«حمى الضنك» تستبيح تعز .. إبحثوا عن فساد «الشرعية»!
يمنات
مفيد الغيلاني
منذ أربعة أعوام من الحرب في تعز، يجد وباء «حمى الضنك» مع موسم هطول الأمطار في شهر سبتمبر الأبواب مشرعة له، فيسرح ويمرح بأرواح التعزيين المنهكة كما يشاء، ولا أحد ينغص على هذا الوباء مكوثه أو يقطع طريقه القاتلة التي أخذت تتصاعد بشكل ملفت، حيث سُجّلت خلال الآونة الأخيرة 3 حالات وفاة جراء إصابتها بحمى الضنك في المحافظة، وإصابة 214 شخص، في ظل صمت مطبق من قبل مكتب الصحة والسلطة المحلية.
كثيرون هم ضحايا وباء «حمى الضنك» في تعز، وكثيرة هي قصصهم المحزنة، لكن «راما» الطالبة الثانوية ذات الـ 17 عاما، لم تكن تعلم أن الوباء سيحصد روحها قبل أن تحصل على شهادتها الثانوية، بيوم واحد.
مصادر مقربة من أسرة راما، تؤكد في حديث لـ«العربي»، أن «راما توفيت صباح الإثنين الفائت، بعد عشرة أيام من إصابتها بحمى الضنك في مدينة تعز»، مضيفة أن «راما أسعفت إلى المستشفى بعد تعرضها للإصابة بقرابة أربعة أيام، ولكن بسبب ضعف الإمكانيات وتردي الخدمات الصحية في معظم مستشفيات المدينة، ظلت أمها تتنقل معها في عدة مستشفيات من دون جدوى».
وتشير إلى أن «الطالبة الثانوية راما السقاف، كانت تترقب وبكل شوق إعلان نتائج الثانوية العامة، لكن حمى الضنك كانت أسرع من حكومتنا المتأخرة في كل شيء»، لافتة إلى أن «الطالبة راما بشير السقاف، حصلت على معدل 89% في الثانوية العامة، لكنها حصلت على صفر في معركتها مع حمى الضنك».
صدمة ندى
وفي السياق ذاته، يسرد الكاتب والصحفي، سالم المجيدي، في حديث إلى «العربي»، حكاية الصدمة التي تعرضت لها ابنته ندى، والتي كانت تستعد لتلقي التهاني والتبريكات من قبل أفراد أسرتها بمناسبة نجاحها وتخرجها من الثانوية العامة – القسم العلمي – وحصولها على معدل 80%، قائلا: «كان خبر وفاة صديقة ابنتي راما السقاف، كالصاعقة على ندى، أفقدها توازنها، وأدخلها في غيبوبة مؤقته حزنآ على وفاة زميلتها، بسبب مرض حمى الضنك، والذي اختطفها من بين أفراد أسرتها»، ويضيف «كانت أسرع وفاة بسبب هذا المرض اللعين، إذ لم يتح لها فرصة ولو مجرد سويعات قليلة لتعرف نتيجتها ومعدلها البالغ 89%».
وبحسرة ومرارة يواصل: «سامحيني يا ابنتي لأن المناسبة غير مواتية بعد لأهنئك بمعدلك الذي حصلتي عليه باجتهادك، وليس عن طريق الغش كما يفعل كثيرون، برغم قناعتي أنها أيضا رغبتك حدادا وتقديرا لوفاة زميلتك الغالية رحمها الله».
ويتابع المجيدي «هذا الجيل الذي نعول عليه أن يبني الوطن يفتك به وباء بإمكان الجهات المختصة الحد من انتشاره، بل والقضاء عليه بأبسط الإمكانيات والجهود»، مشيراً إلى أنه «توجه شخصيا إلى مكتب الصحة في مديرية القاهرة، الواقع في نفس الحي الذي يقطنه، طالبا منهم تنفيذ عملية رش للبعوض المنتشر جراء القمامة المكدسة في شوارع الحي، فقالوا لدينا الآن ورشة وبعدها ورشة أخرى، وبعدين ترنيج، وبعدين بننزل».
الحلقة الأضعف
مشاهد المعاناة وخيبات الأمل، سيناريوهات مرهقة تتكرر عشرات المرات بشكل يومي، أمام الأطباء الذين أصبحوا أيضا عرضة للوباء والانتهاكات المتكررة التي تطالهم.
الدكتور محمد القدسي، يؤكد في حديث لـ«العربي»، أن «عدد الحالات المصابة بوباء حمى الضنك تضاعف خلال الآونة الأخيرة بشكل كبير جدا، حيث تم رصد 3 حالات وفاة، وتسجيل ما يقارب 214 حالة إصابة بالوباء»، مضيفاً أن «الوباء بات يشكل خطراً كبيراً يهدد سكان مدينة تعز، حيث انتشر وباء حمى الضنك بشكل كبير وسط تقاعس الجهات المختصة عن الحد من انتشار الوباء أو اتخاذ أي تدابير لازمة».
ويوضح أن «تكدس القمامة في الشوارع وعبارات المياه تعد المصدر الرئيس لتكاثر البعوض، والذي يعد السبب الرئيسي في انتشار الوباء». ويعتقد القدسي أن «خطورة الوباء تتمثل في تحوله من مرض عارض إلى وباء، وجد أمامه بيئة ملائمة للعدوى وانتشار البعوض في المدينة، في ظل غياب وحدة الترصد الوبائي في المحافظة»، مشيراً إلى أن «بعض الحالات المصابة بالوباء يتم تداركها، في حين يصعب تدارك معظم الحالات المصابة، والتي يكون قد مر وقت كبير على إصابتها من دون إسعافها مباشرة، وذلك ناتج عن ضعف التوعية بأعراض الوباء وطرق الوقاية منه».
ويلفت إلى أن «الوضع الصحي في تعز يعاني من مشاكل معقدة أصبح الأطباء هم الحلقة الأضعف فيها، والذين باتوا عرضة للوباء في ظل عدم توفر الإمكانيات اللازمة، بالإضافة إلى تعرضهم للانتهاكات المتكررة من قبل المسلحين المرافقين لجرحى المقاومة والجيش الوطني».
أخطبوط المنظمات واستخفاف «الشرعية»
مع كل ضحية يحصدها الضنك في تعز، تُحرِّك «ماكنة» الجهات الرسمية بالمحافظة ضجيجها الصاخب بالشفقة على الوضع الكارثي، ليس للحد منه بقدر ما هي طريقة للاسترزاق، ولو من جناح بعوضة فما فوقها.
مصدر طبي مسؤول كشف في حديث، لـ«العربي»، أن «مكتب الصحة بتعز تسلم من مركز الملك سلمان خلال الأشهر الماضية أدوية طبية ومبالغ مالية لفتح مركز خاص بمكافخة وباء حمى الضنك بالمحافظة»، مؤكداً أن «ما تسلمه مكتب الصحة يكفي لمكافحة الوباء لمدة أربع سنوات، ولكن لا نعلم أين ذهب ذلك الدعم وتلك الأموال».
وأوضح المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن «هناك لوبي فساد عريض داخل مكتب الصحة يعمل بكل الوسائل المشروعة والممنوعة لهبر المنظمات الإنسانية العاملة في المحافظة، ولا يهمهم معاناة الناس وآلامهم».
وأشار إلى أن «هذا الأخطبوط يعرف أنه لا يوجد دولة حقيقية، وأن بقائهم في هذه المناصب مسألة وقت فقط، ولذلك هم يستغلون هذا المنصب للثراء والتجارة لا لخدمة الناس والتخفيف من معاناتهم»، لافتاً إلى أن «عملية الرش الضبابي لمواجهة تفشي حمى الضنك وسط المدينة، يتم تنفيذها في بعض المناطق التي تحظى بوساطات ووجاهات اجتماعية، في حين أن المناطق التي تكون بأمس الحاجة إليها يتم تجاهلها بشكل مستمر مع كل عملية رش».
مرض «يستوطن» تعز
وكيلة محافظة تعز للشؤون الصحية الدكتورة إيلان عبد الحق، توضح في حديث لـ«العربي»، أن «حمى الضنك في الفترة الحالية لا نستطيع أن نقول أنه وباء، لأنه أصبح مستوطن محافظة تعز منذ العام 2015 وحتى اليوم، وصار مرض مستوطن وصنف وفق منظمة الصحة العالمية مع مرض الكوليرا كأمراض مستوطنة».
وتضيف أن «هذا المرض هو مرض فيروسي وله عدة أنواع، أخطر أنواعه هي الحمى النزفية»، مرجعة أسباب تفشي المرض إلى «انتشار البعوض الناقل لهذا الفيروس من دم مصاب إلى آخر، وعند هطول الأمطار وتوفر البيئة الحاضنة لهذه اليرقات تنشط البعوض وتنقل الفيروس من مريض مصاب إلى أخر سليم».
وتشير عبد الحق إلى أنه «وبسبب الحصار وصعوبة وصول المنظمات الدولية إلى داخل المدينة، باتت حالة الناس الصحية متردية جدا، مما يجعلهم عرضة لهذا المرض وعدم قدرة أجسادهم على مقاومته»، مؤكدة أنه «لا توجد إحصائيات دقيقة لهذا المرض بسبب عدم وجود وحدات علاجية خاصة لهذا الوباء نستطيع من خلالها الحصول على بيانات دقيقة، لكن ما يتم الحصول عليه هي عبارة عن أرقام من بعض المرافق الصحية إلى برنامج الإنذار المبكر».
وتوضح أنه «بحسب البيانات المرسلة إلى برنامج الإنذار المبكر، فقد بلغ عدد الحالات المشتبه إصابتها بحمى الضنك 2409، في حين بلغ عدد الوفيات 5 حالات، أما عدد الحالات التي جاءت في جهاز الفحص (الإليزا) المؤكدة فهي 30 حالة».
وحول الدور الذي يقوم به مكتب الصحة لمكافحة الوباء، تؤكد وكيلة محافظة تعز للشؤون الصحية، أن «مكتب الصحة قدم في السابق وبدعم من مركز الملك سلمان حملات رش لمكافحة البعوض واليرقات في مناطق تجمعها، ولكن بسبب أن حمى الضنك كمرض مستوطن في المدينة يحتاج إلى برنامج طويل جدا لعدة سنوات، ونحن الآن بدأنا بحملة رش بدعم من السلطة المحلية من الأسبوع الماضي».
وأخيراً، يتساءل الكثير من أبناء تعز إلى متى سيظل هذا الوباء يفتك بهم، في ظل «مرض التجاهل» من قبل السلطة المحلية وحكومة «الشرعية»؟
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.