مستقبل جبهات تعز عقب مقتل صالح
يمنات
من يسيطر عليها يحكم الشمال ويتحكّم بالجنوب، نتيجة لموقعها الجغرافي الرابط بين «الشطرين»، ووقوعها على مضيق باب المندب، الذي يعتبر من أهم المضائق البحرية في العالم. ووفق البعض، كانت تعز «معركة صالح» الذي قرر «معاقبتها» لأنها «خذلته» أكثر من مرة، حيث لم يوفق حزب «المؤتمر» على مدى السنوات العشر الأخيرة في بسط سيطرته السياسية عليها، وكان يفشل في كل الانتخابات بالمحافظة، إضافة إلى أنها كانت أول من أشعل شرارة ثورة 11 فبراير، المطالبة برحيله من السلطة.
اليوم، وبعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها صنعاء، يتساءل الكثير من المتابعين عن مصير الحرب في تعز، وإلى أين تتجه المعركة بعد مقتل علي عبد الله صالح، الذي كانت المحافظة من بين اهتماماته.
هناك من يرى أنه لم يترتب عن مقتله أي تداعيات سلبية على موقع حركة «أنصار الله»، أو مستجدات جديدة في معركة تعز، مؤكدين أن صالح لم يكن يقود المعارك في تعز سوى إعلامياً فقط، في حين يذهب آخرون إلى القول بأن مقتل صالح ساهم في تعميق التوترات واحتدام الاشتباكات بين حركة «أنصار الله» و«التحالف» للسيطرة على المعابر البحرية.
ميدانياً، تؤكد الوقائع على الأرض أن أحداث صنعاء لم تؤثر على سير المعارك العسكرية في تعز، فبعد ما يقارب أسبوعين على مقتل صالح، لا تزال معارك المدينة وريف مناطق الحجرية جنوب المحافظة على حالها، ولم تشهد تلك الجبهات أي معارك، عدا اشتباكات متقطعة بين الحين والآخر بين القوات الموالية لحكومة «الشرعية» والفصائل المدعومة من «التحالف»، وبين القوات التابعة لحركة «أنصار الله»، دون أن يحقّق أي طرف منهما تقدماً يذكر.
وطبقاً لمتابعين، فإن أحداث صنعاء أثرت فقط في سير المعارك المباشرة بين قوات «التحالف العربي» و«أنصار الله». فخلال الأسبوع الماضي، شهدت مناطق الشريط الساحلي، التابعة لمدينة الحديدة، ثالث مدينة متنازع عليها منذ سنتين بين «أنصار الله» و«التحالف»، مواجهات بين الطرفين، بهدف السيطرة على بعض السواحل التي تطل على البحر الأحمر، وتمكنت قوات «التحالف» من فرض سيطرتها على مدينة الخوخة، قبل أن تستعيد قوات صنعاء أجزاء كبيرة منها، ليبقى الوضع كما هو عليه.
القيادي في حركة «أنصار الله»، والمستقيل من اللجنة الدائمة لـ«المؤتمر» سابقاً، علي القرشي، كشف في حديث إلى «العربي»، أن «المعارك في جبهات تعز اليوم تختلف عما كانت عليه بالسابق بنسبة كبيرة جداً، فالجبهات الآن هي ثابتة، وهناك قوات احتياطية لكل جبهة». وأضاف: «إننا متواجدون في الجبهات من اللحظة الأولى للمعركة، ولا وجود لعلي عبد الله صالح في الجبهات كقوة رسمية»، لافتاً إلى أن «صالح كان مشتركاً مع المرتزقة في معركة تعز، والواقع أن بعض قيادة المؤتمر التي انطلقت من منطلق وطني هي التي كان لها مشاركة في الميدان، وهذه القيادات حددت موقفها الوطني من المؤتمر الشعبي العام، بعد أن رأت تقاعسه وعدم تواجده في الجبهات، والبعض حدد موقفه أثناء خطاب علي عبد الله صالح الأخير في الخيانة المعلنة»، مشيراً إلى أن «الجيش واللجان الشعبية هي المسيطر في أغلب جبهات تعز، وليس صالح، بل كان صالح يستغل أي نصر أو تقدم ليظهر على شاشة التلفزيون ويلقي خطاباً يسترق به ذلك النصر الذي حققه أبطال الجيش واللجان الشعبية».
أما على الصعيد السياسي، فيرى بعض أنصار «التحالف» أن الفرصة الآن بيد فريق «الشرعية» لاستيعاب القيادات العسكرية والقبيلة المناهضة لحركة «أنصار الله»، وتشكيل «جبهة موحدة بإمكانها تحقيق مكاسب عسكرية نحو معركة تحرير تعز». ويشير هؤلاء إلى أن ذلك «لن يحصل»، وإن تعرضت تلك القيادات المؤتمرية لمضايقات من قبل «أنصار الله»، فإنهم «لن يفروا من نار معلومة إلى نار مجهولة»!
القيادي في «المؤتمر الشعبي العام» محمد الحميري، فسر ذلك في حديث إلى «العربي»، قائلاً: إن «السلوك السائد لدى بعض القيادات السياسية والعسكرية العليا في مكون تحالف الشرعية، عدم قدرة البعض على التكيف أو القبول بوجود آخرين بجانبه محاولين الاستفراد الفئوي»، ويتابع أن “تلك القيادات تعمل على مضايقة من بجانبهم وهم شركاء معهم في السلم والحرب وفي الدم والمصير»، ويشير إلى أن «هذا الأمر يجعل المؤتمر يرى بأن جغرافيا الشرعية ضيقة جداً ولا تتسع للجميع».
وأفادت مصادر قيادية في «المؤتمر»، لـ«العربي»، بأن «هناك لقاءات ومشاورات تعقدها قيادات تعزية عليا، ومشائخ قبليون في الحزب، مع قيادات حركة أنصار الله في صنعاء»، لافتاً إلى أن «هذه اللقاءات جاءت للتأكيد على المزيد من التلاحم بين المؤتمر والحوثيين».
وفي هذا السياق، عقد أمس الأحد بالعاصمة صنعاء «اللقاء الموسع لأبناء تعز»، شاركت فيه قيادات من الحزب والحركة ومسؤولون في حكومة الانقاذ، وذلك برئاسة عضو المجلس السياسي الأعلى سلطان السامعي، وبحضور وزير الخدمة المدنية والتأمينات طلال عقلان، ومحافظ محافظة تعز عبده محمد الجندي، وعضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله» سليم مغلس، وممثل قيادة المنطقة العسكرية الرابعة العقيد صلاح قطبه، وعدد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية.
وفي اللقاء، أكد عضو المجلس السياسي الأعلى سلطان السامعي، على أهمية «رص الصفوف والمزيد من التلاحم بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وكافة المكونات السياسية من أجل مواجهة العدوان الغاشم على بلادنا والانتصار للوطن ولسيادته واستقراره»، وأشار إلى أن «أبواق العدوان تسعى جاهدة لشق الصف الوطني من خلال الترويج الإعلامي الرخيص حول مزاعم استهداف أعضاء المؤتمر الشعبي العام، في حين يدرك الجميع أن أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام شركاء في إدارة شؤون البلاد وتحمل المسؤولية الوطنية».
من جهته، أوضح القيادي في المؤتمر، ومحافظ المحافظة، المعين من قبل حكومة الإنقاذ عبده الجندي، أن «أبناء تعز سيظلون في مقدمة الصفوف لمواجهة العدوان الغاشم على بلادنا ومرتزقته دفاعاً عن الوطن ومقدراته»، مؤكداً على «ضرورة تعزيز روح التلاحم والمحبة بين كل الأطياف السياسية والاجتماعية، وتجاوز التحديات والمعوقات المحدقة بالوطن والعبور إلى المستقبل المشرق»، ومشيراً إلى «أهمية الشراكة بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام في مواصلة إدارة شؤون البلاد والخروج بالوطن إلى بر الأمان».
على المقلب الآخر، يؤكد وكيل وزارة الثقافة في حكومة «الشرعية»، عبد الهادي العزعزي، في حديث إلى «العربي»، أنه «إلى الآن لم تحدث أي انسحابات حقيقية، كما كان يتوقع الكثير، وإن حصلت انسحابات أو انشقاق في صف الانقلابيين، فالجيش لا يملك الإمكانيات للتقدم شبراً واحداً، لأنه معطل من قبل التحالف العربي. وأضاف مستطرداً «تعز سوف تظل تستنزف حتى تقل حدة شبابها المرتفعة، وما يجري هو ترويضها من قبل التحالف والشرعية».
وأكد الكاتب والصحافي توفيق الشرعبي، في حديث إلى «العربي»، أن «تعز لم تكن معركة صالح لوحده كما يظن البعض». وتوقع الشرعبي أن «غياب صالح عن المشهد العسكري في تعز سينعكس إيجاباً على المدينة، والأيام القادمة ستؤكد ذلك رغم الاستمرار في الحشود من قبل الحوثيين». وأضاف أن «صالح كان يراهن على تعز كعنوان بارز للنصر، لكن الحوثيين يراهنون عليها بشكل أكبر، خاصة من الناحية العسكرية التي ستضمن لهم الاقتراب من باب المندب ولحج وعدن وستكون نقطة للامدادات العسكرية والبشرية».
المصدر: العربي