عن حكم التبع “الحاصل الناصل”
يمنات
فكري قاسم
خلال سنوات حكمه الطويلة والشعب يصيح يشتي التطور، ويشتي يلتحق بالعصر، ويردوا عليهم:
– ما معاكم إلا “الحاصل”.
وعُرف من بعدها بالتبع أسعد الحاصل. وأيامه، كنا شعب نأكل من الحاصل، ونشرب الحاصل، ونسكن في بيوت من الحاصل، وعيالنا يلبسوا الحاصل، ويجعلوا من الحاصل، ويدرسوا الحاصل، وكان التعليم بكله من الحاصل، والمنهج المدرسي من الحاصل، والفصول والمدرسين والمنهج الدراسي كله من الحاصل.
حتى التعليم الجامعي أخذ الكثير من شخصية التبع أسعد الحاصل، وقدم للحياة مخرجات من الحاصل، وأصبح لدينا مع الوقت رؤساء جامعات من الحاصل، وعمداء كليات أغلبهم من الحاصل. وكان الطالب أيام اسعد الحاصل يتخرج من الجامعة ومعه بكالريوس اقتصاد ويروح يشتغل سواق دباب، تقوله ليش كذا يا حمود؟ يقلك:
– الحاصل يا خي ولا الفرغة.
ولم تكن الوظيفة العامة في عهد “الحاصل” تخضع لمعايير الأفضلية، بل كانوا يوظفوا الحاصل، ويميدروا الحاصل، وآخر الشهر يصرفوا للموظفين معاشات من الحاصل .. وان جيت تقل لواحد: ليش ترضى بالقليل يا خي؟ يقلك:
– الحاصل ولا ما فيش.
وكنا نمرض ونذهب لنتعالج في مستشفيات من الحاصل، ونرقد فوق أسرة من الحاصل، والمختبرات وغرف الإنعاش كلها من الحاصل، ولما الواحد يروح يشتري علاج من الأصلي، يقله الصيدلي:
– الأصلي غالي شويه، بس في نوع أرخص.
وتسمع الزبون وهو يقول للصيدلي:
– يا خي هات الحاصل.
وفي الأعياد تقول للواحد: إيش اشتريت لجهالك يا فلان؟ يقلك: الحاصل. وتسأل جارك: ما اتغديت يا فلان؟ يقلك الحاصل. وفي تلك الحقبة كانت كلمة «الحاصل» جواب لكل الأمنيات، حتى لما الواحد يشتي يتزوج يقلهم: فتاة أحلامي أوصافها كذا كذا، يقولوا له: شل هذه الحاصل.
وفي عهد التبع أسعد الحاصل، كنا نحنب بتشكيل الحكومة، ويركزوا لنا رئيس وزراء من الحاصل. والوزراء حقنا أغلبهم من الحاصل، ومدراء مكاتب من الحاصل، ومدراء عموم ما جاء وهذا هو الحاصل.
حتى ديمقراطية أسعد الحاصل كانت ظريفة. وكنا ننتخب للبرلمان أعضاء من الحاصل، وهم يختاروا لنا رئيس مجلس نواب من الحاصل.
في عهد الحاصل الناصل، تناصل كل شيء في البلد من شق لاطرف..
وحتى المدنية أيام أسعد الحاصل كانت مدنية من الحاصل. والسلمية حقنا برضو من الحاصل. والجيش اليمني منخوع من كل شق، تقولهم ليش كذا، يقولوا لك: ما معك إلا هذا الحاصل.
حتى الكهرباء كانت من الحاصل، والشوارع والطرقات والحدائق من الحاصل. وحتى المصانع حقنا كلها تنتج لنا بضاعة من الحاصل. وكنا نشاهد في بلدان الله من حولنا إعلانات فيها رفاهية وزنط، واحد يعلن عن سيارات، وآخر يعلن عن عطورات فارهة، وثالث يعلن عن رحلات سياحية وساعات فخمة، وحقنا الاعلانات يا رحمتاه زي حالتنا من الحاصل، قلك زبادي، قلك بطاطس، قلك لبان، قلك سمن، قلك حقين، في العالم كله ما فيش شعب مثلنا عايش على الحاصل.
حتى الصين بكلها تصدر للعالم بضائع جودتها عالية، ولليمن – فقط – تصدر الحاصل. والخبراء اللي يزوروا اليمن خبراء من الحاصل. وأما المغتربين حقنا الله، فقد كانوا في عهد أسعد الحاصل يشتغلوا الحاصل، ويقبضوا الحاصل، ويرسلوا لأهلهم بالحاصل … وتقول للمغترب:
– الكفيل حقك سارق ونصاب، شوف لك عمل ثاني.
يقلك بحزن:
– ما معي إلا هوه يا خي، الحاصل.
ولما كانوا يرجعوا إلى بلادهم، كانوا ينزلوا في مطارات من الحاصل، ويركبوا طائرات من الحاصل، وكان مطار صنعاء بكله يستقبلك بعبارة “وارحبوا على الحاصل”.
استمرت فترة أسعد الحاصل في حكم اليمن من 17 يوليو 1978 وحتى 23 نوفمبر 2011. شهدت البلاد خلال تلك الفترة الكثير من التحولات، بينها قيام الوحدة اليمنية المباركة، لكنها تحولت سريعاً من وحدة عظيمة إلى وحدة من الحاصل.
بعد 2011، جاء إلى كرسي الحكم في اليمن التبع الحاصل الناصل، وكان اليمنيون أيامها قد انتهوا من مرحلة حكم التبع أسعد الحاصل، ويبحثون عن أي مخرج وعن أي بديل، وقالوا للرجل المسن: تعال احكم. وصاح البعض:
– ما هو للمجنانة، هذا رجل طاعن في السن، شوفوا رئيس غيره قادر على تسيير أمور البلاد. وقالت الانتخابات الرئاسية التي لم يتنافس فيها أحد: ما معاكم إلا الحاصل الناصل.
وفي عهد الحاصل الناصل، تناصل كل شيء في البلد من شق لا طرف.
الجيش تناصل، والأمن تناصل، ومؤسسات الدولة تناصلت، والقبيلة تناصلت، وسلطة المشيخ تناصلت، والأحزاب السياسية تناصلت، والتحالفات تناصلت، وحتى قرارات التبع الحاصل الناصل نفسه تناصلت، لنعيش حروباً بشعة قتلت الناس باسم الله، وجعلت من الإسلام شيئاً مخيفاً ويناصل الركب.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا