العرض في الرئيسةفضاء حر
دولارات “السمسار” ترامب تفشل في شراء ذمم الشرفاء في العالم
يمنات
عبد الباري عطوان
الأُمم المتحدة ليست للبَيع، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب فَشِل في شِراء دُول العالم فَقيرها وغَنيّها بدولاراتِه، ومَندوبته نيكي هيلي هَربتْ من القاعةِ مُبكّرًا لأنّها لم تَحتملْ الهزيمة، ومَندوب إسرائيل كان وحيدًا مَعزولاً، ولم يجد إلا ثماني دُولٍ تَقِف في خَندقه وحًليفته أمريكا، بعضها يحتاج المَرء إلى عدساتٍ مُكبّرة لرؤيتِها على الخَريطة مثل مكرونيزيا وجُزر المارشال، وناورو.
لا شَك أن تَصويت ثُلثي أعضاء الأُمم المتحدة إلى جانب مشروع القرار الذي يُدين تَهويد القُدس المُحتلّة، ونَقل السّفارة الأمريكيّة انتصارٌ كبيرٌ، ونُقطة تَحوّل تاريخيّة دوليّة إلى جانب القضيّة الفِلسطينيّة، ولكن ما هو أهم من ذلك أن سِياسة الابتزاز والتّهديد التي مارَسها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب للدّول الفَقيرة التي تتلقّى مُساعداتٍ مِن بِلادِه قد تَلقّت هزيمةً ساحِقةً، وصَفعةً قويّةً، وأمام العالِم بأسْره، وهذا إنجازٌ غيرُ مَسبوق.
هذا التّصويت السّاحق مَرمغَ أنف الغَطرسة الأمريكيّة في التّراب، ووجّه رِسالةً قويّةً للرئيس ترامب وإدارته، بأنّ العالم يستطيع أن يقول “لا” كبيرة لسياساتِه العُنصريّة “المكارثيّة”، ولتِمنّنه على الدّول الفَقيرة التي تتلقّى مُساعداتٍ من بِلاده.
ربّما يكون هُناك دولة أو اثنتان رَضخت للتّهديدات الأمريكيّة بقَطع المُساعدات مثل أفغانستان ومالي اللتين سَحبتا دَعمهما لقرارِ الإدانة، ولكن هذهِ الدّول مُستعمرات أمريكيّة لا تملك قرارًا مُستقلّاً، ولا تستطيع أن تَرفُض أوامر سيّدها الأمريكيّ المُتعجرف.
***
كانت نيكي هيلي مندوبة أمريكا في قِمّة الوقاحة عندما هَدّدت وعَربدت، و”عايَرت” المَندوبين في كَلِمتها بأنّها لن تُقدّم المُساعدات مجّانًا، وذَكّرتهم بأنّها الدولة الأكثر مُساهَمةً في ميزانيّة المُنظّمةِ الدوليّة، ولكن المَندوب الإسرائيليّ كان الاكثر وقاحةً، والأقل أدبًا، وهذا ليس مُستغربًا، عندما وَصف مندوب 128 دولة أيّدت القَرار بأنّهم مِثل “الدّمى” تُحرّكهم القِيادة الفِلسطينيّة، فهَل روسيا وفرنسا والصّين و128 دولةً أُخرى “دُمى” مُتحرّكة؟
أمام هذا المَوقف التاريخيّ الرّافض للتّهديد الابتزازي، يَجب أن يَشعر الرئيس ترامب بالعار، ومَعه صِهره جاريد كوشنر، وصَديقهم الأثير بنيامين نتنياهو، فهؤلاء وكل من يُؤيّد سياساتِهم، باتوا مَنبوذين من العالم بأسْرِه، وهذا في حَد ذاتِه الدّرس الأبلغْ لكُل من بَغى وتَجبّر.
لا نَعرف ما هي خَطوات ترامب الانتقاميّة المُقبلة، ومن هي الدول العربيّة التي ستَستهدفها، ونحن نَتحدّث هُنا عن مِصر والأردن والسلطة الفِلسطينيّة التي تتلقّى النّصيب الأكبر من المُساعدات الأمريكيّة بعد دَولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن ما يُمكن أن نُسجّله هُنا في هذهِ العُجالة، أن هذهِ الدّول تعاطَت بإباءٍ وشَمم مع التّهديدات، وانتصرت لقضيّة القُدس وعُروبَتها، وقَدّمتها على أيِّ مَصلحةٍ أُخرى، ورَفضت أن تتنازل عنها المدينة المُقدّسة، مُقابل حِفنَةٍ من الدّولارات المَسمومة، وهذا في حَد ذاته مَوقف مُشرّف يَستحق التنويه، ففي الظّروف الصّعبة تَظهر معادِن الدّول، وما زِلنا نَنتظر مِنها المَزيد.
الرئيس ترامب لا يَجرؤ على تَنفيذ تَهديداتِه وقَطع المُساعدات عن هذهِ الدّول الثّلاث، لأنه لو فَعل ستكون بِلاده وحليفتها إسرائيل المُتضرّر الأكبر، وسَتنهار كل مُعاهدات السّلام المُوقّعة والتي استمرت لأسبابٍ عَديدةٍ أبرزها تَدفّق هذهِ المُساعدات.
حِصّة الدّعم الماليّ الأمريكيّ للسّلطة الفِلسطينيّة هي الأقل بالمُقارنة مع الدّول الأوروبيّة والعَربيّة، وإصرار القِيادة الفِلسطينيّة على النّزول إلى مَيدان التحدّي، والمُضي قُدمًا في دعم القرار الأُممي المُدين لتَهويد القُدس خُطوةٌ شُجاعةٌ، يَجب أن تستمر وتُدعّم بخَطواتٍ أُخرى، مِثل سَحب الاعتراف بدَولة الاحتلال، واتفاقات أوسلو، والعَودة إلى المُقاومة بأشكالِها كافّةً، والمَزيد من الدّعم للانتفاضةِ الحاليّة المُتأجّجة.
***
نَتمنّى أن يَتجرّأ الرئيس ترامب ويُنفّذ تَهديداتِه بقَطع المُساعدات عن هذهِ الأطراف العَربيّة، لأن هذا سَيعني اكتمال انهيار السياسة الأمريكيّة كُليًّا في الشّرق الأوسط، ومُقدّمة لانهيار إسرائيل أيضًا، وإزالة “ورم” مُعاهدات السّلام السّرطاني التي أذلّت الأمّة، ونَزعت كَرامَتها، وحَوّلتها إلى دُولٍ مُهانةٍ وأسيرة لأمريكا وإسرائيل وإملاءاتِهما، وفُتات المُساعدات الماليّة المَسمومة.
القدس العَربيّة الإسلاميّة ليست للبيع، ودولارات التّاجر الأمريكي فَشِلت في امتحان الكَرامة وعِزّة النّفس، فعِندما يكون هُناك هذا الدّعم الدّولي الهائِل بالتّوازي مع وجود أبطال على الأرض مثل الشهيد إبراهيم ابو ثريا، والأسيرة عهد التميمي، والآلاف مِثلُهم، فإن السّنوات العِجاف تَلفظْ أنفاسها الأخيرة حتمًا، وكذلك الاحتلال الإسرائيلي.. والأيّام بَيننا.
رأي اليوم