“نار وغضب”: تلخيص شامل للكتاب الذي قد يطيح بترامب
يمنات – صنعاء
«نار وغضب»؛ العبارة المستمدّة من الإنجيل التي استخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل إرعاب الزعيم الكوري الشمالي، لم يكن يعلم أنها ستكون عنوانًا لكتاب قد يزلزل عرش رئاسته أو يعجّل بنهايتها شبه الحتميّة.
«نار وغضب»: داخل بيت ترامب الأبيض، هو عنوان لكتاب جديد أصدره الكاتب الصحافي في نيويورك تايمز «مايكل وولف» يشرّح فيه شخصية ترامب منذ حملته الانتخابيّة إلى غاية دخوله البيت الأبيض، وبفضل حواراتٍ حصرية فاقت 200 حوار، أجراها مع موظفين كبار في البيت الأبيض ومقرّبين من ترامب وأسرته. وبالإضافة إلى المعلومات الصادمة التي احتواها؛ حاز الكتاب على اهتمامٍ استثنائيّ في مختلف أرجاء العالم. في الأسطر القادمة، يقدّم لك «ساسة بوست» ملخَّصًا شاملًا لأهم ما جاء في هذا الكتاب – بعد قراءته كاملًا – الذي يكشف تفاصيل مثيرة وصادمة عن الرئيس الأمريكيّ وكيفية إدارته لشؤون الولايات المتحدة، وأسرار البيت الأبيض وصراع النفوذ المحموم الذي يعيشه.
في البداية.. ترامب يفكّر في الترشّح
عندما قرر دونالد ترامب الترشُّح لانتخابات الرئاسة، سعى لجعل صديقه القديم «روجر يوجين إيلز» المسؤول التنفيذي السابق لشركة «فوكس نيوز»، رئيسًا لحملته الانتخابية. كان إيلز في موقفٍ صعب، فقد استقال في يوليو (تموز) 2016 من منصبه التنفيذي في «فوكس نيوز»، ولكنه على الرغم من ذلك، لم يوافق على عرض ترامب، مُعللًا ذلك بأن ترامب لا يقبل المشورة، أو حتى يستمع إليها، لكنَّ الحقيقة الخفية هي أن إيلز يراه «متمردًا دون سبب واضح»، بحسب وصفه، لا سيما أن إيلز كان مقتنعًا بأن ترامب لا يمتلك وجهة نظر سياسية، أو أرضًا صلبة يستند إليها في حملته الانتخابية، إضافة إلى أنه غير مؤهل للعب أي دورٍ سياسي، أو حتى الاشتراك في أي برنامج سياسي، بحسب إيلز.
وبعد مرور أسبوع من رفض إيلز منصب المستشار الإعلامي لترامب، قام ترامب بتكليف «ستيف بانون» بتلك المهمة المُستحيلة، وهو الأمر الذي ندم عليه روجر إيلز فيما بعد دخول ترامب للبيت الأبيض.
يحكي مايكل وولف مؤلف الكتاب، عن هدف ترامب من الترشح للرئاسة، مُشيرًا إلى أن حملة ترامب الانتخابية ومستشاريه، وهو نفسه، لم يتوقّعوا النجاح والوصول للحكم، لكنهم حسبوا خطواتهم بدقة من أجل الخسارة، إذ يروي عن مساعد حملة ترامب السابق «سام نونبرغ» وسؤاله لترامب: لماذا يريد أن يصبح رئيسًا للجمهورية؟ وكانت إجابة الرئيس الحالي للولايات المتحدة هي: «سأصبح أكثر الرجال شهرةً في العالم».
يشير وولف إلى أن الترشح للرئاسة في حالة ترامب كان هو المكسب الحقيقي، إذ كانت الخسارة أيضًا مكسبًا، ففي الحالتين سيكتسب تلك الشهرة التي سعى إليها، إذ عبر ترامب لصديقه إيلز أنه سيخرج من تلك الحملة بفرصٍ لا توصف، وشهرة واسعة لعلامته التجارية، مُستكملًا: «أنا لا أفكر في الخسارة، لأن الخسارة في حد ذاتها مكسب، كل هذا أكبر مما حلمتُ به يومًا ما».
يستكمل وولف قائلًا: إن الخسارة كانت النتيجة الخالية من المتاعب، وستسعد الجميع؛ إذ سيصبح ترامب أشهر رجلٍ في العالم كما تمنى، وشهيدًا لهيلاري كلينتون، أما ابنته إيفانكا وزوجها جاريد، فسيتحولان من أثرياء مجهولين، إلى مشاهير عالميين وسفراء للعلامات التجارية.
القدس عاصمة إسرائيل ضمن أجندة ترامب منذ أول يوم
يحكي المؤلّف مايكل وولف عن ليلة العشاء التي شهدت اعتلاء ترامب سدةَ حكم الولايات المتحدة الأمريكية، إذ اجتمع ستيف بانون، وروجر إيلز تحت سقف واحد يتناقشون حول ترامب، ومدى فهمه حقًا حقيقة وضعه الجديد.
كان هذا سؤالًا قد ورد على لسان إيلز: «هل يستوعب الملياردير اللعوب ترامب حقيقة أجندته الجديدة بوصفه رجلًا يمينيًا في سدة الحكم؟»، تردد بانون قبل إجابته بنعم، مستطردًا أن ترامب يسير وفقًا لبرنامج، مُشيرًا إلى أن أولى مهامهم تتضمن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإلى حشد الدعم الإسرائيلي لسياسات ترامب منذ اليوم الأول؛ إذ إن نتنياهو والملياردير الإسرائيلي شيلدون أديلسون يدعمون ترامب بشدّة: «نحن نعرف وجهتنا جيدًا»، هكذا رد بانون على روجر إيلز، وعندما شكّك إيلز في احتمالية معرفة ترامب لتلك الخطة، كان رد بانون غمزة يعقبها كلمة واحدة: تقريبًا.
دع الأردن تأخذ الضفة الغربية، ودع مصر تأخذ غزة، لنتركْهم يتعاملوا مع الأمر، أو يغرقوا وهم يحاولون. *ستيف بانون.
هكذا تحدث بانون عن الخطة المستقبلية لأزمة الشرق الأوسط الكبرى في فلسطين، مُضيفًا إلى أن المملكة العربية السعودية، والدولة المصرية كلتيهما على حافة الهاوية، خائفون حتى أخمص قدميهم من «بلاد فارس»، في إشارة إلى التوسع الإيراني في المنطقة العربية، إضافة إلى ما تشهده تلك المنطقة من تهديداتٍ في سيناء واليمن وليبيا، روسيا هي المفتاح لكل ذلك، وإن كان الروس سيئين، فالعالم مليء بالأشرار.
علاقة ملتبسة مع بوتين
يشير الكاتب إلى أن ترامب ليس قادرًا على أداء المهام الرئيسية في وظيفته الجديدة، معللًا ذلك بأن عقله غير قادر على تكييف سلوكه مع الأهداف التي تتطلبها الوظيفة؛ إذ يفتقر للربط ما بين السبب والنتيجة، وأكبر دليل على ذلك هو الاتهام الذي لاحقه بشأن اتفاق ترامب مع الروس من أجل الفوز في الانتخابات، مما عرضه للسخرية حتى من أصدقائه.
ويستكمل: «حتى وإن لم يتآمر شخصيًا مع الروس لكسب الانتخابات، فسعيه وجهوده المضنية لاختيار فلاديمير بوتين من بين كل الناس، لكسب وده، ستترك بلا شك ردود أفعالٍ مقلقة، سيدفع ثمنها سياسيًا لاحقًا»، وهو ما حذره منه صديقه القديم إيلز، دافعًا إياه إلى أن يأخذ الأمور على محمل الجد.
خطة ترامب لإدارة البيت الأبيض
بالنسبة للعاملين لدى ترامب، كان أبناؤه: «ترامب الأصغر»، وإريك، هما «قصيّ وعدي» نسبةً إلى أبناء الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إذ سعى ترامب ليكوّن إمبراطورية عائلية، أو هكذا تخيل.
كان ترامب يسعى لجعل ابنيْه قطبين في البيت الأبيض، أو على الأقل يحملون رايته في إمبراطوريته التجارية، فواحد يحقق أمنيات الوالد ليرث المظهر الشخصي ومهارات المبيعات، والآخر يعتمد عليه في مسائل الإدارة اليومية، وكانت خطة ترامب في حالة حدوث الاحتمال المستبعد (بأن يصبح رئيسًا فجأة) هو الاعتماد على صديقه الملياردير «توم باراك»، وهو واحد من دائرة ترامب المقربة وأشهر العاملين في مجال العقارات؛ إذ يشير الكاتب وولف إلى أن ترامب لم تكن تستهويه مسألة الإدارة اليومية، وهو الأمر الذي لم يفصح عنه لصديقه حينذاك، فقد كان يرغب منه في إدارة البيت الأبيض، قائلًا: «كان باراك سيدير شؤون البيت الأبيض وكما هو الحال في مجال العقارات، سيسعى ترامب – لبيع الأمر كله – بجعل الولايات المتحدة أكثر قوة مرةً ثانية».
إلا أن خطة ترامب قد فشلت، إذ وبنجاحه المفاجئ في الانتخابات، النجاح الذي كان أشبه بالفوز باليانصيب، امتنع باراك عن الرد على مكالمات ترامب حتى صارحه بالنهاية بأنه لن يتمكن من إتمام الأمر، يُعلل وولف ذلك بأن توم باراك لم يكن على استعداد لتصبح حياته الشخصية في ذلك الوقت محط أنظار العالم إلى جانب ترامب، خاصةً بعد زواجه الرابع.
كان طوق النجاة بالنسبة إلى ترامب في تلك المرحلة، هو زوج ابنته جاريد كوشنر، فأحاط نفسه بأفراد عائلته الخاصة، واضعًا دورًا لكل منهم في البيت الأبيض مماثلًا لدوره في إمبراطورية ترامب، وهو ما جعل «آن كولتر» عضو الحزب اليميني والداعمة لترامب تقول: «لا أحد سيقول لك هذا، ولكن لا تعيّن أبناءك في مناصب عموميّة»، وهو الأمر الذي عارضه ترامب، مُعللًا ذلك بأن من حقه طلب مساعدة أولاده وقتما احتاج ذلك، وجاء ذلك قبل اختيار بانون ليصبح مستشارًا لترامب.
ترامب يطلب دعم إمبراطور الإعلام مردوخ
كان «برج ترامب» هو المكان الذي تُدار فيه حملته الانتخابية، والذي عقد فيه حفلاته التي وُصِف فيها بالمهرج بين الأثرياء والمشاهير، وكان طوال الوقت يتوقع من الملياردير وإمبراطور الإعلام اليميني روبرت مردوخ أن يحضر، متوقعًا بأنه سيتمكن من استغلاله لصالح حملته الانتخابية، واصفًا إياه بأعظم الصفات.
كان ذلك قبل الرابع عشر من ديسمبر (كانون الثاني)، إذ جاء وفد رفيع المستوى من مجموعة من شركات التكنولوجيا العالمية «آبل» و«فيسبوك» و«جوجل»، لزيارة ترامب في برجه الخاص، بعد أن انتقد ترامب مرارًا وتكرارًا صناعة التكنولوجيا خلال حملته الانتخابية، وبعد أن انتهى الاجتماع عبّر ترامب لمردوخ عن حاجتهم الماسة لدعمه، معللًا ذلك بأنهم لم تكن أمورهم جيدة خلال فترة حكم أوباما، وهو ما دفع مردوخ لنعته بالأحمق، قائلًا: «لثماني سنوات كان هؤلاء الرجال هم رجال أوباما، إنهم لا يحتاجون لمساعدتك».
ترامب والإعلام: حربٌ لا تنتهي
يشير «وولف» في كتابه إلى أنَّ ترامب على عداءٍ مع وسائل الإعلام كافة، ذاكرًا حادثة قناة «سي إن إن» واتهام ترامب للوكالة بالترويج للأخبار الكاذبة، مُضيفًا أن استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي ورده على وسائل الإعلام يتم بطريقة صادمة للعامة؛ إذ لم يستطع بعدها حتى موظفوه المقربون الدفاع عنه، وهو ما كان في رأي مستشاره السابق بانون مؤشرًا لأنه لم يتغير أبدًا، ومُشيرًا إلى أن وسائل الإعلام لم تحبب ترامب يومًا، ولن تحبه، وهو شيء غير هام بالنسبة إلى أنصار ترامب، وما تم فعله بشأن هذا من مستشاريه هو محاولة لاحتواء أسلوب ترامب الهجومي، وهو بحسبه، أفضل كثيرًا من محاولة تأهيله للحديث مع الإعلام.
«ترامب لا يلتزم بنص معين»، هكذا أعرب بانون، مُشيرًا إلى أن عقل ترامب لا يعمل بهذه الطريقة العقلانية، مُشيرًا إلى أن ترامب يعلم جيدًا أنه لن يحصل على دعم وسائل الإعلام، وهو ما يدفعه في الأساس إلى معاداتهم.
الأيام الأولى في البيت الأبيض
يتحدث الكتاب عن الأيام الأولى لترامب في البيت الأبيض؛ إذ نشأت نظرية بين أصدقاء ترامب أنه لم يكن يتصرف بمفرده في الرئاسة منذ البداية؛ بل دائمًا ما يستعين بأصدقائه في اتخاذ قراراته، وذلك بالرغم من إعلانه منذ الأيام الأولى على حسابه الشخصي على «تويتر»، أنه لن يتَّبِع أي إملاءات من أحد، وأنه لن يسلك نفس الطريق الذي سلكه الرؤساء من قبله.
وبالرغم من أن معظم الرؤساء الأمريكيين الذين وصلوا إلى البيت الأبيض من قبل، كانت خلفياتهم الاجتماعية من الطبقة المتوسطة وكان معظمهم يعيش حياة بسيطة نسبيًّا، ولذلك فقد شعروا بتغيُر مفاجئ عندما انتقلوا إلى البيت الأبيض وتفاجؤوا بالخدم، والأمن المُشدد، والطائرة جاهزة الاستعداد دائمًا، لكن هذا لم يكن الحال مع ترامب؛ فحياة البيت الأبيض ومميزاتها لم تكن تختلف كثيرًا عن حياة ترامب في بُرجه (Trump Tower)، بل إن حياته قبل الرئاسة كانت أكثر رفاهيةً من تلك في البيت الأبيض، ولذلك لم يشعر بأي تغير فيما يخص ذلك، ولكنه ظل يتصرف كما هو، فلم تكن الرئاسة تحولًا كبيرًا، أو مكسبًا فيما يخص الجوانب المالية له.
ولذلك، فقد ظهر على ترامب الغضب من الشكل المعماري وتهيئة البيت الأبيض، وذلك نظرًا لخبرته الطويلة في إدارة الفنادق، فضلًا عن أزمة الصراصير والقوارض الشهيرة الموجودة في البيت الأبيض، لذلك تساءل أصدقاؤه متعجبين: «لماذا لم يطلب ترامب إعادة تشكيل البيت الأبيض من الداخل؟».
مِن بُرج ترامب إلى البيت الأبيض
التفاصيل داخل البيت الأبيض في الأيام الأولى لترامب غريبة؛ فقد طالب أن تكون له غرفته الخاصة المستقلة، حتى بدون وجود ميلانيا فيها، وأمر بتجهيز غرفة خاصة لها غير غرفته، وهي المرة الأولى منذ أيام حكم «كيندي» التي يكون فيها الرئيس وزوجته في غرفتين منفصلتين، على الرغم من أن ميلانيا كانت تقضي أيامًا قليلة في البيت الأبيض.
الغريب أيضًا أن ترامب طالب بوجود شاشتيْ تلفاز في غرفته الخاصة، بالإضافة إلى شاشة ثالثة موجودة هناك أساسًا، وأمر بإغلاق الباب عليه، وعدم دخول أي شخص عليه عندما يكون في الداخل، وهو ما أحدث مشكلة بينه وبين عناصر الأمن الشخصي، الذين أكدوا أن لهم الحق في دخول غرفته في أي وقتٍ لتأمينه.
كما فرض ترامب مجموعة من القواعد الجديدة في البيت الأبيض، فلا أحد يلمس أي شيء يخصه حتى إن كانت فرشة أسنانه؛ فقد كان دائمًا مهووسًا بالخوف من التسمم؛ وهذا سبب تردده الدائم على المطاعم المختلفة، نظرًا لأنهم لن يعرفوا بقدومه، مما يقلل فرص تجهيز أي محاولات لاغتياله وتسميمه.
القواعد الجديدة في البيت الأبيض دفعت ترامب لتوبيخ خادمة في إحدى المرَّات التي حملت فيها قميصه من الأرض قائلًا لها: «إن كان قميصي مُلقى على الأرض، فذلك لأنني أريد ذلك» مؤكدًا أنه حينما يحتاج شيئًا سيطلبه من الخادمات، وأنه سيقوم بضبط سريره بنفسه.
ترامب كان دائمًا يظل جالسًا مع ستيف بانون، يتناولان الغداء يوميًا في السادسة والنصف مساءً، وإن لم يكن يفعل ذلك فإنه يكون في غرفته وحيدًا، محاطًا بثلاث شاشات تلفاز، يأكل شطائر «البرجر» مع الجبنة، ويجري عددًا من المكالمات الهاتفية بمسؤولين أو بعدد صغير من أصدقائه، منهم صديقه «توم باراك» الذي كان يخبره دائمًا بمستويات شعبيته وتراجعها أو تقدمها بمرور الوقت. وإن لم يكن ترامب مع بانون، أو يجري مكالمة هاتفية في غرفته، فإنه يتصفَّح وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ كان الهاتف هو وسيلة اتصاله الحقيقية مع العالم الخارجي.
ترامب الحسّاس: يتأثر نفسيًا بسخرية الإعلام منه
بعد حادثة زوكر، شن ترامب حملات هجومية ضد جميع وسائل الإعلام التي تهاجمه، وخاصةً «سي إن إن»، قائلًا إنهم لطالما بثوا «أخبارًا كاذبة 100%»، وكانوا يخترعون قصصًا وهمية، مؤكدًا أن جميع الرؤساء الأمريكيين لم يتعرضوا لمثل هذا الهجوم من قبل وسائل الإعلام المختلفة، حتى الرئيس الأمريكي نيكسون، لم تصل مرحلة الهجوم عليه لهذه الدرجة، كما يقول ترامب.
تحدَّث ترامب بإسهاب أيضًا عن البرنامج الساخر «SNL»، مؤكدًا أن ما يفعلونه هو مجرد «كوميديا تافهة»، وأن سخريتهم منه لا تضحك الشعب الأمريكي، بل إنها تحزنهم، وتؤذيهم. وأضاف الكتاب أن ترامب في نفس اليوم الذي منع فيه العمال المكسيكيين من دخول الولايات المتحدة، قد وفّر بذلك 700 مليون دولار سنويًا كانت تهدر عليه، كما وفّر بهذه الخطوة ملايين الوظائف للشعب الأمريكي، كانت وسائل الإعلام تسخر منه وهو في رداء الحمَّام، بدلًا من إبراز هذا الإنجاز، مؤكدًا أن ذلك أشعره بالمهانة، لأن «الكرامة شيء مهم للغاية».
صراعٌ الأعراق والنفوذ داخل أروقة الرئاسة
الكتاب المثير للجدل سلَّط الضوء أيضًا على التوترات الداخلية في البيت الأبيض بعيدًا عن ترامب، والذي تحوَّل من مقر للرئاسة إلى حلبة للصراع «بين اليهود وغير اليهود» حسب الكاتب؛ إذ قام الكاتب بتقسيم العاملين في البيت الأبيض إلى جبهتين، جبهة «البانونيين»، وهي التي تضم ستيف بانون؛ كبير مستشاري ترامب، وأتباعه ومؤيديه داخل البيت الأبيض، وجبهة «جافانكا»، وهو الاسم الذي يُطلق للتعبير عن تحالف جاريد كوشنر صهر ترامب، وزوجته إيفانكا ترامب.
وأكد الكاتب أن هناك صراعًا طويلًا بين الجبهتين خلال العام الماضي الذي حكم فيه ترامب الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي وصفه «وولف» بالتوترات العرقية والدينية التي سكنت البيت الأبيض بين الجبهتين، مستعينًا بكلمات هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس نيكسون، والتي قال فيها إن العداء بين كوشنر وبانون، هو كالحرب بين اليهود وغير اليهود.
يتوقّع ترامب أن تكون الأمور دومًا سهلة. فعندما حذّره بانون من جيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، كانَ رد ترامب بسيطًا: «لا تقلق، أمسكت به» مُعتقدًا أن قليلًا من التودد لشخص كرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، يُمكن أن يغير موقفه ومشاعره تجاه ترامب.
ويشير الكتاب إلى أن ترامب في 27 يناير (كانون الثاني) طلب من كومي أن يظلّ معه في المكتب بعد إخراج الجميع منه، إذ عرض عليه أن يظلَّ في منصبه مديرًا للمكتب الفيدرالي، وبمنطقه البسيط في فهم الأمور، اعتقد أنه بهذا العرض السَخي – أي تركه لكومي في منصبه – سيدفع كومي لترك تحقيقاته، فكما سانده ترامب سيُسانده هو بالمُقابل.
في البداية كان بانون يدفع لطرد كومي، لكن ترامب تجاهله تمامًا. إلا أن خروج قصة التدخل الروسي في الانتخابات للعلن حتى بدأ ترامب يغلي بسببه، وفي أحد الاجتماعات وصف ترامب كومي بالفأر الذي قد يُسقطه. هذه المرة اختلف موقف بانون، وأخبر الرئيس أنّ إقالة كومي في ظرف كهذا الظرف سيُحول قصة روسيا، وهي «قصة من الدرجة الثالثة» حسب بانون «لأكبر قصة في العالم»، أما كوشنر خصم بانون اللدود، فقد حفّز حموه (ترامب) على العكس تمامًا.
عبثًا حاول بانون أن يشرح لترامب أن التحقيق ليس تحقيق كومي، وإنما تحقيق يُجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أنه في 9 مايو (أيار) 2017، قرر ترامب أن يُقيل كومي بشكل مُفاجئ وبقرار شخصي، ولم يُخبر أحدًا سوى عائلته، كوشنر وإيفانكا، لا كبير الموظفين ولا مستشاريه ولا المتحدث الرسمي، ولم يُعرض الموضوع بجوانبه القانونية والسياسية المختلفة إلا على العائلة. ثم ظهر الخبر وظنَّ موظفو البيت الأبيض، بناء على تقرير خادع، أن كومي استقال، وبعد قليل من الوقت عرف الجميع الحقيقة، وأصبحَ شون سبيسر، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، مُلامًا ومُعاتبًا لتأخّره في إعداد مهربٍ إعلامي لإقالة كومي.
لقد كان قرار الإقالة، حسب الكاتب، قرارًا عائليًا صرفًا.
الرئيس الصبيانيّ
مظهر من مظاهر صبيانية ترامب، والذي أكّد عليه بانون، أخذهُ للأمور بشكل شخصي، فبعد إقالته لكومي؛ اجتمع بشخصيات روسية مرموقة بينها السفير الروسي، في استفزازٍ لكومي وتحقيقه. ولسوء حظه، كشفَ ترامب في هذا الاجتماع عن معلومات سريّة وهامة حصلت عليها الولايات المتحدة من عميل لإسرائيل. كانت المعلومات عن داعش وخططها لتهريب مُتفجرات في الحواسيب المحمولة في الطائرات، وأخبرهم ترامب بأكثر من اللازم، إذ صار أمن المُخبر مهددًا. وشوّهت هذه الحادثة سمعة ترامب في الدوائر الاستخباراتية، لأن القاعدة المُتَّبعة تنص على أن سرية العميل وحمايته أهم من كل الأسرار الأخرى. وعلّق بانون على هذا الحدث بقوله: «إنه ترامب! يظنّ أن بإمكانه فصْل الإف بي آي»، وبعد قراره اعتقد ترامب أنه «بطل»، وأنه أثبت للجميع قدرته على ممارسة سلطة الدولة واستخدامها.
بانون.. فيلسوف ترامب وعقله المفكّر
لم يُخف بانون سخريته من أعضاء الفريق، حتى سخريته من ابنة الرئيس وزوجها. ولكنه حافظ على احترامه للرئيس ترامب دائمًا، هذا الاحترام الذي لم يكن ذا جدوى لاحقًا، إذ جمع ترامب لجنة كبيرة لتُقرر مصير بانون، وكتب قائمة من الأشياء التي تُزعجه في بانون، وكان من بينها: أن مظهره كالمشردين، «استحم يا ستيف! لبستَ هذا البنطال ستة أيام». هذا ما قاله ترامب عن صديقه الذي يستمتع بالإساءة إليه، والذي يرى الكثيرون أنه كان السبب في وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة.
وجاء في الكتاب أن بانون كان يرى البلاد منقسمةً إلى قسمين: نعم ولا، فريق يفوز وفريق يخسر، ومَن يحكم يُهمّش الآخر. وسعى بانون إلى استعادة الاتفاقيات التجارية، وشنّ حروب تجارية لدعم الصناعات الأمريكية. كما سعى للدفاع عن سياسات الهجرة التي تحفظ مكانة العمال الأمريكيين، ومن ثمّ – في نظره – سيحفظ الثقافة والهوية الأمريكية، ولذا كان يرى أن على أمريكا أن تدخل في عزلة دولية، لتحافظ على مواردها وهويتها. كان هذا جنونًا في نظر الجميع ما عدا ترامب واليمين المتطرف، أمّا بانون فقد رأى في كلامه فكرة ثورية ودينية.
لكن المشكلة التي قابلت بانون هي في التعاطي مع ترامب في الأزمات، وفي كيفية إيصال المعلومات لشخص لم ولا يستطيع ولا يريد أن يقرأ، وفي أحسن الحالات يستمع بشكل انتقائي. والجانب الآخر للمشكلة كيفَ تُوصل المعلومات لرجل يفتخر دومًا بأنه لم يحضر صفًّا دراسيًا أبدًا، ولم يشترِ كتابًا أو يسجّل الملاحظات.
من سمات ترامب أنه يقدّر الجنرالات، وكلما ازدادت الأوسمة على رداء الجنرال، كان ذلك أفضل، ولكن ترامب هو ترامب، يكرهُ الاستماع للجنرالات الذين يرطنون بالمصطلحات العسكرية ويملؤون حديثهم بأكوام البيانات والمعلومات، كلامهم يشبه كلام هربرت مكماستر، مستشار الرئيس للأمن القومي، الذي يقول عنه ترامب لأصدقائه إنه «مُمل جدًا، سأقوم بطرده»، وظلّ ترامب يتساءل لمَ قام بتوظيفه من الأصل؟! مُلقيًا اللوم على صهره كوشنر. وعندما ارتدى مكماستر بدلةً فضفاضة وصفه ترامب بـ«بائع البيرة».
أول امتحان في الشرق الأوسط: ترامب يقصف سوريا
بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في خان شيخون توتّر البيت الأبيض بأكمله، وكان توتر مجلس الأمن القومي يزداد بتأخّر قرار الرئيس حول الحدث، ما دفع كوشنر ليشتكي لزوجته عن تأخر والدها، وحتى صعوبة اتفاقهم معه على إصدار بيان شديد اللهجة يُدين استخدام السلاح الكيماوي. وبدا واضحًا لكوشنر ومستشار الأمن القومي أن ترامب مُنزعج من اضطراره اتخاذ إجراءات حول الهجوم، لا من الهجوم نفسه والضحايا الذين سقطوا.
وهنا جاء دور إيفانكا، التي تعرف أن الأرقام والبيانات لا تحرّك والدها، وإنما تُحركه الأسماء الكبيرة، والصور الواضحة، إنه يعيشُ في عالم الصور لا عالم البيانات.
في نهاية اليوم، وقفت إيفانكا مع ديانا باول، نائبة مستشار الرئيس للأمن القومي والأمريكية من أصول مصرية، وقدّمتا لترامب عرضًا من صور لأطفال سوريين تُخرج أفواههم الزبد نتيجةً لتعرضهم للسلاح الكيماوي. كرّر الرئيس مشاهدة الصور وبدا مأخوذًا لتأثره بما رأى، ونَسي كل ما كان يقوله له مستشاره بانون من أن هذا الهجوم كغيره من الهجمات، بل بعضها كان أشد وأقسى، والتدخل فيها أو في غيرها لا طائل منه ولا داعيَ له ما دامت الولايات المتحدة غير مُجبرة على التدخّل. بعد مروره على صور الأطفال تحوّل موقفه: لا يُعقل أننا لا نقدر على فعل شيء، «إنهم مجرّد أطفال!»، وانقلب ترامب تمامًا، من الرجل الذي لا يُعير التدخل العسكري اهتمامًا إلى السؤال عن كافة الخيارات العسكرية المتاحة.
لم يُطفئ حماسة ترامب للقرار إلا مستشاره القومي، الذي عرضَ له الخيارات العسكرية بنفس طريقته المملة، فتأخّر القرار قليلًا، ولكنه صدر في النهاية، وبدا ترامب العشوائي غير المتوقع؛ مُتوقعًا هذه المرّة، ومُمكنَ التحكم والتوجيه.
ترامب وإدارته يُتابعون أخبار الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات العسكري في سوريا، ردًا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي. يظهر بانون مُنزعجًا ومُبعدًا عن الصورة، وفي اليوم التالي للضربة الجوية تمت إقالته.
السلطة من أجل الشهرة
روجو إيلز، أحد عرّابي الإعلام الأمريكي المُحافظ وصديق ترامب لـ25 عامًا يقول عن الإعلام: «إنه يمثل السلطة أكثر من تمثيله للسياسة، وهو – ترامب – أراد اهتمام أقوى رجالها واحترامهم»، يرى الكتاب أن منطق ترامب في الإعلام مشتقٌ من فهمه للرئاسة، فهو يرى أن أعظم نتيجة لرئاسة أمريكا أن تكون أشهر رجلٍ في العالم، وبمنطقه البسيط، فإن الشهرة تعني الحُب والتبجيل، ولذا كان يبحث عن حب الإعلام في كل مكان. هكذا وصفه وولف مؤلف الكتاب.
يُقام سنويًا عشاء يجمع مراسلي البيت الأبيض، ويحضره – وفقًا للتقليد – الرئيس الأمريكي. في سنة 2011 دُعي دونالد ترامب إلى حفل العشاء على شرف أوباما، الرئيس آنذاك. قبل ذلك العشاء كان ترامب قد شنَّ هجومًا حادًا في الصحافة على أوباما سائلًا: أين مكان ولادته؟ هل ولد فعلًا في الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل هو مسلم؟ ما دفع البيت الأبيض لنشر شهادة ميلاد أوباما التي تؤكد أنه ولد على التراب الأمريكي. لكنّ أوباما لم يتوقف عند هذا الحد، بل صبَّ سخريته بكثافة شديدة على ترامب بطريقة مُهينة، ما دفع البعض ليعتقدوا أن ترامب قرر الترشّح للانتخابات التالية بسبب هذا الموقف.
من المعتاد في العشاء أن تسود أجواء مرحة وفكاهية، يسخرُ فيها الجميعُ من الجميع، هذا ما يبدو أن فريق ترامب يخشاه أكثر منه، وأصرّ على حضور عشاء المراسلين بعد فوزه بالانتخابات بعد أن صارَ رئيسًا، وقد رفض الاستجابة لنصائح مستشاريه الإعلاميين بضرورة أن يُحضّر نفسه لهذا العشاء قائلًا إن الارتجال أفضل. في النهاية، انتصرت إرادة فريق ترامب، وشدّد عليه بانون أن الرئيس لا يجب أن يكون محطّ سخرية ومتعة لأعدائه. «عدا ترامب، لم يعتقد أحد في البيت الأبيض أن ترامب سيتجاوز هذا العشاء بنجاح»، وبعد ضغط فريقه عليه انسحبَ ورفض حضور العشاء.
صعود ابن سلمان كان بضغطة زرّ من البيت الأبيض
كأغلب القيادة السعودية، لم يتلقَ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعليمًا خارجيًا، ما جعل ترامب وعائلته حذرين في التعامل معه في البداية. ولكنّ ترامب ومحمد بن سلمان، وجدا أنهما مُتقاربان، ومعرفتهما القليلة ببعضهما البعض جعلتهما مُرتاحين معًا. وعندما عرّف ابن سلمان نفسه أمام كوشنر (صهر ترامب) مُخبرًا إياه أنه رجله في السعودية، بدا ذلك بتعبير صديق كوشنر: «كلقاء شخص لطيف في اليوم الأول من المدرسة الداخلية».
وقد أحرز كوشنر على الصعيد الدبلوماسيّ نجاحًا مع الكنديين والصينيين من قبل، ولكن النجاح الحقيقي كان في السعودية.
كان لوزارة الخارجية الأمريكية علاقة بعيدة وقوية مع محمد بن نايف، المُنافس الأوّل – حينها – لمحمد بن سلمان. ووصلت رسائل لوكالة الأمن القومي (NSA) وللخارجية الأمريكية بأن نقاشات كوشنر وعلاقته سريعة النمو بمحمد بن سلمان، قد تكون خطرًا على محمد بن نايف. ويعتقد رجال الخارجية أن كوشنر اتّبع أفكار محمد بن سلمان التي لم تُختبر بعد. خطة محمد بن سلمان وكوشنر كانت واضحة حسب الكاتب: أعطني ما أريد أُعطِكَ ما تريد. دُعي محمد بن سلمان لزيارة البيت الأبيض، واستغلّ تلك الزيارة داخليًا ليظهر بمظهر قوّة وعلاقة وثيقة مع البيت الأبيض، وبدأ ابن سلمان بتقديم الوعود: سلّة من الصفقات والإعلانات التي ستُربح ترامب.
وبدأ ترامب يتحدث قبل الرحلة للرياض عن الصفقات التي قد تُعقد، وذكر أنّ السعودية ستقوم بشراء صفقات ضخمة، 110 مليارات دولار فورية و350 مليار دولار على مدى 10 سنين، ومن الجدير بالذكر أنه تحدث منذ ذلك الحين عن نقل القاعدة الأمريكية من قطر إلى السعودية. في الرياض عُومل ترامب وعائلته معاملة الملوك، يتنقلون باستخدام عربات غولف ذهبيّة وأُقيمت لهم حفلة بـ75 مليون دولار على شرف الرئيس الأمريكي، وأجلسوه على كرسي يُشبه العرش.
كانت أفعال ترامب وتوجهاته في القمّة الإسلامية-الأمريكية في السعودية تُمثّل تغيّرًا ضخمًا في السياسة والاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وتجاهل ترامب – أو تحدى – توصيات الخارجية الأمريكية، ولمّح للسعوديين بالضوء الأخضر للتنمر على قطر، التي رأى ترامب أنها تموّل الإرهاب، مُتجاهلًا تاريخ السعودية المُشابه في هذا الشأن حسب الكاتب. وفي ليلة ظلماء، أُسقط محمد بن نايف على يد محمد بن سلمان، مُتنازلًا عن ولاية العهد له، ليُخبر ترامب أصدقاءه أنه هو وكوشنر هندسوا اللعبة: «وضعنا رجلنا على القمة».
ترامب وتركة أوباما
يضيف الكتاب أنّ إلغاء «أوباما كير» (Obama care) القانون الذي سنَّه الرئيس السابق أوباما لتوسيع التغطية الصحية للمواطنين، أحد أكثر المواضيع التي جادل فيها ترامب ودعا إليها خلال حملته الرئاسية، لكن الصادم أن ابنته إيفانكا وزوجها كوشنر كانا ضد إلغاء البرنامج. ولذا، التزم كوشنر الصمت في هذا الموضوع، مُعتقدًا أن على البيت الأبيض أن يسعى لحصد انتصارات مُمكنة وسهلة، من خلال إصلاح بعض مكامن الخلل في «أوباما كير»، بدلًا من خوض معارك صعبة الفوز أو لا يمكن الفوز فيها أصلًا. ومن الجدير بالذكر أن جوشوا كوشنر، أخا جاريد ورجل الأعمال، يمتلك شركةً تعمل في مجال التأمين الصحي.
تفاصيل الاجتماع الذي قد يطيح بعرش ترامب
حتى يبهر «دونالد الابن» والده، وبتشجيع من إيفانكا وزوجها كوشنر، ومع غياب خبير يفقه في السياسة يقول «لا» قبل وقوع هذه الكارثة؛ أجرى «ترامب الابن» في التاسع من يونيو (حزيران) 2016 واحدًا من أخطر الاجتماعات في السياسة الأمريكية الحديثة، من خلال لقائه بشخصيّات روسيّة مرموقة، وعدته بإعطائه معلومات مضرّة عن المنافِسة في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، ممّا أوقع الرئيس ترامب بعدها بسنة في فضيحة سياسيّة لم يستطع التخلّص منها حتى اليوم، جعلت خصومه يتهمونه بالتواطؤ مع الرّوس للتأثير على نتائج الانتخابات.
يضع الكاتب عدّة سيناريوهات لطبيعة ذلك الاجتماع وأسبابه الحقيقيّة: إذ يرجّح أن تكون أطراف روسيّة – بصفة منظّمة أو مرتجلة – أرادت تكوين علاقات وديّة مع ترامب، أو أن يكون الاجتماع هو جزءًا من سلسلة لقاءات تعاونية بين حملة ترامب والرّوس من أجل الحصول على معلومات من شأنها تشويه صورة المنافسة كلينتون، وبالفعل، بعد أيّام من لقاء «ترامب الابن» بالروس، أعلن موقع ويكيليكس حصوله على إيميلات خاصة بكلينتون، وبدأ في نشرها للعموم بعدها بشهر.
فرضية أخرى يضعها الكاتب، هي أن حملة ترامب كانت موقنة بالخسارة أمام كلينتون، وبالتالي لم يكن لديها ما تخسره أكثر مما هي عليه بالفعل، في هذا السياق أراد «ترامب الابن» أن يستخدم آخر ورقة يملكها (الروس) من أجل أن يظهر في أعين والده والبقيّة كرجل يمكن الاعتماد عليه. لا عجب أن ستيف بانون كان ينادي «ترامب الابن» بـ«فريدو»، الابن الغبيّ في فيلم «the godfather» حسب الكاتب.
الفرضية الثالثة لهذا الاجتماع هي أنّ صهر ترامب احتاج لدعم «ترامب الابن» من أجل التخلّص من رئيس الحملة الانتخابيّة ليفاندوفسكي، وبما أن الصهر لم يكن يأخذ فرص ترامب للفوز بجديّة، فلم يجد أي خطورة في حضور هذا الاجتماع. لكن الجانب الأخطر من هذا الاجتماع بين فريق ترامب وبين الرّوس، وما يهّم المواطن الأمريكي بالفعل هو إن كان الرئيس ترامب قد علم بهذا الاجتماع بالفعل أم أنه حدث دون درايته؟
ستيف بانون يؤكّد للكاتب استحالة ألا يخبر «ترامب الابن» أباه باجتماع بهذه الخطورة والجديّة. «كيف يعقل أن يجروا مثل هذا الاجتماع بدون حضور محامٍ واحد؟» يعلّق بانون على هذا الاجتماع بكل اندهاش من تصرّف عائلة ترامب، ويؤكد أن مثل هذه الاجتماعات الخطيرة من المفروض أن يجريها المحامون، حتى لا يبقى أي أثر يشير إلى مسؤوليّة عضو من الحملة الانتخابيّة في التعاون مع حكومات أجنبيّة.
هذا الاجتماع المشؤوم كان واحدًا من أكبر الكوارث التي شهدتها إدارة ترامب، ولعله التصريح الذي يسرّع من خروجه من البيت الأبيض: فكل التصريحات التي كانت تنفي حدوث تعاون بين فريق ترامب وبين الروس خلال الحملة الانتخابية صارت بلا معنى.
كما أن فريق البيت الأبيض صار ينظر لترامب على أنه كاذب، بعد أن تأكّد علمه بوقوع هذا الاجتماع رغم إنكاره في السابق، مما جعل الكثيرين من موظفي البيت الأبيض يبحثون عن مخرج من هذا القارب الذي يوشك على الغرق، ويفكّرون بجديّة في الاستقالة.
بالإضافة إلى ذلك، حدثت انشقاقات داخل «العائلة المالكة»، فالكثيرون رأوا أن كوشنر (صهر ترامب) هو من سرّب تفاصيل هذا الاجتماع من أجل التخلّص من «ترامب الابن» وتبرئة اسمه من التورّط في هذه الكارثة.
نقمة في ثوب نعمة
لكن إيفانكا وكوشنر لم يتوقّعا أن تكون رئاسة الوالد مصيبة على أموالهما وأعمالهما، بدل أن تكون نعمة، فالقيود القانونية الشديدة التي تكبّل كل من يعمل في البيت الأبيض لضمان عدم استفادتهم بشكل غير مشروع من المنصب العموميّ؛ جعلت الشّابين في وضع حرج اقتصاديًّا، ولم يدم الأمر إلا شهورًا معدودة حتى كان كوشنر متّهمًا في قضايا التربّح غير المشروع من منصبه في البيت الأبيض، وقد كان موشكًا على الإفلاس أو حتى دخول السجن. بسبب هذا، ألقى الزوجان باللوم على الجميع لما آلت إليه أوضاعهما: ألقيا باللوم على بانون واتهماه بأنّه يسرّب من داخل البيت الأبيض، وألقيا باللوم على بريبوس (كبير الموظفين) بسبب الجو المشحون الذي يشوب جو العمل، وعلى شون سبايسر (المتحدث باسم البيت الأبيض) بسبب عدم دفاعه عنهما في وسائل الإعلام بالشكل الكافي.
بعد أن افتضح أمر الاجتماع رأى الكثير من موظفي البيت الأبيض أن إيفانكا «تخرج عن النصّ» وعن المهام الموكلة لها والخاصة بـ«السيّدة الأولى»، فمشروعها المتمثّل في صندوق دعم سيدات الأعمال في دول العالم الثالث، والذي تجمع تمويله من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى اجتماعها جنبًا إلى جنب مع رؤساء الصين وبريطانيا بدل والدها كانت مؤشرات على أن إيفانكا تتجاوز أدوار السيّدة الأولى الرمزيّة بطبيعتها، إلى أدوار من المفترض أن يقوم بها موظفو البيت الأبيض المتمرّسون.
أجواء مكهربة ومؤامراتٌ لا تنتهي
كازوفيتز، محامي ترامب الشخصيّ وأحد أعضاء الفريق المقرّب من الرئيس اقترح على ترامب أن يطرد الزوجين (إيفانكا وكوشنر) من البيت الأبيض بسبب تجاوزهما لصلاحيتهما وتأثيرهما سلبًا على عملية اتخاذ القرار، ليطلق بذلك رصاصة الموت على مساره المهنيّ في الرئاسة، فقد رتّب كوشنر مجموعة من التسريبات عن حياته الشخصية متعلّقة بمشاكله مع الخمر وتصرّفاته السيّئة، ليجد هو نفسه مطرودًا من البيت الأبيض، بدل الزوجين.
وفي حادثة مدهشة تلخّص الجو المكهرب الذي عاشه البيت الأبيض في الأشهر الأخيرة، واقعة حصلت بين ستيف بانون وهوب هيغز، مساعدة ترامب والمحسوبة على جناح إيفانكا وزوجها، إذ ينقل الكاتب أن شجارًا وقع بين بانون وهيغز لأنّه وبّخها وصرخ في وجهها بنبرة تهديدية، وأخبرها بأنها «تعمل لصالح البيت الأبيض، لا لصالح الزوجين كوشنر»، وطلب منها بصوت مرتفع أن تُحضر محاميًا لأنّها في ورطة كبيرة، واستُخدم في الشجار كلمات نابية، مما جعل «هيغز» تفرّ هاربة من بانون في أروقة البيت الأبيض، ليخرج الرئيس ترامب متسائلًا عن سبب كل هذه الضجّة. يقول الكاتب إن هذه الحادثة تعدّ من بين أكثر الحوادث عنفًا التي شهدها البيت الأبيض في تاريخه، وقد استخدم الزوجان كوشنر هذه الحادثة في حربهما الباردة مع بانون حتى رحيله.
أفغانستان.. مستنقعٌ لا فرار منه
لا شيء كان يشغل بال ترامب أكثر من القرار الذي كان عليه اتخاذه بالنسبة لأفغانستان، هل يرسل هناك المزيد من الجنود أم يبقي على الوضع القائم؟ للمفارقة؛ فإن «صوت السلام» الذي كان يُثني ترامب عن إرسال المزيد من الجنود هناك كان بانون، الذي عادة ما يوصف بالتطرّف واليمينيّة. وفي سياق الضغط على ترامب لانتزاع قرار منه بشأن القوات الأمريكية في أفغانستان؛ ضغط بانون بالتعاون مع مؤسس شركة «بلاكووتر» من أجل إقناع ترامب بسحب القوات الأمريكية واستبدال رجال الشركات الأمنيّة الخاصة بها وبعض رجال السي آي إيه (CIA) ومجموعة من المتعاقدين العسكريّين الخواص، وقد اقتنع ترامب بهذا الطرح بالفعل، لكن هذه الفكرة قوبلت بالاستهزاء من طرف وزارة الدفاع الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك طُرح من طرف مساعديه حلّ وسط، لا يرجّح الكفّة الأمريكيّة في الحرب في أفغانستان، ولكنه «يحفظ شيئًا من ماء الوجه» في هذه الحرب من خلال إرسال بضعة آلاف إضافيين من الجنود (7 آلاف كحد أقصى). بحلول الاجتماع النهائي للفصل في هذه القضيّة كان أمام ترامب ثلاثة خيارات: زيادة عدد الجنود بشكل كبير حتى تضمن التفوق النهائي في الحرب مع ما ستصاحبه هذه الزيادة من موجة غضب شعبية، أو خيار المتعاقدين الأمنيين الخواص، أو إرسال بضعة آلاف.
هنا يذكر الكتاب أن ترامب كاد يفقد عقله غاضبًا في هذا الاجتماع، وهدّد بأنه سيقيل كل جنرالات الجيش، فقد استغرب أن بعد كل هذه المدّة التي أعطاها إياهم ليحضّروا خطّة متماسكة: يتفاجأ بهذه المقترحات، وقد انتقد كيف أن الولايات المتحدة لا تجني أية أموال من أفغانستان، وأشار إلى الصين التي تملك حقوق استخدام المناجم الأفغانيّة، بينما لا تملك الولايات المتحدة شيئًا. رغم الفوضى التي سادت في ذلك الاجتماع، إلا أن وجهًا مبتسمًا كان موجودًا داخل الاجتماع، فصوت ترامب وهو يصرخ في وجه الجنرالات وينهرهم كان كالموسيقى في أذنيه، وقد رأى أنهم يستحقون هذا التوبيخ بالفعل، وأن هذا الموقف من أهم المواقف التي اتخذها ترامب في رئاسته، إنه ستيف بانون.
أسرع إقالة في تاريخ البيت الأبيض
أنثوني سكاراموتشي، أحد رجال الأعمال الذين دعموا ترامب خلال حملته الانتخابيّة، إلا أنه اختفى فجأة في الأيام الأخيرة لهذه الحملة بعد أن تهاطلت الفضائح على ترامب وعاش أيامًا عصيبة، مما اعتُبِر مؤشرًا آخر على أن حملة ترامب ستشهد هزيمة مذلّة. عاد سكاراموتشي للظهور مجدّدًا بعد الفوز المفاجئ لترامب وصار يكثر من زياراته لـ«برج ترامب» للاحتكاك بفريق ترامب مجددًا والتقرّب من بانون الذي سيصبح كبير مستشاري الرئيس، لعله يحظى هو أيضًا بوظيفة ما في الإدارة الجديدة.
الرجل الذي دعم يومًا باراك أوباما، أحد ألدّ أعداء ترامب السياسيين، وحتّى كلينتون، كان لا يخجل من عرض خدماته ليل نهار والتسكّع في برج ترامب لعله يظفر بلقاء مهمّ أو التفاتة من ترامب، لكن مشكلته هو أنه كان مُبغضًا ومثيرًا للاشمئزاز من كل الطبقة السياسية، حتى بالنسبة لرجل سياسيّ. كان الزوجان كوشنر يريان أن مشكلتهما في الأساس تتعلّق بالإعلام وبالتواصل مع الصحافة، وبالتالي فهما يحتاجان شخصًا له علاقات في عالم التلفزيون، بالإضافة إلى ذلك فإن سكاراموتشي ابن نيويورك، ويعرف عالم وول ستريت جيدًا، فهو أقرب إليهما من شون سبايسر، مسؤول الإعلام في البيت الأبيض.
«أنا أتمنى فقط أن أحقق جزءًا صغيرًا من عبقريّتك الفذّة كشخص يجيد التواصل مع الآخرين، فأنت قدوتي ومثلي الأعلى»، بهذا التملّق الواضح، أقنع سكاراموتشي، مسؤولُ الإعلام في البيت الأبيض – الذي لم يدم أكثر من 10 أيام – الرئيسَ ترامب ليظفر بوظيفة في الرئاسة، ويخرج بعدها من الباب الضيّق بفعل تسريبات صحافيّة يشتم فيها بعبارات بذيئة كبير موظّفي الرئاسة بريسبوس، لينتهي ما وصفه الكاتب بأنه أحد أسوأ الاستقدامات في تاريخ البيت الأبيض.
جون كيلي يحاول السيطرة على الوضع
من أجل احتواء هذه الفوضى التي تعم الرئاسة قرّر ترامب تعيين جون كيلي، الجنرال المتقاعد من الجيش الأمريكي، ذي السنوات السبع والستين، في منصب كبير موظّفي البيت الأبيض مكان بريبوس. «هل يبتسم هذا الرجل أصلًا؟» تساءل ترامب، وهو يرى أن أساليب الجنرال المتقاعد لا تشبه أساليب ترامب في شيء، مما جعله يفكّر مليًّا إن كان قد أخطأ في هذا الاستقدام أيضًا كما فعل مع عشرات الاستقدامات التي سبقته.
بانون أيضًا لم يرق له الجنرال، إذ رأى أنه لا يملك مواقف حاسمة وجريئة، من المؤكد أنه ليس ليبراليًّا أو يساريًّا، لكنه لا ينتمي إلى عالم ترامب. محاولات كيلي في بسط شيء من الانضباط داخل المؤسسة من خلال تحجيم نفوذ إيفانكا وزوجها قوبلت باختلاف كبير في الرؤية من قبل الرئيس الذي كان يرى أن ابنته وزوجها يؤديان أدوارًا جيدة، وأن التغيير الذي يتصوره ترامب في المستقبل هو تعيين صهره وزيرًا للخارجية، وليس تحجيم دوره كما يرى كل من كيلي وبانون.
بانون كان واثقًا حسب الكتاب من قدرة كيلي على «إرسال الأطفال إلى المنزل»، وقد حاول كيلي ذلك بالفعل بشتّى الوسائل، ونبههما بأنّهما إذا أرادا اللقاء بالرئيس فينبغي أن يتم ذلك عبره. لكن بدل أن يذهب الأطفال إلى المنزل، سيكون بانون هو من يعود إلى منزله، فقد صار وجوده في البيت الأبيض مزعجًا لجميع الأطراف، له هو شخصيًا بسبب الفوضى التي يشهدها يوميًا ولا يستطيع تغييرها، ولإيفانكا وزوجها اللذين يَحُول بانون بين أفكارهما وبين الرئيس، ولترامب الذي تزعجه الأقاويل التي تتردد بأن بانون هو الرئيس الفعلي.
المصدر: ساسة