كيف لوزير اعلام ان يصدر قرار لائحي ليس من اختصاصه ويمنح نفسه حق الرقابة والاشراف المالي والاغلاق مغتصبا حق السلطة القضائية..؟
يمنات
نجيب الحاج
قرار وزير الإعلام الأخير بشأن لائحة تنظيم الصحافة الإلكترونية ليس أكثر من مجرد تبرير لمصادرة الحريات و الحد من دور الرقابة الشعبية على اعمال السلطة و تبرير لممارسة الجباية و فرض عقوبات و طوارئ دون قانون و سعي لشرعنة سياسة الانحراف بالسلطة و إساءة استعمالها.
اللوائح التنظيمية الغاية منها تنظيم بعض الأمور التي لم يتطرق اليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع ليس اكثر، و بالتالي يكون القرار اللائحي الذي اصدره وزير الاعلام هو اقرب إلى لوائح الضرورة التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة البرلمان أو السلطة التشريعية لمواجهة ظروف استثنائية عاجلة تهدد أمن الدولة و سلامتها، و هو ما افصح عنه وزير الاعلام في الماده (6) من قراره اللائحي الذي نص بموجبها على ضرورة توقيع و التزام المرخص له بالانظمة و القوانين و على وجه الخصوص في أوقات الأزمات و الحروب وفقاً لما تحدده السياسة الإعلامية للدولة عبر الوزارة.
لكن كيف يستقيم ذلك و البرلمان في حالة انعقاد دائم..!!! فالظاهر انه بموجب هذا القرار لم تكتفي حكومات الحرب بالتجريف الذي مارسته بحق الوظيفة العامة و نسفها لكافة معاييرها و شروطها بل تجاوزت ذلك بكثير حيث تسعى الى اضفاء نهج تنظيمي يبرر لها المزيد من القمع و التضيق على الحريات و هبر المزيد من الجبايات رغم ان القرار اللائحي الصادر عن وزير الاعلام لم يحدد قيمة و مقدار الرسم المطلوب لإصدار وزارته لتراخيص المواقع الإلكترونية.
يبدو انه سيتبع هذا القرار قرار أخر مشابه بشان تنظيم الاعلامي المرئي و المسموع رغم عدم صدور قانون بذلك، كما هو حال القرار الوزاري الصادر عن وزير الاعلام و الذي يظهر انه لا غاية منه سوى فرض قيود و رسوم جبايات تحت مسمى تراخيص في انتهاك واضح للحقوق المكتسبة و المراكز القانونية المستقرة التي تمت في ظل نظام قانوني سابق.
و رغم تبرير القرار الاخير و تمسكه بضرورة الالتزام بقانون الصحافة و لائحته التنفيذية نجد الوزير بموجب قراره اللائحي قد جاء بأحكام جديدة تقمصت من خلالها وزارته دور مجلس النواب و خالف صراحة ما نصت عليه المادة (105) ، (106) من قانون الصحافة و المطبوعات التي خولت المحكمة المختصة وحدها حق الاغلاق و إلالغاء لأي ترخيص أو ايقاع أي عقوبة بحق أي مخالف للقانون وفقاً حكم قضائي، و هو ما تجاوزه القرار الوزاري الأخير بموجب الماده (26) منه الذي منح وزارة الاعلام حق إيقاف أو تعليق العمل بالترخيص أو سحبه و المادة (31) من القرار الذي منح بموجبها لوزير الحق في إصدار قرار بحجب أو منع أو نشر أو عرض أو بث أي مواد أو أعمال أو أنشطة للجهة المرخصة لها، و لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى ما هو أبعد من ذلك بكثير حيث منحت المادة (27) من قرار وزير الاعلام الإدارة العامة للشئون القانونية بالوزارة حق التحقيق في شكاوى و مخالفات الجهة المرخصة المقدمة من العاملين فيها أو من الغير بموجب طلب موقع ممن له مصلحة يقدم للوزير..؟!
و اعتبر القرار معد البرنامج أو النص مسئولا عما يرد فيه الى جانب مدير الموقع و منح الموظفين العاملين في الإدارات المختصة بالوزارة صفة الضبطية القضائية بالنسبة للمخالفات و خولهم حق ممارسة الرقابة و التفتيش على الجهة المرخص لها و الإطلاع على سجلاتها و مستنداتها و نظام العمل بها..؟! مما يجعل من القرار هو الاقرب بأن يطلق عليه “مرسوم امني” لا قرار تنظيمي، و السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الجدوى من اصدار مثل هذا القرار اللائحي..؟؟ ليس لأنه من اختصاص رئيس الوزراء او لأنه تضمن احكام و عقوبات و جبايات يختص البرلمان وحده بحق تنظيمها و اصدار تشريع مقنن لها، بل لأن القرار جاء في ظل وجود قانون للصحافة و المطبوعات نظم و تطرق لمعظم النصوص و الأحكام الواردة في القرار.
و جاء القرار في ظل وجود لائحة تنظيمية خاصه بوزارة الاعلام صدرت بموجب القرار الجمهوري رقم (95) لسنة1998م و التي نظمت معظم النصوص و الأحكام الواردة في القرار اللائحي الاخير..!!
و هنا يكمن القول بأنه لا جدوى من التذرع بحالة الحرب فالوزارة قد فرضت امر واقع و قامت بإغلاق عشرات الصحف و المواقع الاخبارية دون صدور أي أمر أو حكم قضائي بذلك..!!
كما ان مجرد الشروع بتنفيذ النصوص الواردة في قرار وزير الاعلام ستكون لا محاله عرضة للإلغاء و الإبطال من قبل القضاء، و بما ان القرار اللائحي الصادر عن وزير الاعلام لم يقتصر على المواقع الالكترونية بل تعداه الى المواقع الشخصية الخاصة بالإفراد. وهنا تثار من الناحية العملية أسئلة عن قدرة وزارة الاعلام و الاتصالات على حجب المواقع الالكترونية التي تبث من خارج البلاد و كذلك قدرتها على حجب الحسابات الاخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، خصوصا ان الحجب يكون من قبل الشركات التي يقع مقرها في العديد من الدول ولا تسمح بالحصول على تراخيص لاستخدام شبكاتها المتخصصة بالتواصل والتي تريد وزارة الإعلام فرض الرقابة عليها وهو أمر يبدو شبه مستحيل من الناحية العملية!
فكيف لوزير اعلام ان يصدر قرار لائحي ليس من اختصاصه و يمنح نفسه حق الرقابة و الاشراف المالي الذي هو من صميم اختصاص جهاز الرقابة و المحاسبة و حق الضبطية القضائية و فرض جبايات و ايقاع عقوبات متجاوزا لنصوص و احكام دستورية و مغتصبا لسلطة القضاء في الغاء التراخيص و منح الضبطية القضائية.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا