تصريحات الجُبير .. الوضوح بمرارته
يمنات
صلاح السقلدي
قال وزير الخارجية السعودي عادل الجُـبير، في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل، الخميس الماضي، إن «بلاده تستخدم القوة العسكرية لإرغام الحوثيين على الجلوس إلى طاولة التفاوض»، معتبراً أن «نهاية هذه الحرب ستكون ممكنة بعودتهم الى التفاوض والشروع بتسوية سياسية شاملة تنهي هيمنتهم على اليمن كأقلية».
الجبير قال نصاً: «نؤمن بأن استخدام الضغط العسكري والخسائر التي يتكبدها الحوثيين، هي ما ستدفعهم للعودة إلى مائدة التفاوض».
وبصرف النظر عن جدية الجبير، بالالتزام بما قاله من عدمه، إلّا أنه من المؤكد أن ما ذهب إليه هو ما سيتم في نهاية المطاف، أي أن التفاوض مع «الحوثيين» وما سيتمخض عنه ذلك من تسوية سياسية، ولو بخطوطها العريضة هو ما سيرسم ملامح العهد الجديد باليمن، وما سيحدد طبيعة العلاقة السعودية-اليمنية بقادم السنين، سواءً تمت عملية التفاوض والتسوية مع «الحوثيين» وهم مهزومين أو في حالة ضعف، أو حتى في حال بقائهم كقوة عسكرية وسياسية وجماهيرية على الأرض كما هو ثابت حتى الآن، فكل طرق الحرب -أية حرب- تؤدي إلى تفاوض، وكل تفاوض يصير إلى تسوية، والرابح الأخير هو من يمتلك أوراق القوة وأسباب الغلبة وبراعة العقل السياسي، هكذا يحدثنا منطق تاريخ كل الحروب البشرية.
لكن ماذا يعني كلام الجبير، بالنسبة للجنوبيين ولتضحياتهم الجسيمة التي تمت وتتم تباعاً، وبالذات خلال الفترات الأخيرة؟ هؤلاء الجنوبيون الذين يتم الزج بهم في جبهات خارج حدودهم الجغرافية وعلى تماس بالحدود السعودية اليمنية، من دون أية ضمانات أو تعهدات من الشركاء، ولو ضمنية، تكفل لهم تحقيق مكاسب سياسية من وراء كل هذه التضحيات… فلا شك أن كلام الرّجُـل كان واضحاً بهذا الشأن، فهو عادة وكسائر المسؤولين السعوديين، يتحدث من دون مواربة ولا غموض، بل ومن دون مراعاة لمشاعر شركاءه الجنوبيين الذين أنقذوا جيشه من مأزق وورطة تاريخية بهذه الحرب، ويقولها الجبير صراحة – أو يكاد أن يقولها- أن ما يجري بالجبهات من قتال دام ومن دماء تسفك وأرواح تزهق، ليس أكثر من ورقة ضغط سياسية بيد بلاده، وبيدَيّ حلفائها الخليجيين و«الشرعية» اليمنية لإجبار «الحوثيين» على التفاوض، وإخضاعهم للانخراط بتسوية سياسية شاملة.
هذا الوضوح السياسي السعودي، بشأن التصور لما ستؤول إليه هذه الحرب، وما ستفضي إليه الأمور في نهاية المطاف، شأنها في ذلك شأن أية حرب، تنتهي بالتسوية، ليس هو الوضوح والصراحة الأول من نوعه التي تبديه الرياضـ خصوصاً إذا ما أردنا معرفة مكان «القضية والبندقية الجنوبيتين» بقائمة الأجندة والاهتمامات السعودية والخليجية.
كل ما تقوله الرياض وتفعله في اليمن، لم تأبه خلاله لا من قريب ولا من بعيد لقضية الجنوب، ولم تعط لأي طرف جنوبي أية وعود ضمن الحلول السياسية المطروحة والمشاريع الممكنة، تمكن من إيجاد حل يوفر للجنوبيين ولو الحد الأدنى من تطلعاتهم التحررية لم نر ولم نسمع مثل هكذا لا من فوق الطاولة ولا من تحتها، ليس كُرها بها ولا حُـباً بوحدة اليمن.
السعودية لا تكترث لمستقبل أي دولة بالمنطقة، فما بالنا حين يتعلق الأمر بدولة كاليمن، ترى الرياض في وحدتها ونموها خطراً داهماً عليها، وبالتالي فالمصلحة السعودية تقتضي ذلك التجاهل للقضية الجنوبية وتستدعي تغييبها خلف الحجَــب ولو الى حين.
هذا الوضوح والتعاطي السعودي حيال القضية الجنوبية على – مرارته – فهو يحسب للسعوديين، فهم على الأقل لم يجعلوا الجنوب يتعلق بوعود كاذبة وتمنيات هلامية لزجة. وبالتالي فالوضوح السعودي سيجعل النخب الجنوبية – أو كان يجب أن يجعلها منذ بداية الحرب- على بيّنةٍ من أمرها بشأن الموقف السعودي، فتبحث عوضاً عن تلك الخيبة عن خيارات متعددة وشركاء متعددين، تمكنها من الاستفادة من هذه الحرب، ويجعلها، أي النخب الجنوبية، توفر طاقاتها وطاقات الجنوب البشرية، وتقلل من نزيف الدم الجنوبي المسكوب من دون طائل وبالذات خلف الحدود، فيما تقتصد بانجرافها وهرولتها السياسية المجانية إلى أحضان شركاء، يعلنونها ليل نهار أن روزنامة حربهم هذه لا تتضمن بنداً لمشروع سياسي إسمه استعادة دولة الجنوب، ولا حتى تبحث عن تسوية سياسية يكون فيها الجنوب في يمن ما بعد هذه الحرب، شريكاً يتناصف الحضور والقرار باليمن الموحد على طريقة مشروع الدولة اليمنية من إقليمين مثلاً.
كل هذا لا وجود له من الأصل، بقدر ما هي حربٌ لا ينفك أصحابها يؤكدون سراً وعلانية أنها حرب ذات أبعاد أمنية بحتة، ومصالح اقتصادية وتوسعية صريحة، مستندة لضمان تحقيقها على تعهد أصحابها بالتمسك بوحدة يمن 1990م، وذلك كسباً لود الشمال الذي تتموضع نُخبه بمواقع متعددة ومهمة، بعكس نخب الجنوب المشتت، والداخل بشراكة مجانية مع الكل ولمصلحة الكل… فالكلمة العليا هي للمصلحة الخليجية، مقابل التزامات للطرف اليمني بحفظ وحدة 22مايو 1990م، بكل ما بها من جور وتعسف بحق الشريك الجنوبي، هذا الشريك الذي من سوء حظه العاثر ترميه الأقدار مرة أخرى بتكرار تجربة الشراكة مع الآخرين، ولكن هذه المرة مع شريك من خارج الحدود اليمنية ونعني «التحالف العربي» الذي لا يقل مكراً عن سابقه.
خلاصة القول، أنه برغم أن الكثير من الجنوبيين لم يكونوا بحاجة الى تأكيد سعودي يثبت لهم أن لا وجود للقضية الجنوبية، بحسابات السعودية والخليجية، بعد ثلاث سنوات من لإثبات ذلك، وبعدما أثبتَ «التحالف»، إذا ما استثنينا المواقف الإيجابية التي بدرتْ من الطرف الإماراتي مؤخراً حيال الجنوب و«المجلس الانتقالي» بالذات، أثبتَ في أكثر من مناسبة وبأكثر من محفل إقليمي ودولي أن «القضية الجنوبية» في ذيل قائمة اهتماماته -إن كان ثمة اهتمام خليجي بها أصلاً- فيكفي أن نتذكر لنتيقن من موقف «التحالف»، هذا أن ما يُـسمّىَ بالمرجعيات الثلاث التي يصر «التحالف» و«الشرعية» ومعهما المجتمع الدولي على أن تكون هي اساس أي تسوية قادمة باليمن، هي صنيعته ونتاج مطابخه السياسية، وكلها رمت «القضية الجنوبية» بمكب قمامة السياسة، ومن هذه المرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي استطاع «التحالف» استصداره من مجلس الأمن الدولي، وقد أهمل أي ذكر لـ«القضية الجنوبية»، وأكد بالمقابل على بقاء وحدة 90م، وكذلك الأمر بالمرجعيتين الأخريين «المبادرة الخليجية ومخرجات حوار صنعاء»، فكلتاهما شددتا على بقاء مثل هكذا وحدة، وتجاهلتا عمداً طبيعة وجوهر «القضية الجنوبية»، بعدما مسختها هذه المرجعيات وأحالتها الى مجرد قضية ثانوية، وسط غابة كثيفة من قضايا اليمن يتم مناقشتها على هامش أي لقاء أو تسوية.
المصدر: العربي