لماذا لا نستطيع التفكير؟
يمنات
حسين الوادعي
كان الجابري قد تحدث عن ظاهرة “العقل المستقيل” في الثقافة العربية الإسلامية. ذلك العقل الذي لا يسعى للوصول إلى نتائج مبنية على مقدمات منطقية وبحث علمي، وانما وظيفته البحث عن “أدلة عقلية” تثبت صحة الخرافات والافكار الشائعة والمكرسة حتى لو كانت منافية للعقل. ولا اعتقد ان هناك ثقافة لا زالت تستخدم العقل من اجل الدفاع عن اللاعقلانية والخرافية غير الثقافة العربية!
استطعت استخراج خمسة فروق في تحليل الجابري للفوارق بين مفهوم العقل عند العرب وعند الاوربيين أعتقد انها مسؤولة عن حالة التخلف العقلي التي لا زلنا نعيشها، مقابل حالة الازدهار العقلي التي يعيشها الأوروبيون والأمم الاخرى التي مشت في ركابهم (اليابان والصين والهند مثلا).
الفرق الأول: العقل بالنسبة للاوربي هو الآليات التي نصل عن طريقها للحقيقة ونعصم انفسنا من الوقوع في الخطا. أما بالنسبة للعربي فالعقل هو “الحجر أو الحبس”. “والعاقل من يحبس نفسه عن هواها”!
الملفت للنظر هنا أن العقل عند الاوربي مرتبط بالحرية والانطلاق بلا قيود في فهم العالم . بينما يرتبط العقل عند العربي بالحبس والتقييد والحجر. فالانسان العاقل عربيا ليس الإنسان المفكر وانما الذي يكبح جماح عقله وسلوكه!
الفرق الثاني: ان العقل عند الأوروبي مستقل بذاته وقادر على انتاج معرفة موضوعية وصحيحة بالعالم والإنسان. اما عند العربي فالعقل تابع للنص (الديني أو الاجتماعي) والمعرفة الناتجة عن العقل غير موثوق فيها!
الفرق الثالث: ان العقل عند الاوربي مرتبط ب”المعرفة” فهو اداة لانتاج المعرفة. اما عند العربي فالعقل ليس مرتبطا بالمعرفة وانما بالأخلاق!
والتفكير العقلي ليس انتاج معرفة جديدة وانما التاكيد على الالتزام بالاخلاقيات الموروثة والمضمونة. بلغة أخرى العقل العربي عقل “معياري” يفكر بمبدأ الحلال والحرام وليس بمنطق الصحيح والخاطيء. وليس كل حرام خاطئا ولا كل حلال صحيحا!
الفرق الرابع: ان العقل عند الاوربي “اداة” اما عند العربي فهو “مضمون” جاهز. لهذا تتنوع المعارف عند الأوروبي وتتجدد ويتم دحض نظريات وتبني نظريات جديدة بشكل طبيعي. بينما لا تجد فرقا بين ثقافة العربي في القرن السابع وثقافة العربي في القرن الحادي والعشرين.
بل ان العقل لا زال قوة مشكوكا فيها ومتهمة عند العربي. وهذا ما يمكن ان نلمسه بسهولة في نقاشاتنا اليومية. فنحن الامة الوحيدة التي لا زالت تهاجم العقل وتشكك في العلم . ولا زلنا نقرا يوميا محاججات ومناقشات “عقلية” تحاول اقناعنا ان العقل لا يؤدي الا الى الضلال.
الفرق الخامس: أن وظيفة العقل عند الاوربي اكتشاف قوانين الطبيعة والعالم . بينما وظيفة العقل عند العربي هي التامل في الطبيعة من اجل معرفة الخالق “الله”. التفكير عند الاوربي يؤدي الى اكتشاف نظريات وحقائق د الفيزياء والكيمياء والكون وانتاج التكنولوجيا وبناء الحضارة، بينما يؤدي التفكير عند العربي الى اعادة تاكيد الإيمان بالخالق واعادة تاكيد صحة الدين.
………………………………………………
كم نحتاج من الوقت والجهد لننتقل من العقل المستقيل الى العقل المفكر؟
الخطوة الاولى ان نغير نظرتنا للعقل ونقتنع انه اداة لانتاج معارف جديدة وليس اداة لتبرير المعارف والخرافات القديمة واضفاء صبغة علمية زائفة عليها.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا