قراءة في عوالم ايهاب القسطاوي القصصية
يمنات
طارق علي
(1)
ايهاب القسطاوي، كاتب وشاعر وروائي شاب، شهدت مدينة الاسكندرية صرخة ميلاده الاولي في السادس والعشرين من نوفمبر عام 1977م، شارك مع جماهير الشعب المصري في ثورة 25 يناير التي أنهت حكم حسني مبارك في مصر، كان أحد المناهضين بشدة في فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة يناير الظافرة الأمر الذي أدي الي اعتقاله لمدة ثلاثة أشهر، وكان أيهاب أيضا أحد البارزين في حركة الشارع المصري المناهضة لحكم الأخوان المسلمين أبان فترة الرئيس المخلوع محمد مرسي، كما تعرض لمحاوله اغتيال من تنظيم الاخوان قبل الموجة الثانية من ثورة يناير في 30 يونيو، وتعرض للاعتقال في فترة حكم الاخوان بعد اتهامه بالمشاركة في حرق مقرات الاخوان المسلمين، وهو الآن من أشد المعارضين لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي لايمانه العميق بأن الفاشية الدينية هي الوجه الآخر للفاشية العسكرية، وكان من أوائل الداعين لمقاطعة الانتخابات الأخيرة في مصر، يعمل أيهاب القسطاوي حاليا في قطاع التعليم كموجه فني في محافظة الاسكندرية وهو كاتب غير متفرغ مثله مثل الألاف من مبدعي العالم الثالث، كتب ايهاب الشعر في بداية مشواره الأدبي حيث لا يخفي تأثره واعجابه الشديد بصلاح عبد الصبور وأمل دنقل ونجيب سرور، ونتيجة لتأثير هؤلاء الشعراء الكبار كتب ايهاب أولي قصائده في تلك المرحلة تحت عنوان “ليل بغداد” وهو بالمرحلة الاعدادية ابان الغزو الأمريكي للعراق، وتلتها قصيدة اخري بعنوان “رسالة الي الرئيس الأمريكي” في تلك الفترة أيضا، وأخيرا نشرت له مجلة روز اليوسف قصيدة جديدة بعنوان “لي حبيبة في بيروت” ويبدو ان مساحات الابداع الشعري داخل المشروع الأدبي الكبير للكاتب ايهاب القسطاوي أخذت تتقلص وتتواري رويدا رويدا مفسحة المجال للقصة القصيرة والرواية حيث نشر ايهاب في الفترة الأخيرة عشرات القصص القصيرة بالعديد من الصحف والمجلات المصرية مثل روز اليوسف والبوابة والدستور. كما ان الكاتب يتأهب لنشر مجموعته القصصية الأولي والتي اختار لها عنوان “أحلام خيال المآتة” وهو حاليا يعكف علي انجاز روايتين الأولي تحت عنوان “برد الياسمين” والرواية الأري بعنوان “أصل الحكاية” وتدور أحداثها عن الملحمة الوطنية اللبنانية “جمول” وفي هذا المقال نتناول جانبا من الانتاج القصصي للكاتب ايهاب القسطاوي.
(2)
في قصة “موسم الطاعون” نجد الكاتب يقف بنا علي اعتاب مشهد رائع علي مستوي التوصيف والتمثيل للبطله الأساسية في القصة “الست فاطمة” وهي تطل “من شرفتها ذات السبعة آلاف خريف” وفي اعتقادي ان الشرفة المقصودة هنا ما هي الا المعادل الموضوعي داخل جغرافيا النص لـ”مصر” وحضارتها الممتدة في التاريخ الي سبعة آلاف عام، وأيضا الأشارة الواضحة جدا الي شجرة الجميز فيها ما يشبه التأكيد علي تلك الفكرة، القصة أيضا محتشدة بمناخات وأجواء الرواية الرائعة “الطاعون” التي كتبها الكاتب الفرنسي ألبير كامو، هذه الرواية العظيمة التي رصدت علي المستوي السطحي حياة مدينة أصيبت بوباء الطاعون ولكن وراء هذا المستوي الظاهري من الوصف والرصد تكمن معاني أكثر عمقا، وفي اعتقادي ايضا ان الجملة الأخيرة في القصة “لقد حل موسم الطاعون” التي جاءت علي لسان البطلة الأساسية في هذه القصة هي نهاية صادمة في هذا النص القصصي، فاذا كان الوباء الأسود الآخذ في الاندياح في حياة الناس كعلامات دلالية تشير الي الموت والعجز عن المقاومة وانسداد كلي أمام أي محاولة لتسرب الأمل للانسان، فان التخفيف من حدة هذه الحالة من الضياع والموات ينطوي علي دلالات مغايرة تماما وربما تقف علي النقيض من حاله اليأس، وذلك في ثنايا السرد عندما نري “الست فاطمة التي كانت تربط خمارا علي رأسها كشراع مركب مرهق يهيم بحثا عن مرفأ علي شط النيل” مما ينطوي علي مقاومة الظروف وبالتالي الثورة علي هذا الواقع المأساوي وتغييره الي واقع يليق بحياة تحترم آدمية الانسان. وفي قصة “احلام خيال المأتة” نلتقي بشخصية أقرب الي شخصية “دون كيوشوت” التي رسمها الكاتب الأسباني “دي سيربانتس” هذه الشخصية الممتلئة بأحلام وأوهام العودة الي زمان الفروسية الغابر، فشخصية “خيال المآتة” في القصة ـ في اعتقادي ـ هي شخصية تم بناءها علي أساس ان تضئ لنا الواقع المرير الذي تتحرك في اطاره هذه الشخصية، واقع الجوع والخوف من المستقبل، ولا يمكن ونحن نحاول استكناه عوالم القاص ايهاب القسطاوي القصصية ان نمر دون التوقف عند قصته الرائعة “بلقيس تتجول في شوارع بغداد” هذه القصة التي تبتدي كـ(حلم)، ونري “صنعاء” في جغرافيا النص كصبية يمنية جميلة، انتهك جسدها تجار الحرب وسماسرة الموت الذين توافدوا من معظم البلاد (العربية) لممارسة هواية القتل علي أرض هذا البلد الجميل (اليمن)، وأيضا نجد ان من أسباب البحث عن السلام وعودة وعودة الحياة الي جسد هذه الصبية مرتبطا بأستدعاء التاريخ القديم وعودة بلقيس الملكة اليمنية المعروفة، والتي تعود كـ(الغريبة) علي هذا الوطن تبحث عن ابنتها صنعاء بين الجثث المتناثرة هنا وهناك بفعل الحرب. والقصة تأخذنا في مشاهد أشبه بالمشاهد السينمائية حتي نصل الي نهاية القصة الفيلم بعودة صنعاء الي الحياة مرة اخري.
(3)
ايهاب القسطاوي كاتب يمسك بأدواته التعبيرية والفنية بالشكل الذي يمكنه من ان يرسم شخوصه وأبطاله بعيدا عن (التصنع) وتزييف الواقع، فمعظم أبطال قصصه القصيرة تأتي من عمق حياة الناس العاديين، بأحلامهم وآمالهم وخيباتهم، أنتصاراتهم وهزائمهم، وهو كاتب صاحب مشروع أدبي يعمل علي انجازه في جبهات متعددة في القصة والرواية والشعر وكتابة المقال، فقد كتب ايهاب العديد من المقالات والدراسات السياسية، فضلا عن العمل السياسي المباشر من خلال اتحاد الشباب الاشتراكي المصري بالاسكندرية والذي كان ايهاب احد المؤسسين لذلك الاتحاد في عام 2011م ولا غرو ان ايهاب القسطاوي لا يخفي انتمائه اليساري الماركسي المنحاز للطبقات الشعبية والكادحة والمناضلة في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والاشتراكية، والعمل علي هزيمة المشاريع الامبريالية والاستعمارية في المنطقة وعلي رأسها الوجود الصهيوني الاستطاني في أرض فلسطين. فقد وصفته مجلة “لوفيجارو” الفرنسية أبان ثورة 25 يناير بـ”ان القسطاوي يملأ فضاء الاسكندرية بحثا عن الخبز والحرية.
المصدر: الحوار المتمدن