ما الأسوأ الذي ينتظر المملكة في حالة إطالة أمد الحرب في اليمن..؟ وهل تسير قواعد الاشتباك لصالح “أنصار الله”..؟
يمنات
عبد الخالق النقيب
بصاروخ قصر اليمامة الذي أُطلق على الرياض الثلاثاء الفائت، تحصل المملكة العربية السعودية على مناخ سيريالي لتكثيف اتهامها لإيران، وتكثيف العمل على جعله تحولاً تراجيدياً يجذب أكبر قدر من التنديد العالمي، واستمالة تعاطف الأقطاب التي ظلت متحفظة على تداخلات الحرب في اليمن، وبالتالي توسيع قاعدة التأييد الدولي لحرب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، ما يعني أن المملكة استطاعت تحويل الصاروخ الباليستي الذي قطع قرابة 1000 كيلو متر داخل أجواءها الملكية إلى حدث عسكري بالغ الأهمية، انعكست آخر تداعياته في الاهتمام الإعلامي بتنديد الكرملين بالهجوم، و أكد ضرورة فتح تحقيق شامل في الأمر.
جرى ذلك في الاتصال الهاتفي الذي أجراه فلاديمير بوتين بالملك سلمان أمس الخميس، ما يعد بالنسبة لقادة التحالف مكسب جيد قد يساعدها في اعتراض أي تحرك دولي قادم لإنهاء الاقتتال وإيقاف الحرب، أو على أقل التقديرات سيتم اتخاذ الهجوم الصاروخي الذي طالها عنواناً عريضاً لقطع الطريق أمام إجراءات إيقاف صفقات بيع الأسلحة للسعودية والتي برزت مؤخراً في أكثر من عاصمة غربية.
المملكة فقدت عنصر القوة
لكن في المقابل ثمة قناعة لدى الكثير من المحللين بأن وصول الصاروخ الباليستي “المجنح” إلى الرياض بعد الـ1000 يوم ، هو أكبر حدث عسكري مذل للمملكة ، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت انفجار يهز العاصمة الملكية، ما يجعل الحديث عن اليد الطولى لإيران مجرد هراء فاقد القيمة، باعتبار أن لغة الانتصار والهزيمة تعتمد على المحصلة النهائية وليس على التبريرات والضجيج المرتبك الذي تقع فيه قوات التحالف، وتلجأ إليه كهبوط اضطراري يساعدها في التهرب من مواجهة الخسارة، بمعنى آخر لا يمكن استبعاد أن المملكة قد فقدت عنصر القوة المهيمن على مسار حربها في اليمن والتي تقودها منذ أكثر من الـ1000 يوم.
تشتيت الانتباه عن الكلفة الإنسانية
عندما يتعلق الأمر بصاروخ باليستي على الرياض، فإنه في الغالب سيتحول إلى منصة تسخرها مكنة التحالف الدعائية في سرد ما يكفي لتبرير إطالة أمد القتال، وامتصاص تحذيرات الأمم المتحدة للتحالف وانتقاد المنظمات الدولية الواسعة بارتكابه جرائم إنسانية، وتماديه في التورط أكثر بمفاقمة الوضع الإنساني في اليمن الذي بات الأسوأ عالمياً، فضلاً عن الغطاء الذي يوفره لإضفاء المزيد من المشروعية لاستمرار عمليات التحالف القتالية والعسكرية والعودة بها إلى مستوى مختلف من المواجهة، بطريقة تعتمد على تكثيف الغارات الانتقامية التي تأتي كرد فعل غير مخطط له، وعادة ما يكون ضحاياها من صفوف المدنيين.
قواعد الاشتباك تسير لصالح “أنصار الله”
فشل خيار الحصار في تطويق المنافذ ومنع الحصول على عتاد عسكري مهرب قادم من إيران كما تزعم الرياض، كما أن الرد بتكثيف الغارات بهدف تقويض قوة الحوثيين لم تجدي نفعاً في تغيير معادلة الموازين العسكرية في حرب اليمن، ولا زالت “حركة أنصار الله” الحوثية تقود زمام المبادرة وتصدر الصواريخ الباليستية إلى العمق السعودي، بعد الإخفاق في تحييدها والإعلان الضمني بانتهاء الخدمة العسكرية لصواريخ الباتريوت، من جانب آخر لم يتم تأمين الحدود الجنوبية للمملكة التي تحولت إلى ساحة لمعارك متقطعة يسقط فيها جنود سعوديين ومواقع عسكرية جديدة، كما لا يمكن اعتبار ما تحققه قوات التحالف على الأرض إنجاز عسكري يمكن الاعتماد عليه كجزء من سيناريو الحسم العسكري، في ظل ما تقدمه اللجان التابعة لأنصار الله من استبسال شرس ومقاتلين بعدد مفتوح، علاوة على أن ما بعد صاروخ قصر اليمامة لن يكون كما بعده، ما يعني أن قواعد الاشتباك على الأرض تتغير وتسير لصالح “حركة أنصار الله” الحوثية.
الإرث الثأري
بذلت قوات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية أقصى محاولاتها للتقليل من الإرث الثأري الذي قد يطال المملكة ويهدد أمنها القومي، ومضت منذ مطلع الحرب في تجاهل ما قد يترتب عليه قرار الحرب على اليمن، عوضاً عن استمرار عجز عملياتها العسكرية عن تحقيق أي تقدم ميداني حاسم قبل أن تتسع رقعة المعارك، ويتعدد وجوه وأشكال الصراع، وتفقد المملكة بذلك ورقة السيطرة على اليمن، ما يؤشر بتفاقم حالة الخطر المتصل بالأمن القومي للعربية السعودية، ودخولها خارطة الكثير من الحسابات الإقليمية والدولية، عبر إعادة إنتاجها وتسخينها بما يتيح تعدد الفرص التي توفر لحظة ذهبية يسهل اقتناصها وتجعل من الممكن بمكان الانتقال بالحرب إلى عقر دارها، وصولاً لجعل العاصمة السعودية “الرياض” في مرمى الاصطياد المتكرر للصواريخ القادمة من داخل الأراضي اليمنية، بعد أن تم الرهان على تحييدها وتدمير بنيتها ومنظومتها العسكرية بسيل لا يحصى من القنابل والغارات الجوية، لكنه الرهان الذي تحول إلى خيار فاشل، وأن الأيام الأخيرة لم تعد المملكة بمأمن عن نيران الحرب، وفي قلب العاصمة الملكية التي ظلت بعيدة حتى عن أسوأ السيناريوهات المحتملة في حسابات الحرب المتهورة.
فما السيناريو الأسوأ الذي ينتظر المملكة إن لم تتخذ خطواتها الأخيرة بإنهاء الحرب عبر الطريق الوحيد الذي أجمعت عليه العواصم الغربية، أم أنها ستظل رهينة للهواجس الإيرانية التي تقودها إلى مخاطر أمنية شديدة، وقد تورطها في حرب إقليمية مباشرة أكثر اتساعاً.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا