اغتيال الأئمة في الجنوب .. هل لفرض واقع سياسي وامني جديد أم مجرد ثأرات فقط..؟
يمنات
عبد الفتاح الحكيمي
اغتيال أئمة وخطباء عدن والجنوب , هل باعتبارها ثأرات سياسية بين فصائل المقاومة نفسها كلها او بعضها , ام وسيلة لفرض واقع سياسي وامني جديد لصالح قوى وتيارات بعينها ..؟
لم تتغير خارطة اغتيالات الأئمة في العام التالي 2017 م الا بتكثيف الجرعة وزيادة حصة اغتيالات الاصلاحيين من شخص واحد عام 2016 م الى 2 أئمة وخطباء في النصف الثاني من 2017 م .. ونجا ثالث في 22 اكتوبر الماضي من القتل , وهو الشيخ محمد علي الناشري بأعجوبة بعد انكشاف امر القنبلة المزروعة في سيارته امام منزله بدار سعد , اعقبهم بعد شهرين أوائل هذا العام , شوقي الكمادي .. وكلهم قياديون في الحزب والمقاومة , ومن واجهات عدن .. , ويربط بعض الاصلاحيين تعرض شيوخهم للتصفية الجسدية بإعلان قرار المجلس الانتقالي في 2017/7/7 م الذي اعلن فيه حظر ما يسمى حزب الإخوان المسلمين والدواعش والتظيمات الإرهابية , واحراق قوة امنية لمقر حزبهم في كريتر , كذلك فالناشري الذي نجا , جاءت محاولة اغتياله بعد 11 يوما فقط من مداهمة قوات مكافحة الارهاب لمقر حزب الاصلاح في القلوعة في 2017/10/11 م , وبعد اعتقال قيادات وأعضاء في الحزب من بيوتهم بتهمة حيازة متفجرات وأسلحة في مقر الحزب والتخطيط لعمليات إرهابية بحسب تصريحات شلال شائع مدير أمن عدن .. وجرى بعدها بثلاثة أيام في 14 أكتوبر 2017 م اعتقال مدير بنك سبأ الاسلامي فرع عدن , ياسر المغلس من منزله في التواهي , بتهمة تمويل الارهاب .
لكن تلك قد تبدو مصادفة , فقد اغتيل قبل الناشري بأربعة أيام فقط في 2017/10/18 الشيخ السلفي فهد اليونسي المفلحي امام وخطيب جامع الصحابة بالمنصورة ومدير مدرسة البنيان , وينتمي الى جمعية الحكمة اليمانية.. وقال الشيخ (هاني كرد) وكيل محافظة لحج في تعليق على اغتيال اليونسي : حرضت بعض الأقلام المأجورة التي تدعي أنها مع جماعة الانتقالي على الشيخ اليونسي ( المشهد اليمني 2017/10/18 ), وقبل ذلك ب3 أيام في 2017/10/15 م اغتيل في دار سعد بإطلاق نار , الشاب وعد بجاش الاغبري , نجل القيادي الشهير في المقاومة الجنوبية وقائد قوات طوارىء في الصبيحة العميد بجاش الاغبري الذي نجا باعحوبة من محاولة اغتيال قاتلة وفاشلة هو الآخر قبل ذلك في 2015/12//18 م بالمنصورة .. والشاب وعد او والده لا ينتميان الى التيارات الدينية بل الى المقاومة نفسها وحزب الرابطة .. فيما تظهر ازدواجية انتماء أئمة حزب الاصلاح المستهدفين وغيرهم من سلفية حزبية وجهادية ومستقلة الى المقاومة والعمل الدعوي .
تختلط اوراق المشهد كثيرا أواخر العام الماضي مع كثافة استهداف الأئمة والخطباء , فمن ناحية خرجت قوات الحزام الأمني في الفترة من أغسطس الى نوفمبر الماضي والى الآن من معركة صعبة وباهضة التكلفة مع تنظيم الدولة والقاعدة بابين استمرت منذ اشهر , ولا يزال الثأر طريا ومتجددا ايضا , ومن المحتمل أن القاعدة اوتنظيم الدولة ايضا ساهموا في تكثيف مشهد الاغتيالات والتفحيرات في عدن طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017 م , ليتداخلوا مع باقي اصحاب الثأرات الأخرى في مشهد الدم , في خلط اوراق مدروس بعناية , فكانت الحصيلة ثقيلة ومرهقة.
فقبيل اغتيال وعد بجاش بأربعة ايام في مساء 2017/10/10 م اغتيل الشيخ السلفي ياسين الحوشبي العدني امام وخطيب , مسجد زائد بحي عبدالعزيز بالمنصورة بزرع عبوة ناسفة في سيارته , وهو ينتمي الى مدرسة الشيخ مرعي , وقيل مدرسة الشيخ السعودي هادي بن ربيع المدخلي .. وتلمح بعض منشورات تلامذة الحوشبي الى خلاف نشأ قبل اغتياله مع هاني بن بريك واعتذاره عن مواصلة تجنيد الشباب .. لكنها شبهات قد لا ترقى إلى مستوى الادلة .
