ترجمة .. اليمن .. كارثة يمكن تجنبها .. ينبغي على الولايات المتحدة تفادي التدخل العسكري
يمنات – خاص
ترجمة خاصة بـ”يمنات”
أندرو بايرز و فيث ستيوارت
تواجه اليمن حاليا أزمة متعددة الأبعاد تمثل كارثة وطنية تتورط فيها دول الجوار, و عالما مصغرا من المشاكل القائمة في أنحاء الشرق الأوسط الكبير. لقد أدى انهيار الحكومة اليمنية المركزية بكاملها إلى انتاج حكومة فاشلة جعل مساحات كبيرة من أرضها تستسلم لعوامل غياب الدولة. لقد برزت أزمة إنسانية جراء الحرب الأهلية حيث طالت المجاعة الملايين من السكان الى جانب وباء الكوليرا واقتراب ضحايا المدنيين من 14.000 .
إن قوى أخرى في المنطقة كان لها أثرها حيث دعمت السعودية وبعض الدول الخليجية الصغيرة طرفا ودعمت إيران طرفا آخر. تلك التدخلات صبت الزيت على النار بدلا من إيقاف الأزمة الراهنة, بفعل ما تضخه من أسلحة وعمليات عسكرية.
إن تلك الفصائل ومنها فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة أوجدت معاقل في الجزيرة العربية تسيطر من خلالها على الأرض وتشن هجماتها.
الأزمة اليمنية الراهنة شبيهة بالأزمة السورية التي كان للحرب الأهلية المستمرة فيها وما نشأ من أزمة إنسانية آثار دولية, حيث ألحق الانهيار الداخلي للدولة اليمنية الضرر بالآفاق الإقليمية للسلام والنظام والاستقرار. فعلا لا خيار مناسب أمام الولايات المتحدة أو أطراف أخرى لمزيد من التدخلات في اليمن, حيث لا مصلحة مهمة للولايات في هذا البلد ولا ثمة توقعات باتخاذ قرار سلمي لحل الصراع الراهن أو خلق مجتمع مستقر بعد هذه الأزمة. في الحقيقة ينبغي بل يتعين على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي العمل على تخفيف بعض معاناة المدنيين اليمنيين مع أن الجهود الإنسانية وحدها صعبة جدا جراء استمرار محاولة السيطرة على البلاد التي تشبه كثيرا وضع الصومال مطلع التسعينيات. إن دفع تفعيل أداء الحكومة المركزية والمجتمع المدني السلمي خارج نطاق أي طرف خارجي لكنه يجعل ما تقوم به أمريكا من خيار سياسة ارتكاب أخفف الضررين جهدا إنسانيا محدودا وحسب.
الأحداث الأخيرة وخلفيتها
بدأت الأزمة اليمنية الأخيرة في فبراير 2015 حينما أجبرت اللجنة الثورية العليا الحوثية حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا على الاستقالة. إن الحوثيين يمثلون حركة سياسية دينية استولت على الحكومة في صنعاء بتأييد من الرئيس السابق علي عبد الله صالح, فأصبحوا الآن يسيطرون على معظم اليمن الشمالي ويلقون معارضة من التحالف العسكري السعودي المؤيد لاستعادة حكومة هادي. إن الولايات المتحدة تزعم أنها توفر لتحالف السعودية وهادي دعما استخباراتيا ولوجستيا, إلا أن إيران الموالية للحوثيين كما يعتقد, تزودهم بالمال والعلاج (المستخدم للتمويل) إلى جانب شحنات الأسلحة بما فيها ما يجري تهريبه بحرا الى اليمن من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والطائرات المقاتلة بدون طيار (درونز) والصواريخ أرض أرض.
في 4 نوفمبر و 30 نوفمبر وكذا 19 ديسمبر أطلق الحوثيون على السعودية صواريخ بالستية مقدمة من إيران إلا أنه جرى اعتراضها أو لم تكن ذات اهمية, وقد فضلت السعودية اعتبار هذه الصواريخ بمثابة إعلان الحوثيين الحرب. وردا على الإطلاق الذي وقع في 4 نوفمبر فرضت السعودية حصارا مدته أسبوع على كافة المنافذ اليمنية عمق الأزمة الإنسانية في البلاد أضعافا مضاعفة بما خلفته من 900.000 عاجز عن الحصول على أقراص الكلورين المقدمة من الصليب الأحمر لمكافحة الكوليرا, وسيستمر أثر هذا الحصار على المدنيين حتى مع إعادة فتح المنافذ.
زعمت تقارير صدرت حديثا أن أنظمة الدفاع الصاروخي السعودية والإماراتية, صواريخ الباتريوت القادمة من الولايات المتحدة, قد اعترضت ما يزيد عن 100 صاروخ أطلقت من اليمن منذ 2015 ما يوحي ان مشكلة الصواريخ ربما قد تكون أكبر مما كان يعتقد. لقد باتت الصواريخ الإيرانية موضع نقاش كبير أجرته إدارة ترامب في الشهور الأخيرة ربما بهدف تحويل الملف الداخلي والعالمي من الجوانب الانسانية للصراع وإغلاق الموانئ من قبل السعودية إلى تسليم الاسلحة الايرانية.
إن الصراع الدائر في اليمن قد أصاب المدنيين خصوصا بمقتل. فقد بلغ عدد القتلى 670.8 (60% مدنيين) وعدد الجرحى حوالي (50,000) كما يفيد تقرير الأمم المتحدة الصادر في أكتوبر 2017. لقد بلغ الضحايا في الاشهر الستة الماضية 13.920 مدنيا بينهم أكثر من 5000 قتيل. أضف الى هذا أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يقدر إحصائية المجاعة بحوالي 17 مليون يمني وما يصل من المعونات المتكاملة من وكالات الإغاثة الانسانية لا يغطي احتياج أكثر من 4.5 مليون مدني. لقد خلف وباء الكوليرا أيضا حوالي 900.000 شخص منذ أبريل 2017 إضافة إلى أكثر من 2000 قتيل.
إن تدخل السعودية والعديد من الدول الخليجية الأخرى فاقم هذه الكارثة الانسانية بدلا من أن يخففها. لقد تزعمت السعودية هذا التدخل العسكري وأغلفت جميع المنافذ البحرية والجوية اليمنية مدة أسبوع إثر هجوم صاروخي نفذه الحوثيون مطلع نوفمبر وهو ما حرم اليمن من المساعدات الأجنبية وألحق أضرارا بالغة بقدرة بعض الهيئات مثل منظمة الصحة العالمية فعجزت عن إدخال الأدوية وغيرها من إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى البلاد.
افتتحت السعودية مجددا تلك المنافذ الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي إثر تدخل دولي بالنيابة عن ملايين اليمنيين المتضررين من الحصار, ثم في الآونة الاخيرة وافقت السعودية على السماح بدخول المعونات إلى مطار صنعاء و ميناء الحديدة الخاضع للمتمردين بعد محاولات دولية مستميتة للقيام بذلك. والأكثر من ذلك أن ما وعدت السعودية بتقديمه لليمن وهو 227 $ مليون لمكافحة المجاعة بلغ ما أسهمت به لمكتب الامم المتحدة, خطة الاستجابة الإنسانية بلغ, اعتبارا من 12 فبراير 2017 58.3 $ مليون فقط وهو ما جعل الأمن الغذائي في اليمن والإعانة الزراعية أقل من نصف الحد الأدنى من الاحتياجات تنسيق الشؤون الانسانية.
إن الوضع في اليمن يمثل عاصفة حقيقية من الكوارث التي يصنعها الإنسان, حرب أهلية دامية تخوضها فصائل متعددة متعادية وتغذيها تدخلات عسكرية خارجية وتنافس سياسي جغرافي بين السعودية وإيران , وظهور جماعات قوية خارج الدولة بينها الدولة الاسلامية وفرع تنظيم القاعدة الى جانب النزوح الجماعي للمدنيين والمجاعة والأوبئة الناجمة عن الصراع المستمر. يبدو أنه لا حل للأزمة يلوح في الأفق في حين أن التدخلات الإنسانية حتى الآن ما تزال بسيطة وغير فاعلة في تخفيف المعاناة الإنسانية.
مقترحات تدبير
من المرجح أن يظل اليمن كارثة إنسانية على المستقبل المنظور, فليس ثمة إجابات بسيطة لتحويل بلد مزقته الحروب إلى مجتمع مدني فاعل ذي حكومة موحدة قادرة على إيجاد البنية التحتية القادرة على تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية والامن على المستوى الوطني. إنه صراع لا يمكن لأي طرف أن يكسبه سواء كان داخليا أم من القوى المتدخلة, بما فيه الولايات المتحدة, بل, إذا أرادت ذلك, بدون قدر كبير من ” بناء الوطن” وهو ما لا تستطيعه الولايات المتحدة أو ترغب فيه. إن اليمنيين هم أنفسهم من يستطيعون حل خلافاتهم الداخلية ومحاولة بناء تماسك شعبي حكومي, حتى لو كانت صراعاتهم معقدة وطويلة الأمد.
بصرف النظر عن كيفية نهاية الصراع الراهن, و بمنتهى الوضوح, لا تبدو النهاية منظورة أو سهلة التخيل, بل مجرد انتهاء الصراع دون بذل جهود مشتركة في ترسيخ الاستقرار الدائم من شأنه أن يطيل أمد الأزمة الإنسانية الراهنة ونتيجة لذلك, ليس أمام الولايات المتحدة كثير من الخيارات السياسية الجيدة.
يمكن للولايات المتحدة أن تزيد من دعمها العسكري للسعودية والإمارات العربية المتحدة, ربما بتعزيز سلاحها الجوي وعملياتها الخاصة وقدراتها الاستخباراتية لإجبار الحوثيين على القبول بوقف إطلاق النار أو تقديم تنازلات من شأنها إنهاء الحالة الراهنة من الحرب ولو أن هذه النتيجة قد لا تؤدي إلا إلى إيقاف العدوان مؤقتا أو إعطاء كل من القاعدة وداعش الفرصة لاستعادة قوتهم بلا منازع , مع الاستمرار في شن الهجمات وزعزعة الاستقرار.
إن إنهاء الصراع العسكري هو انتصار عظيم وخطوة مهمة على الإطلاق, لبدء مواجهة الجوانب الإنسانية من الازمة, مع أن الانتصار العسكري وحده لا يكفي, إذ لا بد من إجراء بعض ترتيبات المشاركة في السلطة من شأنها دخول هادي والحوثيين وأنصار صالح السابقين وزعماء القبائل في حكومة ائتلاف, وذلك لبناء بلد مستقر الى الأبد وذي حكومة مركزية, لكن هذا غير محتمل. ويضاف إلى هذا أن وقف إطلاق النار مؤقتا ولو أنه ينهي الجزء الأكبر من الحرب في البلاد ويتركها منقسمة فذلك ما لا طائل من ورائه إلا تأخير اندمال الجرح, كما أن بقاء قضايا عالقة يمكن أن يجعل الباب مفتوحا في المستقبل على مزيد من المشاكل.
إن التصدعات التي باتت في تحالف صالح والحوثيين هذا العام تكشف الطبيعة العابرة بين التحالفات في المنطقة. هذا الانقسام من المحتمل أن يجعل اتفاق السلام في اليمن أكثر تعقيدا ما دامت متشعبة أهداف وتوجهات كل طرف, كما أن تصاعد العنف سيطيل أمد كارثة إنسانية هي أصلا متفاقمة. إضافة إلى أن القاعدة وداعش ستتمكنان من الاستمرار في التوسع في هذه المناطق الجديدة الخارجة عن السيطرة, طالما ظل الشرخ بين الجماعات المتحالفة يضعف قوة حكم سلطات التمرد.
كذلك ينبغي للسعودية وحلفائها المحليين أن يستفيدوا من التجارب الأمريكية الماضية وفشلها في مناطق العراق وأفغانستان وأن يبدأوا باستيعاب أن حكومة ما بعد الصراع هي حكومة يمنية جديدة يجب أن تكون قادرة على تخطيط وتنفيذ مقومات الاستقرار الوطني الخاص بها وجهود التنمية., وأن أي حكومة لا تتوافر فيها هذه المعايير تعد فاشلة بالضرورة. إن المعونات الدولية ينبغي أن تستند إلى ما تنجح اليمن فيه من إجراء تغييرات ضرورية لإيجاد حكومة ومجتمع مدني موحد إلى الأبد يودي وظائفه على أكمل وجه. ينبغي توجيه العلاقات مع أشقاء اليمن لا سيما السعودية نحو تخفيف الأزمة الإنسانية الراهنة. لا بد من فرض القيود على هذه المعونات والحالات الطارئة, حيث تفيد دراسة حديثة أن تقديم مساعدات أجنبية دون اشتراط إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية له مردود سلبي في الدفع بالحكومات المستفيدة نحو إجراء تغيير داخلي ضروري لتنفيذ مهمة مكافحة التمرد.
الخاتمة
إن الصراع في اليمن بدأ بحرب أهلية انخرط فيها العديد من الأطراف الداخلية بهدف محاولة مواجهة المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, لكن التدخل الأجنبي زاد الطين بلة وخلق من الصراع المحلي مشكلة ذات مضامين إقليمية وعالمية مهمة. إن هذا التدخل الخارجي جعل الصراع المتعدد الأبعاد معقدا كما جعل تضافر مبدأ السياسة الحديثة مع القبلية التاريخية في المنطقة نحو إيجاد قرار تعاوني أمرا صعب المنال.
لو أردنا أن نضرب أمثلة حديثة من العراق وأفغانستان للدلالة على صعوبة التمازج بين القبلية والحداثة لرأينا أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحقق نجاحا مهما في اليمن دون أن تلتزم بتدخل كبير ومهمة بناء الشعب مع أن تدفق التدخلات الأجنبية قد يضخم الصراع ولا يؤدي إلى حسمه, لذلك على الولايات المتحدة ألا تلزم نفسها بمحاولة من هذا القبيل.
إن استمرار اليمن في هذا المسار قد يفضي إلى أن تكون صورة من أفغانستان أو الصومال في فترة التسعينيات, لأن غياب القانون والحكم يشكل ملاذا آمنا للإٍهاب وينتج حكومة مجردة من حقوقها يمكن أن تخرج مجندين مستجدين. لذلك من الأفضل لكل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يظلا معنيين وأن يستثمرا في جهود مكافحة الأزمة الإنسانية الكارثية, وإن كان على الولايات المتحدة أن تتفادى التدخل العسكري بكل ما أوتيت من قوة نظرا لغياب خيارات السياسة الحصيفة والمفيدة. ليس ثمة ما يمكن فعله لإنهاء هذه الحرب الأهلية ولا لمنع التنافس السعودي الإيراني على النفوذ هناك, فالتدخل المباشر سيثبت أنه كارثي وعديم الجدوى. لكن الولايات المتحدة بوسعها أن تفعل ما تحمد عليه وهو تشجيع المجتمع الدولي على تخفيف معاناة المدنيين من الشعب اليمني تخفيفا يساعد الفئات الأكثر احتياجا من السكان ويكبح جماح التطرف وتجنيد الجهاديين بين أوساط النازحين. للأسف ربما هذا هو ما تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله في اليمن في الوقت الراهن.
لقراءة المقالة باللغة الانجليزية من مصدرها انقر هنا
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا