سياسة الإفقار ..!
يمنات
نبيل الحسام
تذكرت امس واليوم وانا اشتري قات احد الفلاحين التقيته في الأسبوع الماضي وهو يبحث عن ضمين يضمنه لدى المؤسسة الوطنية ليحصل على قرض لشراء ديزل لسقية الأرض حيث لم يعد يمتلك ما يمكنه من شراء الديزل. تحدثت معه عن القرض الذي يتمنى الحصول عليه.
وكان ان قال لي انه يسعى من اجله منذ شهرين ولكنه عجز عن الحصول على ضمانه .وان ارباح القرض تبلغ 15%. وانه نتيجة لإرتفاع سعر الديزل اصبح هو وكثيرين من الفلاحين مهددين هم وارضهم بالموت، ذلك ان الفلاح نتيجة لهذا الإرتفاع اصبحوا لا يكسبون من ارضهم الا ما يكفي لسد رمقهم بالكاد، بل انهم في بعض الأحيان يخسرون بسبب ظروف الطقس حيث يأتي الصقيع فيقضي على الثمار بعد ان يكون الفلاح قد دفع فيها ما يملكه.وطوال الفترة الماضية باع الفلاحيين ما كانوا يملكونه من ذهب وايضا بنادق من اجل شراء ديزل والبعض باع ارض والبعض يريد ان يبيع جزءا من ارضه ليحصل على ثمن ديزل لزراعة الجزء المتبقي ولكنه لم يجد مشتري وحتى هؤلاء الذين باعوا في السابق اصبحوا يريدون ان يبيعوا جزءاً إضافيا ولكنهم ايضا لم يجدوا من يشتري منهم.والسبب هو ان رأس المال لا يشتري الا الأرض التي تتمتع بخصائص جغرافية تدر عليه ارباح.فالفلاحين الذين لم يجدوا من يشتري منهم فالسبب ان هو ان ارضهم لا تتمتع بالخصائص الجغرافية المطلوبة لدى رأس المال .واما من قاموا ببيع جزء ولم يجدوا من يشتري منهم جزءا آخر فما باعوه كان يتمتع بتلك الخصائص وما تبقى لديهم لا يتمتع بها ولذلك لم يجدوا من يشتريها منهم .
وهنا ينكشف حجم المأسآت .حيث ان البيع لم يفي بغرض الحفاض على ما تبقى من ارضهم .وبذلك اصبحوا فاقدين للإثنين كما اصبحوا مهددين بالجوع.
كما قال لي هذا الفلاح ان اهل قريتهم كانوا قد قرروا تخصيص مساحة كبرى من اراضيهم وهي من افضل اراضيهم تميزا بالخصائص الجغرافية وذلك لبيعها من اجل شراء منظومة طاقة شمسية ولكنهم لم يجدوا مشتري.
والواضح هنا ان قروض ما يسمى بالمؤسسة الوطنية تأتي كخطوة ثانية ضمن مخطط سياسة الإفقار للفلاحيين. حيث الأرباح الإضافية التي تظاف الى كلفة ثمن الديزل تقضي تماما على هامش او نسبة الربح الذي يمكن ان يحصل عليه الفلاح في احسن الظروف بل وربما تفوق تلك النسبة ويصبح الفلاح مضطرا لبيع ارضه بأبخس الأثمان لتسديد القرض .وهذا ايضا اذا ما وجد من يضمنه وحصل على القرض. ولم يكن كصاحبي الفلاح الذي صعب امامه ذلك.
وبعد ان كان قد ظن انه وجد الضامن حين ابدى الرفيق هائل القاعدي استعداده لضمانته ولكن المؤسسة افادت بأن مثل هذه الضمانه لا يتم قبولها كون الرفيق هائل يملك شركة عقارية والمؤسسة لا تقبل ضمانة الشركات العقارية.
انها سياسة الإفقار للفلاحين ليعودوا للعمل عكفة ونهابة وجنود في حروب ومعارك لخدمة مصالح السلطة المستغلة بعد ان كانت الزراعة قد صرفتهم عن ذك حيث وفرت لهم دخلا واستقرارا .وليعودوا مرغمين من اجل الحصول على كسرة خبز.ويتم الدفع بهم لخوض صراعا تحت مسميات مختلفة ضد نظرائهم الفلاحين المفقرين الذين هم ايضا ضحايا نفس السياسة ومن قبل سلطات لها نفس الهدف وتزج بهم في هذه الصراعات.
ولكن ما يجب على الوطنيين اليوم هو توعية هؤلاء الفلاحين في كل مكان بهذه الحقيقة وان يعوا ايضا بأن الصراع الحقيقي الذي يجب ان يخوضوه هو ضد هذه السلطات والقوى المستغلة صاحبة هذا المشروع. وان معاناتهم لا يمكن ان تتوقف إذا لم يتوحدوا ويبدأوا خوضهم لهذا الصراع من هذه اللحظة وان أي تأخر سيزيد المعاناة سوءا ويؤخر القضاء على هذه المعاناة ويجعل كلفتها باهضة.