الجنوب بين احتكار السياسة وسياسة الإحتكار
يمنات
وضاح اليمن الحريري
قال الشاعر محمود درويش في مقطع من قصيدته ( مديح الظل العالي) : قلت انتظر..لا فرق بين الرايتين..والجنوب في اليمن ما زال ينتظر وسيظل ينتظر، للحظة لن تأتي (الا مصدرة من الخارج)، لقد كثر المدعون بقضيته، من باب المكايدة السياسية، او من باب الإرتزاق و الترزق، بينما جميعهم يهربون من فكرة النظام والقانون، والموقف من الديمقراطية، والمواطنة بصفة رئيسية، حيث تحول الجنوب، إلى مذبح تقدم عليه الضحايا لأرباب القضية، تارة بتراتيل الإدعاء بتمثيل القضية واحتكار تمثيلها وتارة أخرى بصكوك الغفران المقدسة، التي لا يمنحها سوى بابوات السياسة الديماغوجية، والتعبوية، المبنية على كم من الكراهية لكل من اختلف معهم.
(مسألة الجنوب) التي قدمها تقرير الخبراء المعنيين باليمن، بصفتها من معوقات الاستقرار، كما ورد إلى علمي، بسبب انسحابها من كونها ورقة تحملها قوى شعبية، إلى كونها ورقة تعبث برجالاتها وتحركهم أطراف خارجية، صارت مسالة مثار للشبهة، لقد صار الكثيرون يفكرون ويتسألون، كم يقبض هؤلاء ثمنا لاحتكارهم المسالة الجنوبية، واخذها عنوة بالقوة الحصرية، وكم يصرفون كي يبقوا على قمة تبابها وجبالها، ليقرروا متى شاءوا إنهم اسقطوا خصومهم، وليعودوا متى شاءوا القهقرى بوجوه فاحمة ليس بسبب هزائمهم، يا ريت، بل بسبب كذبهم المستطير، التغيير السياسي الأهم، هو سحب البساط من تحت اقدام الحراك، والاحاطة بجمهوره، الذي يراد توظيفه لتحقيق اهداف آخرين ومصالحهم.
إن عملية تحويل المسألة الجنوبية إلى لعبة سياسية فجة، ودموية في نفس الوقت، يفقدها مصادقية عدالتها وبريق ديمومتها، كمان تحولها إلى ورقة تتشكل بيد اطراف النزاع المحلي في عدن بحسب ارتباطاتهم بالكايبل الخارجي، يجعل منها صديدا، يسيل من تقيح جراحها، التي تصيب البنية السياسية للقضية ذاتها.
احتكار التمثيل السياسي لا شك سيقود الى احتكار السلطة، بفرض النجاح، هذا الاحتكار سيظل وفيا لذاته وطموحاته، التي سيحفظها بمنع الآخرين من تناول ونقد ظروف الجنوب الموضوعية والذاتية، كذلك مايحتاجه احتكار التمثيل السياسي، من سياسة لانفاذه وانجاحه، ولو بالصميل سيقود الى جنوب مشكوك في طبيعة نظامه القادم ومدى نزاهته، هذا الخلل القاتل المبني على عدم توافق الاحتكار السياسي، مع الطابع الاجتماعي الشعبي، وعدم نجاح تزاوجه حتى هذه اللحظة مع تاصيل المسألة اقتصاديا وثقافيا، ونجاحه المحدود في تقديمها كقضية جهوية عنصرية باهتة، يرغم الآخرين من المستقبلين لها وعلى أسس معلوماتية، ينتبهون لكونها لا تعني سوى اعداد من البشر المتطرفين، قل عددهم او كثروا، ينتهجون اساليب الفرض القسرية لسحببة المواطنين الاخرين معهم..
نعم قد يتوقف الكثيرون عن التعاطف والتأييد للمسألة الجنوبية، لكنهم لن يتوقفوا عن المطالبة بحريتهم وحقهم، حتى لو تشكل الجنوب ذاته سيظلون فيه يطالبون بحرياتهم وحقوقهم، مهما تمادت او تمطت أيادي المدعين او ألسنتهم او اقلامهم، لفرض حساباتهم التي ما انزل الله بها من سلطان..اكسروا سياسة الاحتكار وابطلوا احتكار السياسة وستنجون خير منجى طال الوقت او قصر .