غضب في حضرموت على الإماراتيين: كفى ترهيباً وإفقاراً
يمنات
يتصاعد السخط الأهلي في محافظة حضرموت على ممارسات السلطات المحلية الموالية لأبو ظبي. ممارساتٌ تبدأ من تعطيل عمل القضاء وتسييسه، ولا تنتهي عند التضييق على العمال والموظفين والطلاب. وفيما تبدو القيادة الإماراتية ماضية في إجراءاتها التي تمثل آخرها في اعتقال نقابي ومنع الإفراج عن معتقلين، يظهر الغضب المتفاقم في المحافظة نذيراً بهبّة شعبية على الإمارات، التي تُحكِم سيطرتها على مدن الساحل
تشهد محافظة حضرموت، منذ فترة، حراكاً مناهضاً للتواجد الإماراتي فيها، على خلفية عمليات قمع وترهيب تنفذها القوات المحلية الموالية لأبو ظبي، مترافقة مع تدخل القيادة الإماراتية في عمل المؤسسات الرئيسة، وفي مقدمها القضاء. عمليات يُتوقّع أن تتصاعد خلال المرحلة المقبلة، حيث «سيكون الهامش المدني أكثر ضيقاً، ولن تستطيع الناس أن تتنفس وتعبر عن احتجاجاتها بطرق سلمية»، على حدّ تعبير الصحافي، عوض كشميم، الذي أُطلق سراحه أول من أمس مع استمرار محاكمته. لكن ذلك التصعيد المتوقع سيقابله، على ما توحي به المعطيات، تصعيد مضاد من قبل فاعليات المحافظة وهيئاتها، بالتوازي مع استمرار الاحتجاجات الرافضة لممارسات الميليشيات المحسوبة على الإمارات في محافظة عدن.
وأعلنت النيابات العامة في مدينة المكلا (مركز حضرموت)، أمس، إضراباً عاماً عن العمل، احتجاجاً على توجيه المندوب الإماراتي في المحافظة بتعطيل قرارات النيابة الجزائية القاضية بإطلاق سراح عدد من المعتقلين. وترافق إعلان الإضراب مع صدور بيان باسم أهالي المعتقلين في ساحل حضرموت، حيّا «موقف رئيس النيابة وأعضائها في نصرة المظلوم والحفاظ على سلطة القضاء وهيبته»، مطالِباً بالإفراج عن 25 معتقلاً «تم التحقيق معهم، ولم تثبت عليهم أي تهمة». وقرّرت نيابة الاستئناف الجزائية المتخصصة في المكلا، في وقت سابق، الإفراج عن الصحافي كشميم، و5 معتقلين آخرين من بينهم القيادي في حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) عوض الدقيل، بعد استكمال إجراءات التحقيق معهم وثبوت براءتهم، إلا أنه سرعان ما جاء التوجيه الإماراتي بتعطيل القرار، مستثنياً كشميم، الذي جدّد، عقب إطلاق سراحه بضمانة، موقفه الرافض لـ«تكميم الأفواه».
واتهم الصحافي الذي اعتُقل لقرابة شهر من قِبَل القوات التابعة للمنطقة العسكرية الثانية الموالِية للإمارات، معتقِليه، بتكييف النصوص القانونية حسب أهوائهم، وتعريضه للأذى. وأُلقي القبض على كشميم، في 21 شباط/ فبراير الماضي، بتوجيه من محافظ حضرموت (المحسوب على أبو ظبي)، فرج سالمين البحسني، على خلفية منشور انتقد فيه العملية التي أطلقتها قوات «النخبة الحضرمية»، في 17 شباط، ضد تنظيم «القاعدة» في وادي المسيني في المحافظة، واصِفاً إياها بـ«الوهمية»، معتبراً أنها تستهدف «خدمة أطراف إقليمية». وبسبب ذلك المنشور، وُجّهت إلى الرئيس السابق لـ«مؤسسة باكثير للطباعة والنشر»، والذي أُقيل من عمله قبيل اعتقاله، تهم «نشر أخبار كاذبة، وتكدير الأمن العام، وإحباط معنويات النخبة في محاربة الإرهاب»، بما يذكّر بالاتهامات التي تُلقى على نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين في دول الخليج.
وإزاء هذا الترهيب، طالب كشميم بمحاسبة «الفاسدين الذين يعذبون البسطاء من الناس وينهبون مقدرات الشعب ويستثمرون معاناته»، بدلاً من «إلباس الصحافيين الثياب الزرقاء»، مؤكداً أن «الصوت الواعي والوطني والنظيف سيظل حاضراً وبفعالية في صدارة المشهد، لإعادة بناء مؤسسات الدولة التي تعبّر عن مصالح الجميع، بدون تحيزات مناطقية وجهوية ضيقة».
وجاء اعتقال كشميم ضمن حملة استهدفت صحافيين وإعلاميين ومؤسسات في كلّ من عدن وحضرموت، منذ أواخر شباط الفائت. وبلغت هذه الحملة ذورتها في الأول من الشهر الحالي مع قيام مسلحين باقتحام مبنى «مؤسسة الشموع» وصحيفة «أخبار اليوم» الصادرة عنها في مديرية دار سعد في مدينة عدن، وإحراقه بالكامل، بعد يوم واحد من إصدار المؤسسة بياناً استنكرت فيه ما يتعرض له الصحافيون في جنوب اليمن. وسُجّلت واقعة الاعتداء تلك عقب استدعاء أحد الصحافيين في المدينة من قِبَل إدارة البحث الجنائي، على خلفية منشورات انتقد فيها «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات. وترافق التضييق على الصحافيين مع استمرار ميليشيات «الحزام الأمني»، التابعة لأبو ظبي، في اعتقال نشطاء ومواطنين من دون تهم أو محاكمات. ونُظّمت آخر الفعاليات المناهضة لذلك يوم الأحد الماضي، حيث طالبت أمهات المخفيين قسراً بالإفراج عن أبنائهنّ أو تقديمهم للمحاكمة، شاكياتٍ منعهنّ من زيارة ذويهنّ.
وبالعودة إلى حضرموت، فلا يقتصر السخط المحلي فيها على السلطات الموالية للإمارات على الصحافيين والنشطاء، إنما يشمل كذلك العمال والموظفين والطلاب الذين صعّدوا احتجاجاتهم الرافضة لممارسات تلك السلطات على خلفية رفع أسعار المشتقات النفطية الأسبوع الماضي. واتسعت، أمس، رقعة الإضراب الذي بدأه الصيادون في مدينة المكلا، لتشمل أيضاً مدينة الشحر، حيث نُفّذت وقفة منددة بالغلاء وتردي الخدمات. وطالب المشاركون في الوقفة بفتح الخط الرئيس الرابط بين مدينتَي الشحر والمكلا، والذي تغلقه القوات الإماراتية منذ سيطرتها على ميناء الضبة النفطي، مُتسبّبة بمعاناة كبيرة للطلاب. وعلى إثر تلك الاحتجاجات، عمدت القوات الأمنية التابعة لأبو ظبي إلى اعتقال رئيس جمعية الصيادين في المكلا، سالم محمد باداوود، في محاولة لتخويف المعترِضين. وعلى خط موازٍ، بدأ عدد من طلاب جامعة حضرموت (تحديداً القادمون إلى المكلا من مدن أخرى) اعتكافاً عن الدراسة، على خلفية ارتفاع أسعار المواصلات، والذي تسبب به قرار الجرعة الأخير.
المصدر: “الأخبار” اللبنانية