الروائي الحالي
يمنات
ضياف البرّاق
هو إنسان جميل قبل كل شيء، ثمّ شاعر، صحافي، وروائي بارع معروف بنجاحه الواسع.. هكذا عرفته أنا، كما عرفه ويعرفه الكثير. إنسان لا يحيد عن المبدأ، يقرأ الحياة من كل الزوايا، له نظرته الإبداعية الخاصة وفكره اليساري المتحرر، والحديث عنه لا ينضب.
بدأ شاعرًا، فكتبَ نصوصًا كلها بديعة، هذه النصوص فيها من الجمال ما يكفي؛ وتلك هي قناعتي نحوها. في البداية عرفته في «ترميمات»، ثمّ في «نافذة للجسد»، أما مجموعته الشعرية الثالثة «يحدث في النسيان» لم يحالفني الحظ للحصول عليها، وآمل أن تقع في قلبي في يوم من الأيام.
إنه شاعر متميز، فلسفته الشعرية عميقة وتجعله في الواجهة، شاعر راقٍ رغم الوجع الذي ما زال يلاحق حياته بين الخطوة والأخرى، وبين الحلم تلو الآخر، ولا أبالغ إذ أقول “إن قصيدته الجديدة، لها وقعٌ فريد، هذا الوقعُ الثري الذي يطربني في الصميم.. إنها قصيدة مميزة؛ إذ يحضر فيها الواقع الكئيب على نحو مختلف، ويكمن في أعماقها اللون الفلسفي الكثيف، وهناك الكثير. وهذه واحدة من دموعه التي تبعث على الدهشة:
“خيط من الوجع
يمتد إلى القلب
وربما
يبقى هناك”.
ومن لا يعرف طبيعة (صنعاء)، سيعرفها جيدًا من خلال كتابات هذا الشاعر بعشقه المترامي؛ الذي يقول لنا الكثير في منتهى التكثيف الشعري الممتع:
“صنعاء:
عجوز مراهقة
مُحجَّبة بالله والقبيلة
قامة من الرصاص
ليل مُسَلَّح
إلى أين تمضي؟”.
على وجه التقريب، أخذ اسمه يلمعُ بحفاوة أنيقة في الساحة الشعرية، ثم في الساحة الصحافية الثقافية، منذُ العام (85) من القرن الماضي، وحاليًا هو ذلك الروائي المتألق بفرادته الخصبة، المتمرد بأسلوبه الثري على كل القيود الظلاميّة منها والسردية، التي لم تعد مجدية أو لافتة، في هذا العصر المفتوح، عصر السرعة والدهشة في آن.
فقد ترك لتاريخه هو، ولنا أيضًا، بصمةً محترمة في عديد من الصحف والمجلات اليمنية والعربية، وهكذا عرفناه يمضي. وبالرغم من هذا النجاح كله، تراه يعيش متواضعًا حيثما كان أو يكون، إنسان بسيط دومًا، ينتمي لقضايا الإنسان في عميق نبضه وأفكاره، يعشق الجمال بمختلف أنواعه، ولا يزهو بالأضواء التي يستحقها بالفعل.
من مِنّا، اليوم، لا يعرف من يكون هذا الإنسان البارز بجمال شخصه وغزارة إبداعه الأدبي الساخن؟ أظننا، بلا شك، نعرفه جميعًا، وبالأصح يعرفه كل قارئ أو مثقف مهتم بالأدب ويتابع مشهدَ الحركة الإبداعية على المستويين الثقافيين: العربي وغير العربي؟ إذَن، جميل بالضرورة أن نعرفَ الكثير عن المبدعين والأجمل من ذلك أن نستفيدَ من جمالهم الفكري وأذواقهم التي تمنح الحياة ألوانًا زاهية.
هذا المبدع هو صاحب هذا الاسم المضيء “علي المقري”: مواليد (1966)، محافظة (تَعِز): العاصمة الثقافية للبلد (اليمن). إنه صاحب «اليهودي الحالي»؛ الرواية الرائعة جدًا، والتي قدّمت للجمهور قصة حب إنسانية عظيمة، قصة مستوحاة من زاوية تاريخية عميقة، تجري في غاية الدهشة والإثارة؛ تلك القصة التي جسّدت أجمل معاني الحب في ظل زحمة التعصب الديني في حينها.
وكما أبدعَ وتسامى المقري في الصحافة والشعر، فقد أبدع وتسامى أكثر في عالَم الرواية؛ ولا يدخل هذا العالََم الجمالي الواسع من كان فارغًا أو لا يعرف كيف يأسر القارئ ويضعه أمام مجموعة مثيرة من الأسئلة والمفاهيم التي تضيء دواخل نفسه؛ لتجعله إنسانًا أسمى. وفي رواية اليهودي الحالي استطاع المقري، على نحو باهر، أن يدهش القارئ بأساليب جمالية مغايرة، أساليب مُشوِّقة متدفقة في تقنية سردية عالية ومتماسكة معًا، وكاتب هذه السطور ما زال مخمورًا ومشدوهًا منذُ أن وقعَ في مناخ تلك الرواية المذكورة آنفًا، وليس من مبالغة في ذلك. وفي تقديري فإن جميع روايات المقري مفعمة بالحيوية والإمتاع ولا يشعر معها القارئ بالملل أو بغيره من المثبطات، وهذا لا يدل إلا على براعة وقدرات كاتبها الذي يعرف تمامًا كيف يأخذنا بسلاسة كاملة إلى فضاءات جديدة يشرق منها الحب وتتزاحم في تفاصيلها الصور الأكثر من جميلة. إنه كاتب روائي متمكن، جريء، يثرينا دومًا، كما يفتح لنا آفاقًا رحبة للتأمل والغوص، ويُحطِّم كل التابوهات البائسة وأصحابها الذين يغمرهم التعصب والتخلف، وتلك عادة المقري حين يكتب دون أن يلتفت للوراء.
ويكفينا -فقط- أن نقرأ واحدة من روائعه في الأدب الروائي “طعم أسود.. رائحة سوداء، اليهودي الحالي، حُرمَة، بخور عدني”؛ لعلّنا نشهد له بأنه «استثناء جمالي في زمن بَشِع»، وهذه حقيقة ناصعة كما تبدو. لكن، لا شيءَ بحجم ذلك الوجع الذي يجري في عروق مبدعنا (المقري)، خصوصًا أنه كان مضطرًّا لمغادرة منفاه الأصلي (اليمن)، إلى ذلك المنفى البعيد (فرنسا)، وها هو، منذ سنوات قليلة، يقف هناك شاردًا، يعيش كل تفاصيل المنفى الموجع، وبالمثل يعيش كل تفاصيل وهموم بلده المُدمَّر- الذي أخذتْ تعصف به الحربُ القذرة؛ حرب المصالح المنحطة فحسب، منذُ العام (2014)، وحتى اليوم، ولا ندري (ماذا بعد؟).
وأخيرًا، ذلِكَ هو الروائي الحالي (أي: الجميل): إنسان راقٍ في إبداعه، واسع في نظرته، وكبير أيضًا في طبعه الأنيق (بحسب البعض).
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.