الأيادي الآثمة: من يقتل أئمة وخطباء المساجد في الجنوب ؟
يمنات
عبد الفتاح الحكيمي
تختلط عمليات اغتيال أئمة وخطباء المساجد في عدن والجنوب عموما بين ما يبدو استمرارا للصراع بين فصائل مقاومة البيت السلفي من داخله ومع الفصائل الأخرى , وبين وجود أصابع وتيارات عابثة بالمشهد الأمني والسياسي العام.
ويبدو نصيب حزب الاصلاح من كعكة الاغتيالات اشبه بمنحة إلهية بالنسبة الى حجم الحزب وموقعه السياسي , خصوصا إذا علمنا أن 90 % من قتلى الأئمة والخطباء ينتمون إلى الجماعات والفرق السلفية .. , فمنذ 2016/6/19 م عند اغتيال الشيخ حسين عيدروس امام جامع الحزم بشبام حضرموت وحتى اليوم , لم يقتل سوى 3 من رجال الدين المنتمين لحزب الإصلاح , وهم الشيخ , صالح عبدالله حليس خطيب جامع الرضا بالمنصورة , والشيخ فائز فؤاد , امام وخطيب جامع عبدالرحمن بن عوف في المدينة التقنية , وأخيرا الشيخ شوقي الكمادي , امام وخطيب مسجد الثوار بالمعلا .. فيما نجا الشيخ الإصلاحي محمد علي الناشري امام .. وخطيب مسجد الرحمن في منطقة اللحوم بدار سعد من محاولة اغتيال يوم 2017/10/22 م .. غير ان البعض يدرج الشيخ مزهر إبراهيم العدني الذي درس في جامعة الإيمان التابعة للزنداني , ضمن شيوخ حزب الاصلاح .
** أفرزت مرحلة ما بعد تحرير عدن يوليو 2015 م اصطفافات جديدة وانقسامات عميقة ودموية نازفة داخل البيت السلفي نفسه , الذي لم يكن متوافقا مع الذات من قبل حتى في سنوات السلم , عدا ظهورهم كقوة منافسة يحسب لهم الخصوم القدامى والجدد.
** قال لي ضابط تدريب بالجيش في عدن في ابريل 2015 م أثناء محاصرة المقاومة لقوات الصالح والحوثيين في خورمكسر وكريتر والمعلا , أن أحد الشبان السلفيين طلب تدريبه على تفجير الأحزمة الناسفة , فأجابه الضابط : اذا كنت تريد التضحية حقا فاذهب لمهاجمة الخصم بالسلاح الرشاش , فقد تقتل منهم اكثر مما لو قمت بتفجير حزام ناسف قد يقتلك دون تحقيق نتيجة.
توزعت ولاءات السلفيين بين المملكة السعودية والامارات وتنظيم الدولة , والسلفية السياسية الحزبية المستقلة , وجماعة طاعة ولي الأمر .. وظهرت عجينة جديدة مشوشة من الخليط السلفي غير المتجانس الا في مسألة عدائه لبعضه البعض.
وبتشكيل قوة مكافحة الارهاب في أكتوبر 2015 م وقوات الحزام الأمني في مارس 2016 م. اعيد بدقة فرز قناعات وتوجهات السلفيين.
1 – كان رأي الشيخ عبدالرحمن بن مرعي العدني المنحدر من مدرسة الشيخ مقبل الوادعي ان مهمة السلفيين انتهت مع المشاركة في تحرير عدن , وأن ما بعده فتنة وخروج على طاعة ولي الأمر (الرئيس) , اما الشيخان هانى بن بريك ومنير اليافعي ( ابو اليمامة) ومهران القباطي ولؤي الزامكي , وحمدي الصبيحي , وياسين الحوشبي وسواهم من أحفاد المدرسة الوادعية والحجورية , اختار كل منهم طريقا مغايرا او نقيضا.
والفارق بين هاني ومهران , ان الأول سياسي , والثاني حنبلي الطباع . لكن القاسم المشترك بينهم أنهم جميعا ربما يمثلون السلفية اللاحزبية وغير المنظمة الممانعة حتى لتشكيل الجمعيات الخيرية رغم انخراطهم فيما يعتبرونه الجهاد بعد واقعة معهد دماج الشهيرة عام 2014 م واخراجهم من صعدة ..
