الفوضى السياسية واعادة الانتاج الاجتماعي
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
في زمن الفوضى والعبث السياسي تتعرض كل مقومات المجتمع للاهتزاز سلبا بدرجات متفاوتة وصولا في بعض المجالات الى حد الانهيار .. و لما كانت هذه الفوضى لا تستهدف البناء و التغيير بل قطعت المسار التغييري و شوهت مظاهره..
هنا .. و لمزيد من التشوه يتم تعويم المجتمع و الدولة في اطار من رموز و مؤسسات بديلة و خطاب ركيك متهافت جميعها لا يؤسس و لا ينبني عليه بنيان دولة بل يستهدف اعادة انتاج النظام السابق من خلال تثبيت كثير من رموزه وجماعاته وفق مبرر لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي لا يعرف الجميع حقيقة أهدفها و وسائلها..
و هنا ظهر في الساحة جماعات و لاعبين جدد لهم حيز من القوة و التأثير في أجزاء من جغرافية اليمن خصما من جغرافية الدولة الموحدة … و لما كان العبث و الفوضى هما الصورة السائدة ترافق معهما فساد مالي اصبح معروفا للجميع .. لكن الاخطر في هذا السياق ان ما تشهده اليمن من حروب و عبث سياسي ظهر معه اقتصاد مواز جعل من الفوضى و الحرب هدفا اساسيا و تزايد ارتباط جماعات السلاح مع التمويل الخارجي.
هنا يتم التلاعب بأسعار السلع الاساسية و رفع أسعار المحروقات و الاغذية والدواء … و في جميع الدول التي عرفت الحروب الاهلية و العبث السياسي ظهر اقتصاد سياسي مهمته استدامة الحرب و اعادة انتاج فئات و جماعات و قيادات لامجال لظهورها و ثرائها دون هذه الحروب و الفوضى .. و مثلما كانت الحرب الاولى ٦٢-٧٠ ظهر معها نخب تقليدية وحديثة و معها ثروات غير مسبوقة و لم تكن تعرف من قبل غير معاشها الطبيعي و ملكياتها المحدودة.
اذا .. انتهاء الحرب سريعا غير وارد لأنه يقطع مصالح اقتصادية سياسي يعيد انتاج بنية اجتماعية بمشروعها السياسي المتداخل مع الخارج و المتقاطع مع قوى الداخل المدنية ذات الصوت و الحضور الاضعف.
و للخروج من كل هذا المشهد لابد من اعادة الاعتبار لمشروع الدولة الوطنية و مظاهرها المدنية الديمقراطية و تأسيس اقتصاد انتاجي تنظمه ادارة تتسم بالحوكمة .. هنا فقط يتم اعادة فرز اجتماعي و طبقي وفق محددات العمل و الدور و المشروع بمعايير حديثة و وطنية تؤسس لمواطنة متساوية، و من ثم تؤكد على مشروع الدولة و تعزيز نظامها الجمهوري.
و هنا يتم التعامل بندية مع الخارج الاقليمي وفق مصالح مشتركة لامجال معها للتفريط بالسيادة و الكرامة … و لكن مظاهر الفوضى و العبث لايزال يعلو صوتها. و هنا يتكرر المشهد ف بعد كل فوضى سياسية بدءا من العام ٧٠ و بعد عام ٩٤ و اليوم بعد العام ٢٠١١ جميعها تدفقت معها و بعدها مشاريع تجزئية و انقسامية ممولة خارجيا و وجدت لها جماعات طامحة للسلطة (اي سلطة تريدها حتى لو كانت سلطة في حارة). و للعلم كل جماعات و اطراف الصراع و الحرب تقاسمت السلطة بعد تلك الفوضى وفق مشاريع مصالحة بمعرفة الخارج الاقليمي و الدولي.
الجدير بالذكر ان الطموح نحو السلطة في بلادنا له هدف وحيد يمثل في ان السلطة مدرة للثراء السريع دون جهد او عمل. و هنا تزايد اللاعبون و الناشطون بل و يتدافعون نحو الكسب الريعي و يتم تشجيعهم على ذلك من امراء الحرب و قيادات الاقتصاد الموازي.
مرة اخرى لن يستقيم الحال في بلادنا الا بإعادة تأسيس دولة وطنية مدنية و اقتصاد انتاجي لامجال معه للكسب الريعي او الفوضى الراهنة من التهريب للسلع و التهرب الضريبي و الغش و اهدار المال العام.
و هنا تكون الدولة الوطنية بمؤسساتها تعمل بالقانون ووفق معايير الحوكمة و دون ذلك سيبقى اليمن ارضا وشعبا غارقا في الفوضى و العبث وصولا الى الانهيار الشامل للمجتمع و ما تبقى من مؤسسات الدولة، و هو اعلان نهائي للخروج من التاريخ.
المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.