خبير اقتصادي يكشف اسباب انهيار العملة اليمنية وتراجعها المستمر
يمنات – صنعاء
قال رئيس مركز الدراسات والإعلام، الخبير الاقتصادي مصطفي نصر، إن انهيار العملة اليمنية وتراجعها المستمر يشكل كارثة تكاد تكون بحجم كارثة الحرب التي تشهدها اليمن.
و أكد مصطفي نصر، في حوار مع «العربي»، أن الحكومة مسؤولة مباشرةً عن معالجة مشكلة انهيار العملة، منوهاً إلى ضرورة تفعيل المصرف المركزي وفروعه، باعتباره المسؤول عن إدارة السياسات النقدية في البلد.
حاوره : إصلاح صالح
بداية، كيف تنظر إلى الانهيار المتسارع للعملة المحلية؟
انهيار العملة اليمنية وتراجعها المستمر يشكل كارثة تكاد تكون بحجم كارثة الحرب التي تشهدها اليمن في الوقت الراهن، لأن تراجع سعر العملة في بلد يستورد معظم احتياجاته من الخارج، وبالعملة الصعبة، يعني أن أي تراجع في سعر صرف العملة اليمنية الريال، ينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، ويدفع ضريبة ذلك، جميع أفراد الشعب سواء الفقراء أو الأغنياء، لكن وقعها أكثر على الفقراء، نظراً لمحدودية مداخيلهم، وأيضاً نظراً لكون المداخيل بالريال اليمني. ولتبسيط الموضوع، فإن من كان يتسلم مرتب يعادل ٢٠٠ دولار أمريكي، أصبح يتسلم ١٣٠ دولار فقط. أنا أتحدث هنا، عن الزيادة خلال العام الماضي ومطلع العام الراهن، أما في حال الحديث عن التراجع مقارنة ببداية الحرب، فإن التراجع وصل إلى أكثر من ١٤٣٪، أي أن العملة اليمنية تراجعت بأكثر من الضعف.
ما الأسباب برأيك؟
هناك أسباب عديدة لهذا التراجع، بعضها آني، وهذا يتمثل بزيادة الطلب على العملة من أجل الاستيراد أو المضاربة بالعملة من قبل كبار المسيطرين على السوق، وكذلك تهريب العملة إلى الخارج، وغيرها من الأسباب التي تعمل على خلق حالة من الاضطراب في سعر صرف العملة، وهناك أسباب مرتبطة بالحرب، والأزمة الراهنة تتمثل في استنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، الذي كان يقدر بما يقارب الـ ٥ مليارات دولار، وكذلك توقف القروض والمنح، ورحيل معظم المنظمات الدولية الداعمة للتنمية مع اقتحام جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء والسيطرة عليها والتمدد إلى بقية المدن، وتوقف أهم مورد للنقد الأجنبي لليمن، المتمثل في صادرات النفط والغاز، ناهيك عن رحيل رأس المال المحلي إلى الخارج، وتحويل كميات كبيرة من الأموال.
ما هي المعالجات التي يجب اتخاذها لإيقاف تدهور العملة وتعافي الريال؟
نظراً إلى التعقيدات التي يواجهها الاقتصاد اليمني، لم يعد الحل مرتبط باليمنيين وحدهم، فالحرب أكلت الأخضر واليابس، وبالتالي، نحن نعيش حالة انهيار اقتصادي، لا يمتلك البلد احتياطات من العملة الأجنبية، توقفت عملية صرف المرتبات لمعظم الموظفين في الدولة ممن هم تحت سيطرة جماعة الحوثي، وتوقفت معظم الاستثمارات ومنيت كثير من الشركات والمؤسسات بخسائر كبيرة جراء الحرب، وبالتالي، فإن هذه الكارثة تحتاج إلى جهود كبيرة لانتشال اليمن منها، وأولها ما يتعلق بالعملة.
لابد من تقدم الدول المجاورة لا سيما السعودية والإمارات، وكذلك الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا وألمانيا، الدعم والمساندة للاقتصاد اليمني، وذلك بضخ كمية من الاحتياطات للبنك المركزي، لإعادة العافية للقطاع المصرفي في اليمن، وهو قلب العملية الاقتصادية في البلد. كما أن هناك مسؤوليات على الحكومة، تتمثل في وضع حزمة من السياسات الإقتصادية والنقدية لتجاوز مشكلة انهيار العملة وضبط السوق، ولابد من تفعيل المصرف المركزي، باعتباره المسؤول عن إدارة السياسات النقدية في البلد، وقد كان لدينا مؤتمر، نحن في فريق الإصلاحات الاقتصادية في عمان، الشهر الماضي، وخرجنا بعدد من المقترحات التي ينبغي القيام بها لتفعيل عمل المصرف المركزي، بالتواجد الفعلي لقيادة المصرف المركزي في المقر الرئيسي وتفعيل كآفة الإدارات ليتمكن البنك المركزي من القيام بكل وظائفه، أن تشكل قيادة البنك المركزي والمالية والمؤسسات الايرادية والبنوك فريق عمل مشترك يجتمع كل أسبوع أو أسبوعين، لتقييم ومراقبة مستوى تنفيذ السياسة النقدية ووضع المعالجات العاجلة للمشكلات في هذا الجانب، وتعزيز الموارد من العملة الصعبة وذلك عن طريق: الصادرات النفطية وغير النفطية، والمنح والمساعدات والودائع.
بالإضافة إلى تفعيل فروع المصرف المركزي وإيداع كافة إيرادات الدولة لدى فروع المصرف المركزي المختلفة، وإدارة أسعار الصرف عن طريق تغطية استيراد السلع الأساسية من الموارد من العملات الصعبة، وبسعر صرف السوق، وإدارة السيولة بالريال اليمني، وتعزيز الثقة به وتفعيل غرفة المقاصصة، وتشجيع دوران الريال اليمني عبر المصارف، وتقديم الدعم الفني للمصرف المركزي، من خلال رفع القدرات للإدارات والعاملين وإمداده بالتجهيزات اللازمة، وتفعيل الرقابة على الجهاز المصرفي وضبط التراخيص، بما يعزز من درجة الامتثال لتعزيز سمعة الجهاز المصرفي اليمني على المستوى الدولي، وتحييد القطاع المصرفي وإبعاده عن الصراع السياسي، وذلك من خلال عدم التدخل في قراراته.
ماذا عن دور الحكومة… وما هو المطلوب منها؟
الحكومة مسؤولة مباشرةً عن معالجة المشكلات الإقتصادية، وتأتي في أولويات تلك المشكلات انهيار العملة، صحيح أن الوضع معقد لاسيما مع عدم سيطرتها على المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، لكن في كل الأحول، هي الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وهي المعنية في إيجاد حلول للمشكلات.
ماذا عن دور المصرف المركزي وما هو المطلوب منه؟
سبق وأشرت إلى أهمية أن يقوم المصرف المركزي بدوره، ولا بد أن تتكاتف معه كافة أجهزة الدولة، طالما هو ينفذ سياسات نقدية تخدم العملة والاقتصادي اليمني. وقد انتقدت في مناسبات عدة طريقة أداء المصرف المركزي، وقلت من المعيب أن يظل المصرف المركزي مغيب، بل إن إدارته ظلت طوال الفترة الماضية خارج اليمن، ولم يتم تفعيل أداء المصرف على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف العام على نقل المصرف من صنعاء إلى عدن.
لقد قمنا في مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، بإصدار تقرير تقييمي لأداء المصرف، كشف عن قصور كبير في أداء المصرف المركزي، وعدم القيام بمسؤولياته التي حّددها القانون. وهذه المشكلة تتحمل مسؤوليتها إدارة المصرف المركزي والحكومة ورئاسة الجمهورية.
ماذا عن السوق السوداء للعملة؟
مع حالة الانفلات التي تشهدها البلاد جرّاء الحرب، ونظراً إلى غياب الدور الرقابي للمصرف المركزي وانعدام الثقة في القطاع المصرفي، أتيح المجال لنشوء سوق سوداء ومضاربين بالعملة، وانتشرت محلات للصرافة غير مؤهلة وغير مراقبة، وهذه ظاهرة خطيرة على العملة وعلى القطاع المصرفي والعلاقات المالية مع العالم. للأسف الشديد، هناك لوبي كبير يشتغل في سوق المضاربة بالعملة، من مصلحته التلاعب بالأسعار، لأنه يحقق عوائد كبيرة علي حساب الاقتصاد اليمني وتدهور العملة.
ما هو تأثير الكميات المطبوعة الجديدة؟
تشكل الكميات المطبوعة من العملة، واحدة من أسباب انهيار العملة وتراجعها، وهي وإن كانت في مرحلة معينة ضرورية لمعالجة مشكلة السيولة، لكن الاستمرار فيها يشكل مخاطر كبيرة للعملة ويزيد من تدهورها.
هل تحمل مسؤولية تدهور العملة المليشيات الحوثية وسحب الإحتياطي؟
قلت في الإجابة على سؤال سابق، أن الاستنزاف كان أحد الأسباب الرئيسية لتراجع العملة، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي تم شرحها.
هل بإمكان «التحالف» القيام بدور للحفاظ على العملة؟ ولماذا لم يقوموا بذلك حتى الآن برأيك؟
هناك مسؤولية كبيرة على التحالف القيام بها، ويعد الإعلان عن وديعة سعودية بمبلغ ملياري دولار للمصرف المركزي، خطوة مهمة لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي اليمن، وتحقيق استقرار العملة، ولكنها معالجة وقتية تحتاج إلى حزمة من الخطوات والإجراءات المصاحبة، سواء من دول التحالف أو من الحكومة اليمنية والمصرف المركزي، وما لم يتم ذلك، فسيكون تأثيرها ضعيفاً ولن يعيد سعر العملة إلى مستوياته السابقة.