2 – أما الوجه الاخر لهذه الجماعات , فهم مجموعة التيارات السلفية الحزبية والحركية المنظمة التي يمثلها حزب الرشاد السلفي بزعامة الدكتور محمد بن موسى العامري الذي أدرج أمين عام حزبه عبدالوهاب الحميقاني في قائمة الارهاب منذ سنوات قبل ان يدرج نائب هاني بن بريك مؤخرا ضمن قائمة الارهاب السعودية .
وضمن هذا التيار أيضا حزب النهضة للتغيير السلمي الذي اغتيل احد مؤسسيه , الشيخ عارف الصبيحي في 24 يناير الماضي بالمنصورة .. وقريبا منهم ايضا حزب السلم والتنمية السلفي الذي أشهر نفسه مؤخرا.
3 – ويتمثل الوجه الثالث والمؤثر للسلفية ايضا في نموذج الجمعيات الخيرية المنظمة التي تركز في حركيتها ونشاطها العام اكثر على النشاط الخيري والدعوي المنظم , وهي ذات بصمات اجتماعية كبيرة , وأبرزها جمعية الحكمة اليمانية التي يرأسها الشيخ عبدالعزيز الدبعي , وجمعية الاحسان التي أسسها الشيخ علي بارويس وعبدالمجيد الريمي , وجمعية البر والتقوى التي يتزعمها الشيخ أبو الحسن المأربي المصري الذي تمت مصادرة مقر فرع جمعيته الخيرية مؤخرا في شبوة لصالح المجلس الانتقالي قبل يومين في 2018/2/20 م .. وكذلك جمعية الرحمة التي يرأسها الشيخ عادل عبده فارع الشهير ب( ابو العباس) المدرج اسمه مؤخرا في لائحة الارهاب ..
ومعظم الجمعيات لم تنج من بطش سيف الاغتيالات الآثم , ولا من اغلاق مقراتها وحظر نشاطها الخيري رسميا كما حصل في حضرموت منذ يوليو 2016 م وما رافقها من اعتقالات وسجون للدعاة والشيوخ لأسباب ودواعي , مكافحة تفريخ الارهاب , بحسب السلطات في حضرموت.
**
يعتبر البعض ان معركة ادارة امن عدن وحضرموت وابين ولحج وغيرها تكمن في مكافحة الارهاب بعد التحرير وملاحقة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة , وفي الطريق أيضا هو ضد الجماعات المتقاطعة مع التنظيمين في رفض مشروع سلطة الأمر الواقع .. وأن انضواء قياديين سلفيين في المعركة الى جانب الإمارات لا يعني عدم الاعتراف بولي الأمر وشرعيته .. كما أن سلفيين موالين للرئيس هادي ايضا يقاتلون في الساحل الغربي وصعدة الى جانب تحالف السعودية والامارات. ومنهم لؤي الزامكي وحمدي الصبيحي الذين تداعوا الى عدن من الساحل الغربي إثر محاولة الانقلاب الأخيرة.
** بأي ذنب قتلت ؟
في 3 يوليو 2015 م نجا الشيخ بشار السلفي في لحج من محاولة اغتيال, رغم إصابته , ولكن الشيخ حسين العيدروس امام جامع الحزم بحضرموت قضى قبله برصاصات مجهولين.
وعندما اغتيل الشيخ سمحان عبدالعزيز الراوي ( العريقي) امام مسجد ابن القيم في البريقة 2016/1/31 م قيل بسبب معارضته لتشكيل الحزام الأمني وقوات مكافحة الارهاب , لكن ملابسات مقتله أيضا كثيرة , منها أعمال ثأرية وانتقامية بعد استعادة السيطرة على رصيف ميناء المعلا أوائل ذلك الشهر واستعادته من تنظيم الدولة.. وكما قال الشيخ هاني اليزيدي مدير عام مديرية البريقة ( ان الراوي كان قبل ذلك على رأس قائمة المطلوبين للحوثيين ) .. لكن المرجح ان مقتله ارتبط بمواقفه الانتقادية المجاهرة في بعض الخطب ضد مفجري انبوب النفط في البريقة في 15يناير 2016 م , وهذا رأي معلن لاحد شيوخه بعد الحادثة , وهو المرجح , فاغتيل بعد ذلك ب 16 يوما .. وكان التمثيل بجثته في رسالة ممهورة ببصمة تنظيم الدولة غالبا او القاعدة.
لم يثر اغتيال الشيخ علي عثمان الكشي امام وخطيب جامع الجيلاني بكريتر المحسوب على الطرق الصوفية قبل ذلك في 2016/1/3 م ردود أفعال مماثلة لمقتل الراوي .. ويذكر مقتله بالجماعات التي قامت بتهديم الأضرحة والمزارات الدينية في عدن بعد حرب 1994م.
وعندما اغتيل الشيخ عبدالرحمن مرعي مؤسس دار الحديث في منطقة الفيوش بلحج 2016/2/28 م تفرقت دماءه بين القبائل , واكدت ادارة امن عدن القبض على الجناة .. وصدر بيان لاحق لجماعة الشيخ يبين انه تم إلقاء القبض على الجناة بعد انقلاب سيارتهم وتسليمهم لقوات التحالف بقيادة الامارات عبر هاني بن بريك , وتم التحقيق معهم , لكنهم اختفوا بعد ذلك.
وقد أشيع أن سبب تصفيته يعود الى رفضه إصدار فتوى تجيز قتال الرئيس صالح والحوثيين.
وفي 2016/4/29 م اغتيل السلفي , الشيخ مروان ابو شوقي , وهو عقيد في الجيش , قائم بأعمال مدير مرور عدن , أثناء ذهابه لصلاة الجمعة.
وفي 2016/5/6 م اغتيل وهاد نجيب عون أحمد , مع شقيقه , وهو سلفي ,كان مدير سجن المنصورة التابع للتحالف .. وقيادي بارز في مقاومة المنصورة .. وتبنى داعش العملية ..
ثم تلا ذلك في 2016/5/14 م في عدن اعتقال الشيخ عادل الجعدي رئيس جمعية الحكمة اليمانية بالضالع , وافرج عنه لاحقا.
وفي 2016/6/16 م اغتيل الشيخ ياسر الحموي امام وخطيب جامع بن باز في ابين مدينة جعار , وهو سلفي , وقائد مقاومة, وينتمي الى تيار الشيخ يحي الحجوري , وقد اختطفه تنظيم القاعدة قبل ذلك عام 2012م لعدة أشهر , ثم أطلقوا سراحه.
وبعد يومين بالضبط , في 2016/6/18 م اغتيل الشيخ مزهر ابراهيم العدني( اليافعي) بكاتم للصوت , في لبعوس يافع , أثناء لقاء خاص مع زميل سلفي اطلق عليه النار .. ومزهر قيادي بالمقاومة وداعية في جمعية الحكمة ومدير فرع جامعة الإيمان بعدن.
وفي 2016/7/21 م اغتيل الشيخ فائز عبده احمد الضبياني , بعبوة زرعت في سيارته , وهو قيادي سلفي بالمقاومة , ينتمي الى جماعة الشيخ بسام المحضار قائد معركة البقع في صعدة حاليا .. وقد أعلن تنظيم داعش تبنيه للعملية.
وبعد يومين فقط , في 2016/7/23 م , اغتيل الشيخ عبدالرحمن الزهري العدني , امام جامع الرحمن بالمنصورة بكاتم للصوت , وهو قيادي بالمقاومة , ينتمي الى جماعة ابو الحسن المأربي المصري .. وارجع بعض طلابه في أحد المنشورات سبب اغتياله الى محاضرة له قبل يومين من الحادثة , يدعوا فيها منفذي الأعمال الشنيعة والتفجيرات الى التوبة والكف عن إراقة دماء المسلمين بالباطل.
تلاه بعد 24 ساعة اغتيال الشيخ عابد مجمل , وهو امام وخطيب جامع الفاروق بالشيخ عثمان , وقائد شرطة دار سعد , ينتمي الى التيار السلفي.
وفي 2016/8/3 م اغتيل الشيخ السلفي ايضا ثابت الهلالي 65 عاما , امام وخطيب جامع الحبيلين بلحج , بإطلاق نار , تتهم قوات الحزام الامني باغتياله , وينتمي الى مذهب اهل السنة والجماعة.
وفي 2016/8/15م اغتيل الشيخ الإصلاحي صالح عبدالله حليس , خطيب جامع الرضا بالمنصورة ومرافقه , بإطلاق نار , كان رئيس الدائرة القضائية في مجلس شورى حزب الاصلاح , فرع عدن.
** وفي هذه القائمة الأولية عن أبرز الاغتيالات التي طالت أئمة المساجد خلال عام واحد فقط 2016 م لم تتغير استهدافات السلفيين غالبا في العام التالي الا بزيادة جرعة وحصة المنتمين الى حزب الاصلاح من وجبة الاغتيالات الشنيعة.