وبعد أربعة أيام من الواقعة جرى التفجير الانتحاري الكبير لمقر عمليات امن المنشآت التابع للحزام الأمني بحي عبدالعزيز بالمنصورة بسيارة مفخخة قرب جامع زايد , قتل فيه وأصيب عشرات الجنود , ودمرت واجهة المبنى , وسمع الدوي الى اقاصي عدن وجهاتها.
وظهرت واقعة اغتيال الحوشبي وتفجير مقر الحزام اشبه بثأر مزدوج , فمع التباس امر اغتيال الحوشبي واطرافه , الا أنها لا تبتعد كثيرا , عن تداعيات انتقال المعركة في ابين بين الحزام الأمني وتنظيمي الدولة والقاعدة . فخسر ابو اليمامة ( منير اليافعي) الكثير من قواته , فيما خسرت القاعدة الكثير من الأرض التي تقف عليها وتنطلق منها.
وتظهر بعدها واقعة اغتيال الشيخ عادل الشهري نائب امام وخطيب مسجد سعد بن أبي وقاص في حي انماء في 2017/10/28 م أكثر اتصالا بتداعيات مشهد عدن ابين , فهو قريب من سلفية جمعية الحكمة اليمانية , ومسؤول النشاطات في مدرسة البنيان التي كان يرأسها الشيخ فهد اليونسي , الذي اغتيل قبله في المنصورة ب10 أيام .. وكلاهما مثل باقي معظم ضحايا الاغتيالات في النهاية ينتمون الى السلفية الجهادية غير الحزبية بمشروعها المستقل.
بعد ذلك ايضا في محافظة المهرة تم اغتيال الشيخ السلفي مصطفى عبدالله الطيب امام وخطيب جامع الغيظة في 2017/11/18 م وهو ينتمي اجتماعيا الى محافظة ابين.
وعلى الخط ايضا بعد 9 ايام فقط جرى اغتيال الشاب خلدون المداح بالمنصورة 2017/11/27 م .. الذي تبنى تنظيم داعش عملية تصفيته ونشر فيديو مصور للعملية .. وقد اتهمت ادارة امن عدن في منشور على صفحتها بالفيس بوك حزب الاصلاح بتحريض تنظيم داعش ضده وقيامهم بنشر صوره مسبقا ضمن حسابات وهمية يزعم تبعيتها للاصلاح في فيس بوك على أن المداح من رجال البحث الجنائي .. وتوعد الأمن في المنشور بمحاسبة جميع أصحاب الحسابات الوهمية.. فكيف يؤكد الأمن إن الحسابات الوهمية ان وجدت هي لاصلاحيين وليس تربصا .. وكان تنظيم داعش قد اتهم المداح بسب الذات الإلهية لتبرير اغتياله.
اما الخاتمة بعد واقعة خلدون المداح اختتام ملف اغتيالات السنة بتصفية الشيخ الشاب الإصلاحي فائز فؤاد , امام وخطيب مسجد عبدالرحمن بن عوف بالمدينة التقنية بالمنصورة في 2017/12/12 م عضو مجلس شورى الإصلاح المجلس ..ليبدأ بعده الأسوأ.
***
دشن في 2018/1/4 م تصفية الأئمة بانفجار عبوة ناسفة قتلت احد الاشخاص كان بجوار مدخل جامع العيدروس بعد زراعتها من مجهول لتصفية امام الجامع .. ولا ينتمي الامام او خطيب الجامع الى اي حزب او جمعية, الا ان الهدف على ما يبدو كان الاستيلاء على الجامع لاهميته.
وفي اليوم التالي مباشرة 2018/1/5 م انفجرت عبوة ناسفة اخرى في جسد شخص حاول زراعتها امام بوابة منزل الشيخ صلاح سالم الشيباني امام وخطيب جامع الفرقان بدار سعد , وهو فقيه معروف ببرامجه التلفزيونية , وينتمي الى جمعية الاحسان الخيرية, وقتل منفذ الجريمة على الفور عند ترجله من دراجته النارية.
ثم تلاها بعد يومين محاولة اغتيال فاشلة أخرى بالطريقة نفسها في حي ريمي بالمنصورة , وقتل المنفذ بانفجار العبوة امام منزل أحد أئمة المساجد.
استأنف مسلسل الاغتيالات دون هوادة في الأسبوع نفسه باغتيال الشاب السلفي أحد تلامذة الوادعي الشيخ أيمن بايمين نائب خطيب وأمام جامع العادل بمدينة انماء في 2018/1/8 , ولكن هذه المرة بكاتم للصوت , وهو مقرب من حزب الرشاد وجمعية الحكمة اليمانية , كان يتولى توفير المقاعد المتحركة والمستلزمات لجرحى الحرب والمعاقين ..
