لماذا يحصل لنا ولبلادنا كل هذا “الجعث”..؟
يمنات
فكري قاسم
عدد سكان إثيوبيا يفوق الـ75 مليون نسمة، ومحد يسمع لهم صوت، وعايشين بهدوء ومحبة ووئام. واحنا في اليمن السعيد عددنا قرابة 23 مليون نسمة، لكننا جننا العالم بمشاكلنا، وكل يومين ثلاث ومعانا قارح جديد، ونثرة جديدة، وكل شوية ومعانا جنازات جديدة للتشييع، والفرح والهدوء والأمان والاستقرار في اليمن كلها مشاريع مؤجلة إلى حين ميسرة.
ولأكثر من خمسة عقود من الزمن ويمنيو العصر الحديث يناضلون بسخاء على مذبح الحرية بغية الوصول بالبلد إلى بر اليمن الجمهوري، غير أن صيت اليمن الإنتحاري استطاع خلال عقد واحد من الزمن فقط أن يتصدر المشهد بتفوق، وأصبح مجرد وضع اسم اليمن في خانة محرك البحث، «جوجل»، يحملك فيسع إلى بلد تتهاوى، وإلى أمة أدمنت السير في مسلخ.
وشخصياً أنا محرج جداً جداً من محرك البحث «جوجل»؛ أمانة إن قده طفشاااااان من أخبار اليمنيين، وعنده قرحة في المعدة من كثرة الأخبار السيئة الواردة عن بلادنا، واحتمال يجي يوم وترفع شركة «جوجل» قضية ضدنا لأننا منذ أعوام كثيرة وأخبارنا كلها قح بُم، وفلان ندع فلان، وفلان قتل فلان، والجماعة الفلانية فجرت في المكان الفلاني، وموت هنا، وموت هناك، وتفتيل مستمر، ولم نعد نفرح قلب «جوجل» ولو حتى بخبر واحد مليح، على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، واحتمال يجي يوم يكتب الواحد فيه في محرك البحث: أين تقع اليمن؟ ويلاقي العم «جوجل» يقوله وهو يبكي: تقع اليمن على كف عفريت!
بصراحة بصراحة، العم «جوجل» تعبان معانا ومربوش من حالنا، وكل الأحداث والأخبار التي بات يتلقاها عن اليمن ويحتفظ بها في بنك المعلومات الخاص به ضاعفت من إرباكه ومن حيرته ومن ربشته الفظيعة، ولم يعد المسكين يعرف من هو الصادق فينا ومن هو الكذاب، ومن هو الحق فينا ومن هو الباطل، وكلهم يسوقوا أخبارهم إليه باعتبارهم الوطن والثورة والجمهورية والوحدة، وهو مربوش بين الجميع، ولم يعد يعرف عنا غير حقيقة واحدة وهي أن بلادنا أصبحت بفضل حمران العيون يمن قح بُم.
ولو سألتوني كيف؟ وليش يحصل لنا ولبلادنا السعيدة كل هذا الجعث وكل هذا العبث؟ أقولكم بكل صراحة ذلك لأن اليمن بالنسبة لليمني هي آخر شيء يحظى باهتمامه، كما أننا أصبحنا أشتاتاً ولم نعد أمة واحدة. وتحصل اليمنيين الآن، واحد يقلك أنا من حاشد، والثاني يقلك أنا من بكيل، والثالث يقلك أنا من تعز، وآخر يقلك أنا حضرمي، وغيره يقلك أنا حوثي، وتسمع آخرين يقولوا لك: أنا جنوبي، أنا شمالي، أنا إصلاحي، أنا مؤتمري، أنا إشتراكي، أنا من الحراك! وأما عبارة «أنا يمني» فهي آخر ما يتذكره اليمني الآن وهو يتحدث عن نفسه وعن مستقبله!
حتى الأحزاب السياسية تختلف فيما بينها، ولا تتوقف الحياة فيها أو تتوقف أنشطتها، بل تتوقف الحياة في اليمن، ويبقى صوت القوارح هو أهم نشاط شغال على الدوام في بلادنا اللي تتكسر وتتخرب قدام عيوننا واحنا نتفرج ونشوف، وكأنها بلاد استئجرناها لإجازة صيف وجازعين!
لكن، وعلى الرغم من كل الظروف السيئة، فإن هذه القديسة، «اليمن»، تحاول أن تصمد خشية على كرامة اليمنيين. لكن يا للأسف، نحن اليمنيين ولا سوانا من أهان اليمن وطرح كرامة سنسفيل أهلها أرضاً. وأسألكم بالله جميعاً: إيش عملت بنا اليمن عشان نؤذيها هكذا ونجازيها دائماً «زيما جازى الحمار أمه»؟
لقد شبعت الأرض من أرواح اليمنيين ومن جثثهم ومن دمائهم، ولم تعد البلد بحاجة إلى مزيد من الأرواح والدماء، بل بحاجة إلى عقول تبنيها وتقودها إلى الحياة بزهو.
تعالوا نحب بعضنا بعض ونبدأ حياة لا أحقاد فيها ولا ضغائن. الأحقاد لا تورث غير الأحقاد، والبلد بحاجة ماسة إلى الحب، إلى التسامح والبناء. تعالوا جميعاً نحب اليمن ونخاف عليها، و نصلي ركعتين تحية للمسجد وأربع ركعات أخر تحية لليمن.
وأُقسم بالله العظيم أنه لا توجد على وجه المعمورة بأكملها أرض بوسعها أن تحتمل جعثنا وحروبنا التافهة وهوشليتنا وأحقادنا الكريهة ومطامعنا السخيفة غير هذه الأم الرؤوم، اليمن. لكنها تبدو الآن أشبه بأرملة فقيرة ومورطة بشوية جهال من حق الجن!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا