«المجلس الإنتقالي»… بين الموت والبعث من جديد
يمنات
أزال الجاوي
منذ تأسيسه، ارتكز «المجلس الإنتقالي» على أفكار هلامية دون ضوابط وأدبيات واضحة تحدد ماهيته والهدف من إنشائه وطريقته وأسلوب عمله. وبعيداً عن الشعارات التي تدغدغ عو�طف عوام الناس، ظهر المجلس في أول أيام مولده كأنه ينازع «الشرعية» اختصاصاتها، بل ينازعها حكم الجنوب بشكل عام، قبل أن يتم تنويمه لفترة، ثم إعادته إلى المشهد السياسي كمنازع لمكونات الحراك الأخرى في تمثيلها للقضية الجنوبية والشارع الجنوبي، في استعراض لحظي للحشد الجماهيري المؤيد، دون خطط أو أدبيات واضحة تميزه عن بقية مكونات الحراك، مع تلميح إلى أن الهدف من إنشائه مواجهة حزب «الإصلاح» (حركة الإخوان المسلمين) وبقية المنظمات الراديكالية الإسلامية في الجنوب في المستقبل.
بدا «المجلس الإنتقالي»، خلال الفترة الماضية، كعجينة يتم تشكيلها حسب الحاجة الآنية لدولة الإمارات المتحدة، الداعم المادي الوحيد لذلك المجلس (فالمجلس يفتقر لأي دعم سياسي من أي طرف خارجي، بما في ذلك الإمارات نفسها، التي يقتصر دعمها على الجانب المادي فقط حتى اللحظة)، دون تمكينه من رسم أهداف وأدبيات للمدى البعيد، أو حتى للمديين المتوسط والقصير، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن الحاجة لذلك المجلس قد تم استنفادها عند تأسيسه، في التلويح به لمساومة وابتزاز «الشرعية»، ولاحقاً التلويح به في مواجهة مكونات الحراك الأخرى الرافضة للإدارة والتواجد الإماراتي، وأنه بعد استخدامه لم يعد هناك حاجة له، وبالتالي هو في حالة الموت السريري ما قبل إعلان الوفاة رسمياً والدفن، بل ذهب الرئيس عبد ربه منصور هادي للتصريح بذلك بشكل رسمي عبر الإعلام، حيث اعتبر المجلس في حكم المنتهي، وكأن المسالة مسالة وقت فقط تقدر بالأيام أو الأسابيع في أقصى الإحتمالات.
ذلك التصريح المغلوط من الرئيس ساهم في تكريس تلك الفكرة، التي وإن كانت في جزء منها صحيحة، وهو الجزء الذي فشل فيه «المجلس الإنتقالي» في أن يكون بديلاً «انقلابياً» على السلطة «الشرعية»، وتَبدَّد الأمل في نجاح ذلك الإنقلاب وماتت المحاولة، إلا أنه كتنظيم أو كمكون ما زال قيد التنشئة، وما زال فاعلاً ولو إعلامياً وتنظيمياً فقط، وله شعبيته وجماهيره، إضافة إلى بعض المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الإمارات، وهي الجهة التي تمسك بناصيته وبيدها حياته ومماته، لم تستغن عنه بعد على ما يبدو، والشواهد على ذلك كثيرة أهمها:
1- استمرار النشاط التنظيمي للمجلس في تأسيس فروع له في المحافظات والمديريات.
2- تجيير الحملات الأمنية الصورية ضد المنظمات الإرهابية للموالين للمجلس، واعتبارها من منجزاته.
3- سيطرة «الحزام الأمني» في عدن، وكذا القيادات المدعومة إماراتياً على مواقع ووحدات تابعة لـ«الشرعية»، وبالقوة، وبتدخل الطيران الإماراتي أحياناً للمساندة لصالح تلك القوات الموالية للمجلس أو المقربة منه أو المحسوبة عليه.
4- منع رموز في «الشرعية»، مثل الرئيس ونائبه، من العودة للمحافظات الجنوبية «المحررة»، والسماح لأعضاء «المجلس الإنتقالي» بالسفر والعودة والتحرك بحرية في إطار تلك المحافظات.
وعليه، ووفقاً لتلك المؤشرات، فإن مسألة وفاة «المجلس الإنتقالي» لا يبدو أنها واقعية، بل من الواضح أنه يتم تأهيله والاحتفاظ به للعب دور ما في المستقبل، ربما ليس كسلطة بديلة لـ«الشرعية»، لكن ربما كبديل لمكونات الحراك الأخرى المناهضة للتواجد الإماراتي، أو كعصا لمن عصى من تلك المكونات لأهداف دول «التحالف» عموماً والإمارات العربية خصوصاً، أو ربما سيتم تحويله إلى مليشيا ضاربة مساندة لدولة الإمارات لمواجهة المليشيات الأخرى المتمردة أو التي قد تتمرد، ودون أن يكون له مشروع سياسي وقيادة سياسية.
لا نستطيع أن نجزم في الدور الذي تطمح الإمارات إلى أن تجعل ذلك المجلس يلعبه في المستقبل، إلا أننا نستطيع أن نؤكد، من خلال تلك الشواهد، أن ذلك المجلس لم يمت كما يعتقد البعض، بل هو في حالة نوم مؤقت. كما أننا نستطيع أن نجزم أيضاً أن ذلك المجلس ما زال في حالة مواجهة لم تحسم مع المكونات الجنوبية الأخرى، وينازعها تمثيل القضية الجنوبية سياسياً، كما أنه يمتلك قوات عسكرية لا بأس بها تحتفظ بها الإمارات ليوم وغرض ما.
المصدر: العربي