التوسع والتفرد الذي تقوم به قوات “طارق صالح” بالساحل الغربي على حساب الدم الجنوبي
يمنات
صلاح السقلدي
«التحالف» السعودي الإمارتي- الذي يخوض حرباً صعبة باليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام- يعمل منذ أشهر على مسارين متوازيين بشأن ترتيبات المستقبل باليمن، وبالشمال تحديداً، سواء على الجبهة السياسية أو العسكرية.
ففي الوقت الذي يقـوّض «التحالف» من المكانة السياسية للسلطة المعترف بها دولياً والمسماة بـ«الشرعية»، ويسعى بطريقة غير مباشرة إلى تحجيم نفوذها العسكري، يواصل وبخطوات حثيثة تقوية نفوذ قوة عسكرية على الأرض، يقودها العميد طارق صالح، أحد أقارب وأعمدة حزب الرئيس السابق علي صالح «المؤتمر الشعبي العام»، وبالذات على جبهة الساحل الغربي، التي استعرت المعارك فيها بالأيام الأخيرة بشكل كبير، تراجع فيها الدور القيادي لـ«المقاومة الجنوبية» بشكل واضح مع بقاء الدم الجنوبي، كما هو في نزيفٍ حاد!
سلطة رهينة «الإصلاح»
وعلى الجبهة السياسية يفعَــلُ «التحالف» عكس ما يعلنه، فهو في الوقت الذي يؤكد ألّا «شرعية» تتجاوز «شرعية» هادي، فإنه يواصل احتجازه بالرياض لدواعٍ أمنية، كما يقول.
هذا التبرير وإن كان له شيء من المنطق، بحكم فقدان عامل الثقة بين «التحالف» وبين قوى داخل «الشرعية»، ومنها حزب «الإصلاح» وحتى قوى جنوبية موجودة داخل «الشرعية»، غير مأمونة غائلتها بنظر «التحالف»، إلا ان الغرض من هذا الاحتجاز بدرجة كبيرة هو لاعتقاده، والإمارات بالذات، أن الرئيس هادي وقراراته قد أضحت رهينة حزب «الإصلاح» الذي يهيمن على «الشرعية».
هذه السلطة التي يرى فيها «التحالف» أنها قد أصبحت سلطة مختطفة بيد «الإصلاح» (إخوان اليمن)، يتخذ منها غطاءً حزبياً له ويتقوى بها داخلياً وخارجياً بوجه خصومه بشكل واضح، ويستغلها لأجندة سياسية بحتة، من خلال التحكم بقرارات تعيين عناصره بمفاصل الدولة، بشكل مكثف ولا هوادة فيه، تجاوز حد المعقول، كما تؤكده مصادر داخل «الشرعية» نفسها، ساخطة من هذه الهيمنة «الإصلاحية» الاستحواذية الطاغية.
ونتيجة استمرار تغييب هادي عن المشهد السياسي بالداخل، وإبقائه مجرد رئيس شرفي بالخارج، تصاعدت بالآونة الأخير أصوات غاضبة من داخل سلطته بوجه «التحالف» -ربما بإيعاز من هادي نفسه- كان آخرها تصريحات نائبَي رئيس الوزراء، عبدالملك لمخلافي الذي قال لقناة الــ« BBC» قبل أيام: «ستدخل- الشرعية- في حوار واسع مع التحالف والإمارات لتصحيح الاختلالات والتباينات في العلاقة بينهما»، وأحمد الميسري الذي كان أكثر صراحة وحِدة من غيره بتصريحات الأيام الماضية.
الثقة معدومة
ولتفادي سيطرة حزب «الإصلاح» الذي يرى فيه «التحالف» شريكاً غير موثوقاً به مستقبلاً كذراع «أخواني» باليمن، فرضت الشراكة معه الضرورة والظروف الاضطرارية، يواصل «التحالف» جهوده لخلق توازن سياسي وعسكري، يضمن له نفوذا مستقبلياً باليمن، ويكبح به تفرد القوى التي يرى فيها امتداداً لقوى إقليمية، سواء حزب «الإصلاح» كذراع «إخواني» تابع لقطر وتركيا، أو الحوثيين «أنصار الله»، كحركة لها ارتباطات فكرية سياسية بإيران.
انخرط «التحالف» مؤخراً بشكل غير معلن في مشاورات مكثفة بالداخل والخارج، مع رموز مؤتمرية بارزة على رأسهم السفير أحمد علي، والشيخ سلطان البركاني، والعليمي وغيرهم… بغية تأهيل نجل الرئيس صالح كواجهة سياسية، في ظل مساعٍ خليجية لرفع العقوبات الدولية عنه، ليتسنى لـ«التحالف» التعامل بشأنه بصورة مشروعة دون التصادم بقرارات دولية، ولدعمه وتقديمه كعنصر توازن سياسي يمني، في أية ترتيبات تفاوضية، سواءً تمت على هذه الترتيبات قاعدة الحسم العسكري- الذي يبدو بعيد المنال حتى اللحظة -أو بتسوية سياسية كالتي يقودها المبعوث الأممي مارتن جريفيت منذ أسابيع.
وهذا المسعى الذي يقوم به «التحالف» بالشمال، يشير بشكل واضح إلى أنه على موعدٍ مع صراعات مستقبلية شتى تتناسل من رحم هذا الحرب… لأنه سيكون بأربعة رؤوس -على الأقل- تناطح وستناطح بعضها بعضاً: (الإصلاح- الحوثيين -المؤتمر الشعبي والجماعات الدينية المتشددة) التي يتم تفخيخ الشمال، وتعز بالذات، بأفكارها المدمرة باسم السلفية.
وعلى الجبهة العسكرية، يعمل «التحالف» أو بالأحرى الإمارات بوتيرة عالية، وبرضىً سعودي إلى حد ما- على تقوية شوكة العميد طارق صالح، والشد من عضدهِ انطلاقاً من الجنوب، وتسليمه بشكل شبه كامل زمام الأمور والقيادة بالجبهة الغربية التي تتفّرد بها الإمارات، كنفوذ بحري لها يمتد من المهرة شرقاً مروراً بعدن وسقطرى.
هذا التوسع والتفرد الذي تقوم به قوات طارق «الحرس الجمهوري»، وبدعم واسناد إماراتي، يأتي على حساب التضحيات الجنوبية التي تبدو- كما توقعنا – منذ بداية معركة الساحل، أنها قد ذهبت أدراج الغباء السياسي الجنوبي، بعدما تم استخدام الشباب الجنوبي، وقود لحربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأريدَ لهم أن يكونوا مجرد مصدر ارتزاق، بالأجر اليومي والشهري، لجهات جنوبية بائسة.
حين يأتي الحديث عن الساحل الغربي، والمعارك الدائرة فيه منذ أكثر من عام ونصف، والتي يشكل الدم الجنوبي وقودها المشتعل بكثافة، يفرض الشأن الجنوبي نفسه على شكل تساؤلات مريرة، تبحث منذ شهور عن إجابات صريحة من قبل من يتاجرون بقضايا الجنوب وأوجاعه، سواءً باسم القضية الجنوبية، أو بإقحام الدين والمذهب والطائفية من النافذة الجنوبية:
– ما مصير هذه التضحيات، التي قيل لنا إنها تتم لمصلحة القضية الجنوبية، بعد أن صارت بيد الغير. ومن هذا الغير؟ إنها القوات «العفاشية» كما ظل يطلق عليها هذه التسمية بعض ممن يبررون ذهاب الشباب الجنوبي إلى تلك المحرقة، بزعم محاربة القوات «الحوثي-عفاشية»؟
– اليوم وبعد أن تم تسليم الجبهة بشكل شبه كلي للعميد العفاشي، طارق صالح، وإزاحة المقاتل الجنوبي، إلى الهامش، هل ما يزال ذلك القول الساذج بأن وجود المقاتل الجنوبي، خلف الحدود الجنوبية هو لمنع أي قوة شمالية من الانتشار على طول الحدود؟ علماً أن هذه القوات التي تم تسليمها تضحيات الجنوب بالساحل الغربية هي بالأساس تأتي من الجنوب. وهل سنرى بعد أن تجلت الأمور انسحابا من هذه المحرقة، أم سيظل المتاجرون يتربحون من الدم الجنوبي بعد كل هذا؟
– ما هو تعليق من دأب على تضليل البسطاء من الناس بالجنوب، بأن مشاركة الجنوبيين بهذه المعركة «المحرقة» هي من أجل استعادة الدولة الجنوبية، حين يسمع اليوم بوسائل إعلام «الشرعية» و«التحالف» أن مصطلح «المقاومة الجنوبية» قد تم استبداله بمصطلح «المقاومة الوطنية»؟.
المصدر: العربي