرائيلي.

أكثر من ثمانين يومًا مرّت مُنذ بداية الأزمة الخليجية، والأمور تزداد تعقيدًا، والفَجوة بين قطر وخُصومها الأربعة تتوسّع، وتَشهد تطوّرات ومواقف تصعيديّة مُتبادلة، جَعلت من إمكانيّة المُصالحة، وعَودة الأوضاع إلى شِبه صُورتها السابقة، ولا نقول كلها، مسألةً مُستحيلة.

من يُتابع الحَملات الإعلاميّة بين الطّرفين، واللّغة التحريضيّة المُستخدمة فيها، والتطرّق إلى قضايا ومناطق مُحرّمة، وخَرق لكل الخُطوط الحَمراء، وتجاوز كل قيم ومعايير “أدب الخِلاف”، يَصل إلى قناعةٍ، بأن “الرقع اتسع على الراقع″، وأن إمكانيّات الحِوار، ناهيك عن التوصّل إلى حُلولٍ، ربّما جَرى تجاوزها، ولم تَعد واقعيّة إلا إذا حَدثت مُعجزة.

التطوّر الأبرز والأخطر في نَظرنا، هو بِدء مُحاولات لتغيير النّظام في دولة قطر، وتبنّي الأخيرة في المُقابل السّلاح نفسه، واحتضان المُعارضة السعوديّة، والرّهان على الشّق الثاني في مُرتكزات التّنافس على السلطة في السعودية، أي أُسرة آل الرشيد، التي أقامت إمارةً في مدينة حائل، وحَكمت المنطقة لعِدّة عُقود، وتحالفت مع العُثمانيين في مُواجهة آل سعود.

القيادة السعودية فاجأت الجميع، عندما اتّخذت خُطوةً على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة والخُطورة معًا، تمثّلت في احتضان الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، شقيق الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، أوّل أمير لدولة قطر بعد الاستقلال، قبل الإطاحة به من السلطة بانقلابٍ قاده ابن عمّه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، جد الأمير تميم الحالي عام 1972.

الهَدف من هذهِ الخُطوة السعودية هو شَق الأُسرة الحاكمة في قطر، وإحياء الخِلافات في صُفوفها، فالشيخ عبد الله آل ثاني، حَصل على استقبالين على أعلى مُستويات القيادة السعودية، الأول من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، في قصر السلام في مدينة جدّة، الثاني من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في قَصره الصّيفي في مدينة طنجة المغربيّة، الذي كان يَقضي إجازته السنويّة.

القيادة السعودية لم تكتف بالاستقبال الرّسمي للشيخ القطري “البديل”، ولا بإطلاق لقب صاحب السمو الأميري قبل اسمه، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما فَتحت له مقرًّا في الرياض، عزّزته بعددٍ كبيرٍ من المُوظّفين والخُبراء، ورَصدت له ميزانيّةً ضخمةً، وبات يُشرف على رعاية شؤون القطريين في المملكة العربية السعودية، والحُجّاج منهم على وَجه الخُصوص، وجَرى نشر وسائل الاتصال بهذا المَقر، بما في ذلك رقم هاتفي، ووضعه في خدمة القطريين الزوّار للمملكة، الذين يُريدون بعض الخدمات والحُلول لمشاكلهم الطارئة.

لا نَعرف الأجندات وخُطط الدّول الأربع المُستقبليّة التي تَقف في المُعسكر المُقابل لدولة قطر، وهي السعودية والإمارات ومصر والبحرين، فهل تستخدم وجود الشيخ عبد الله آل ثاني كورقةِ ضغطٍ على السلطات القطرية للقُبول بمَطالبها الـ13؟ أم أنها تُريد تغيير النّظام الحالي في قطر، وإحلال الشيخ عبد الله وجناح أُسرته (بن علي) مكانه؟ وإذا كان الخيار الأخير هو الأكثر ترجيحًا، مِثلما تقول بعض المصادر الخليجيّة المُطّلعة، فكيف سيَصل “الأمير” الجديد إلى الحُكم؟ عبر اضطراباتٍ؟ أو انقلابٍ داخلي؟ أم غَزوٍ خارجي؟

دولة قطر في حالة استنفارٍ على أعلى مستوى، وهذا أمرٌ مُتوقّعٌ، وتُجري قوّاتها مُناورات عسكريّة مع قِوى إقليميّة، مثل الولايات المتحدة، وتركيا، واستطاعت امتصاص صدمة الأزمة، من خلال التّعايش معها بطريقةٍ أو بأُخرى، واستعانت بحُلفاء دوليين من خلال دبلوماسيّةٍ نَشطةٍ، بعضهم مثل تركيا التي وَضعت ثُقلها العَسكري خَلفها، والبَعض الآخر مثل إيران، لم يُخفِ دَعمه السياسي والاقتصادي لها، ولا نَعرف ما إذا كان يُمكن أن يتطوّر هذا الدّعم إلى الشّق العَسكري أيضًا، وكل ما نَعرفه أن دولة قطر أعادت سَفيرها إلى طهران الذي سَحبته (وسبحان مُغيّر الأحوال)، تضامنًا مع المملكة التي تعرّضت سفارتها في العاصمة الإيرانيّة للاقتحام والحَرق، وهو التّقارب، أو بالأحرى، توثيق العلاقات مع الجانب الإيراني، الذي أثار غَضب المِحور الرّباعي بقيادة السعودية.

النّار ما زالت تحت الرّماد، والتّحالف الرّباعي بقيادة السعودية يُوظّف كل إمكانيّاته الماليّة والإعلاميّة ضد دولة قطر، بما في ذلك الأذرع الإعلاميّة الضّاربة، سواء التقليديّة أو على وسائط التّواصل الاجتماعي، مِثلما يُراهن في الوقت نفسه على عُنصر الوقت، ويُؤكّد دون مُواربةٍ على طُول النّفس، لأن الطّرف الآخر، أي القطري، هو المُحاصر الذي يَقف في مَوقف الدّفاع، ويَبدو أن هذا الرّهان يَنطوي على فُرص للنّجاح، لأن الذي يُواجه الحِصار غير الذي يَفرضه.

في ظِل هذه الغابة من التعقيدات يَصل الوزير لافروف إلى المنطقة تحت عُنوان الوساطة لحل الأزمة، ونَجزم بأنّه سيَنتهي إلى النتيجة نفسها التي توصّل إليها الرئيس رجب طيب أردوغان، أي عَدم تحقيق أي اختراقٍ، مع فارقٍ بسيطٍ، وهو أن وزير الخارجية الروسي قد يَعود إلى موسكو ببعض الصّفقات التجاريّة، والعسكريّة منها خُصوصًا، لأنه لا يبدو مُنحازًا في هذه الأزمة، ويُقيم علاقاتٍ طيّبةً مع جَميع أطرافها.

الأزمة الخليجيّة قد تَطول أكثر ممّا توقّعه، ويَتوقّعه الكَثيرون، والوزير لافروف لن يكون آخر الوسطاء في جميع الأحوال.

المصدر: رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى