الفساد يحرم أبناء شبوة ثرواتها: شركات النفط .. “صندوق أسود”
يمنات
توفيق علي
يشكو أهالي محافظة شبوة (شرقي اليمن)، تهميش المحافظة من أبسط المشاريع الخدمية، والالتزامات التنموية، التي قطعتها الشركات النفطية العاملة في حقولها على نفسها، وكذا الحكومات المتعاقبة، منذ استكشاف النفط في المحافظة في العام 1987.
وتنتج محافظة شبوة، نحو 50 ألف برميل يومياً، من 3 حقول نفطية، هي جنة وعياد (عسيلان) والعقلة (عتق)، وتعدّ مجموعة (OMV) النمساوية، أكبر مستثمر نفطي في المحافظة، كما تحوي على مشروع الغاز المسال، الذي يعدّ أكبر مشروع إستثماري في اليمن، بكلفة بلغت نحو بـ4.5 مليارات دولار، ولا تزال أعمال الإنتاج متوقفة في هذا المشروع، نظراً لعدم توفر الحماية الأمنية، بحسب مصدر محلي مطلع، أكد بدوره، أن مساحات شاسعة في المحافظة، ما تزال غير مستغلة، وتبشر بمستقبل نفطي واعد جداً.
ويعد النفط، المحرك الرئيس للإقتصاد اليمني، ويمثل 70% من موارد الموازنة، و63% من الصادرات، و30% من الناتج المحلي، وتمثل عائداته نسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي.
احتجاج متصاعد
في منتصف شهر فبراير الماضي، أقدمت قبائل بلحارث في مديرية عسيلان، بتفجير أنبوب النفط المتجه من حقل «جنة» عسيلان إلى مصفاة مأرب، احتجاجاً على «توقيف مخصصات كهرباء بيحان من المحروقات، التي وجه محافظ مأرب سلطان العرادة بقطعها».
وبحسب بيانات نشرتها قبائل بلحارث (شمالي غرب مركز محافظة شبوة)، فقد جاءت هذه الخطوة، بعد أيام من مطالبتها للسلطات المحلية في مأرب، بتوفير مخصصات كهرباء شبوة من المحروقات، من دون إستجابة، ما دفعهم إلى تفجير الأنبوب الذي يمر عبر أراضيهم.
قبل تلك الحادثة، حاصرت مجاميع مسلحة قبلية، في العام 2012، مقر شركة «جنة هنت»، ومنعتها من العمل احتجاجاً على عدم إلتزام الشركة، بالوعود التي قطعتها للمواطنين، ومنها إيصال الكهرباء إلى جميع مناطق بيحان العليا والسفلى.
هوة بين المجتمع والإستثمار النفطي
يقول ماجد عمير الحارثي لـ«العربي»، إن «مديرية عسيلان وكافة مناطقها، تغرق في الظلام منذ نحو الشهرين، بسبب احتجاز سلطات مأرب، مخصصات محطة الكهرباء من النفط المخصص لكهرباء المديرية، وتجاهلها مطالب أبناء المديرية المتكرر».
وأضاف الحارثي، أنه «في الوقت الذي تنتج منطقتنا آلاف البراميل النفطية، التي يذهب جلها للفاسدين والمتنفذين، نجد أنفسنا محرومون من أبسط الحقوق في حدّها الأدنى، فخيرنا لهم طالع، وشرهم لنا نازل!».
وتابع «سئمنا الوعود الكاذبة من قبل الشركات والحكومة، بتوفير الكهرباء وبعض الخدمات لمديريات بيحان (عسيلان، بيحان، عين)، ما اضطرنا للتصعيد، لإجبار الحكومة على الإلتفات لمعاناتنا».
واستطرد شاكياً «نحن مع أن تكون الثروة لجميع أبناء الوطن، ومع تشجيع الإستثمارات الوطنية، ولا نريد إلا ما يقره لنا القانون من حقوق، لأننا نرفض اليوم، أن يتم حصر الخدمات المقدمة لنا، في وظائف حراسات أمنية بائسة، هي كل ما يجودون به علينا».
كثرت الشركات واتسع الفقر
وأكمل محمد أحمد مبارك، الشخصية الإجتماعية التي تمثل أبناء المحافظة في المطالب المجتمعية بقوله، إن «الشركات النفطية العاملة في المحافظة، لم تقدم أي مشاريع خدمية أو تنموية، وخاصة بعد عام 94، حيث كثرت الشركات وتغيرت قواعد نظام عملها لصالح الشركات والقوى المتنفذة».
وأضاف «تحتل شبوة المرتبة الدنيا في مستوى الخدمات، على مستوى الجمهورية، ليس ذلك فحسب، بل إن الشركات النفطية، ألحقت أضراراً بالغة بالبيئة والمجتمع، جراء النفايات الكيمائية المنبعثة من أعمال التكرير والإستخراج وتدمير بحيرة جنة المائية وإحراق الغطاء النباتي والزراعة في المناطق المجاورة، وخاصة بيحان».
وتابع: «تعيش المناطق المجاورة للحقول النفطية من انعدام الكهرباء والمستشفيات والمدارس المؤهلة للتعليم والطرقات، وجميع الخدمات الأخرى، وأخلفت بكل وعودها التي التزمت بها بتوظيف أبناء مناطق شبوة في الشركات العاملة في حقول النفط، وكذلك إيصال الخدمات التنموية إلى المحافظة».
مسببات
وأورد مبارك، جملة من العوامل التي يرى أنها سبباً «لإخلال الشركات النفطية بدورها المجتمعي التنموي المطلوب»، وفندها في النقاط التالية:
1 – فساد ممثلي السلطات في المحافظة ووزارة النفط.
2 – ابتزاز الشركات من قبل جهات رسمية ونافذة من خلال تغريمها دفع ملايين الدولارات للوحدات العسكرية التابعة للدولة، مقابل الحماية ومبالغ مماثلة لمشايخ النظام، مقابل تأجير الأرض للشركة، ومبالغ أخرى لعناصر القبائل، مقابل حماية محلية حتى لا يغضب المجتمع من الحرمان والضرر الذي يلحق به.
3 – إستخدام الشركات لأسلوب شراء الولاءات لبعض المشائخ والوجهاء.
4 – غياب دور منظمات المجتمع المدني والجهات الرقابية.
5 – حرمان المجالس المحلية، وممثلي البرلمان المنتخبين من الشعب، من الدور الرقابي والإشرافي على عمل الشركات، ومدى إلتزامها بحقوق المحافظة.
6 – تمركز مكاتب الشركات في صنعاء ودبي، وعدم وجود مكاتب لها في المحافظة.
7 – تجاهل الدولة للتنمية بهذه المحافظة، من خلال عدم وضع مشاريع إستراتيجية خدمية، وتحديد مصادر أو الجهات المنفذة لها.
8 – الفساد المهيمن على الدولة، جعل كبار رجال المال هم من يحددون المشاريع وكيفية تنفيذها، مثل الكهرباء التي تكفلت بها شركة جريكو عبر وكلائها في الحكومة، ليتم تأجير مولدات للدولة لا تكفي لخدمة المواطنين.
9 – غياب الشفافية، وضعف وفساد الدولة ومؤسساتها القضائية والقانونية، جعل الشركات وعصاباتها تعمل بمأمن من الملاحقة القانونية.
وختم مبارك بالقول: «وعليه، فإن الشركات النفطية، تحولت إلى مرتع خصب للفساد والإثراء غير المشروع للجهات النافذة، ومراكز القوى، ومافيا المال والسلطة، وتعتبر الصندوق الأسود، لما يجري في البلاد منذ عام 87، مروراً بحرب 94، وحتى اليوم».
المصدر: العربي