وبعد 16 يوما فقط على مرور الواقعة اغتيل في المنصورة الشيخ عارف الصبيحي امام مسجد الرحمة في 2018/1/24 م , ينتمي الى حزب النهضة السلفي .. فيما اغتيل بعده ب 20 يوما في 2018/2/13 الشيخ الاصلاحي شوقي الكمادي , امام وخطيب مسجد الثوار بالمعلا , وهو قيادي بالمقاومة, و رئيس دائرة التأهيل والتنظيم بحزب التجمع اليمني للاصلاح فرع عدن … وهي وتيرة دموية عالية خلال شهر ونصف فقط , لم تشهد تصاعدها المتسارع كل الأشهر والسنوات السابقة.
** هكذا تكتمل ملامح خارطة بعض اغتيالات ائمة المساجد في عدن وغيرها قرابة اكثر من عامين ونصف , لتختلط دلالات أهدافها ومقدماتها ونتائجها لجهة حدوث فرز حقيقي حاد ودموي بين أصحاب المشاريع السياسية الصدامية في اليمن والجنوب بوجه خاص ..
على أن ذلك وجه جانبي صغير من مشهد ومجلد الاغتيالات الضخم الذي شهدته عدن وحضرموت ولحج وابين وغيرها في الاعوام الثلاثة الماضية , فهناك مئات من قادة المقاومة وكبار الضباط وقادة الالوية والمناطق والقضاة والسياسيين ومسؤولي السلطة ضحايا عبث الاغتيالات نفسه , من أبرزها اغتيال محافظ عدن السابق , جعفر محمد سعد , اغتيال احمد الإدريسي في 2015/10/30 م صاحب فكرة تحرير ميناء عدن من سيطرة تنظيم الدولة , ومئات العبوات الناسفة التي قتلت العشرات او نجا منها البعض مثل ابو اليمامة ( منير اليافعي) قائد عمليات ابين الحالي ضد تنظيم الدولة والقاعدة , او محاولة اغتيال نبيل المشوشي قائد اللواء الثالث دعم واسناد في أكتوبر الماضي .
والملف يطول ايضا لعشرات الأئمة والخطباء الذين لم تنجح محاولات اغتيالهم , او تم اختطافهم فقط وتصفيتهم معنويا بمصادرة وظيفة الوعظ والإرشاد , أمثال الشيخ السلفي عبدالله المرفدي الذي أغلق مسجده , او الشيخ محمد عبده سلام , امام وخطيب مسجد معاذ بن جبل في السيلة بالشيخ عثمان الذي اختطف لفترة , او امام جامع ابوبكر الصديق في خورمكسر المنتمي لاحدى الجمعيات , الذي نجا بجلده بعد فشل المنفذين في إطلاق النار عليه , وغيرهم كثر.
لم يكن أئمة المساجد بمنأى عن لعبة السياسة والمقاومة , او أنهم قد دفعوا حياتهم ثمنا لطموحات قادة الجماعات والأحزاب والفرق المتنافسة.
** تبدو المعركة بين السلفيين وغيرهم اشبه الى حد ما بحالة تسابق المجلس الانتقالي على تمثيل الجنوب.
إذن يختلط مشهد نزيف الدم , فيبدو كابوس قتل أئمة وخطباء المساجد في عدن مزيجا مربكا , مفعما بالفجور والسفه وتعدي على حرمات الله .. وفي حقيقته أيضا , يبدو انتقامات وثأرات مخجلة بين فصائل المقاومة لفرض مشاريعها السياسية , وتمدد نفوذها ووجودها في الساحة بالعنف والإرهاب .. كما أنه لا يستبعد تمادي البعض في استغلال مواقعهم ونفوذهم في أجهزة سلطة الأمر الواقع لتصفية المخالفين باسم مكافحة الخلايا الإرهابية والتيارات المتطرفة .. وهنا نقطة ضعف مكونات أجهزة الامن المستجدة , في أن قياداتها قد تخلط بين ممارسة وظيفة أجهزة الدولة (الفنية المحايدة) وليست باعتبارها طرفا وخصما وصاحب صميل , يتقمص هندام وجلابيب وشعارات فرض هيبة ونفوذ الدولة وإشاعة الأمن والاستقرار .
هذه هي ايضا نقطة ضعف دولة الإمارات العربية المتحدة عندما استعانت لفرض الامن بقيادات وقوى متناحرة غير متجانسة ومثقلة , رغم أنني أرى أنه قد تحقق بعض الشيء في الظاهر مؤقتا , لكنه أقرب إلى الهشاشة , لأن بعض الأطراف تبدي كظما للغيض الى اجل معلوم فقط .. فحتى الأجهزة التي يركن اليها الاماراتيون أيضا
هي زئبقية التكوين والانتماء.