عبدالباري طاهر: الإرادة اليمنية هي الرهان الحقيقي للتصدي لغول الحرب وغيلانها .. و بدايتي كانت صعبة وعسيرة
يمنات
حاوره/ ضياف البراق
مدهشٌ بتواضعه، بجمال نبضه الأنقى، بتأملاته المُهِمة، وبشخصيته الوطنية الناجعة. هو رجُل نبيل الصفات، كثير النزاهة والحركة، مناضل واسع متعدد الحضور، جسّدَ بالفعل الحقيقة التي تقول “المبادئ لا تتجزأ”.
يطلقون عليه “أبو الصحافة اليمنية” وهو -أيضًا- ذلك الإنسان الاجتماعي البسيط والمضيء دومًا.
وطنٌ من الشموخ، ومُفكِّر عميق له من العطاء الثقافي والفكري والكفاحي، ما يكفي لينال به احترام الجميع وتحيات ضمائرهم إلى الأبد.
عبدالباري طاهر (77 سنة)، أديب، كاتب، باحث، وسياسي يمني بارع، وهو اليساري الغني عن التعريف، ترأس الكثير من الصحف والفعاليات النقابية والهيئات الثقافية، وصدرت له ثلاثة كتب متنوعة: اليمن الإرث وأفق الحرية، اليمن في عيون ناقدة، فضاءات القول.. حوارات فكرية وأدبية.
1- أحد الناس المبدعين في عالَم الكتابة يقول إن البداية هي أهم وأصعب مرحلة في حياة الإنسان المبدع، هل صحيح هذا التعبير؟ وماذا عن بدايتك، أستاذنا العزيز دومًا؟
– البداية هي الأصعب. فالألف ميل تبدأ بخطوة. (مثل صيني، أو مقولة منسوبة للزعيم ماوتسي تنج)، وحقيقة تلكم حكمة عالمية. فاليمني يقول:” الألف ميل تبدأ من معقم الباب”. مَثَل كثيرًا ما ردده الشهيد، إبراهيم الحمدي، في بداية مشواره غير الطويل.
بدايتي صعبة وعسيرة. ففي قريتنا (المراوعة) الواقعة شرقي الحُديدة، كان التعليم التقليدي هو السائد والوحيد، وكنت موزعًا بين الزراعة والقراءة. انحزتُ بعد وفاة الوالد منتصف الخمسينات من القرن الماضي للتعليم في جامع القرية.
فُتحت مدرسة للتعليم الحديث أواخر الأربعينات، كان الإقبال عليها محدودًا. كنتُ أهرب إلى قراءة الأدب وعلوم اللغة والشعر والرواية. حب القراءة هو ما جرني إلى الانفتاح على ثقافة العصر؛ فقد كانت حينها روايات جورجي زيدان، وكتابات طه حسين، والعقاد، وأحمد أمين، والرافعي، وزكي مبارك. والأخير شغفت به كثيرًا، وقرأتُ جل أعماله مبكرًا. تلكم كانت البداية.
في الحرم المكي تعلمتُ وعلمتُ أيضًا وكان التعليم أكثر. كانت مكتبة الحرم زاخرة بالكتب الأدبية والثقافية.
2- في الشعر، يقال إنك، وفي فترة سابقة بعيدة، كتبتَ قصيدة واحدة عبرّت بها عن همومك الكبيرة وحبك الصادق الغزير لهذا الوطن الجريح على الدوام، ثم توقفتَ عن الكتابة الشعرية بعدها.. ما سببُ توقفك في حال ثبوت صحة ذلك القول؟
– القصيدة التي نشرتها مجلة الكلمة في أعدادها الأولى لم تكن الوحيدة. توقفت مبكرًا عن كتابة الشعر بعد أن قرأت السياب، ونازك الملائكة، والبياتي وبلند الحيدري، وتوفيق زياد، وسميح القاسم ودرويش، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، والفيتوري، والبردوني، والزبيري، والمقالح وسعدي يوسف، وابن شهاب، وابن عبيد الله، وجرادة والبار وعبد الودود، والوريث، واللوزي، والرازحي وفخري، والقاضي، وهيثم، وجنيد محمد جنيد، وصادق، والشامي، ويحيى عوض، والصغيري . بدأت أكثر ميلًا للنقد الأدبي.
ربما أن قراءة القصيدة الحديثة في المستوى الرفيع قد فرض قيودًا على النفس وخلق حاجزًا دون كتابة الشعر. القصيدة التي أشرتم إليها كانت تعبيرًا عن رفض حرب 72 ” اطرد كلاب الحرب عن أرض الوطن”. ومنذُ فجر الثورة اليمنية، سبتمبر وأكتوبر، وتجار الحروب هم من يدير الوطن ويشرد المواطنين. لم أغادر الشعر، هو من غادرني، ولكن حبه يسكنني.
3- كمناضل وطني عملاق ومفكر يمني مشهود له بالنجاح الدؤوب والعمق والموضوعية.. ما هي المشاكل التي تواجهك؟
– مشاكلي مشاكل أي مواطن يمني: قضايا المواطنة، غياب الدولة، تدهور الحياة المعيشية، غياب الأمن والسلام والاستقرار، فُقْد الحرية. وبعد تلاشي هيبة السلطة تلاشت السلطة نفسها، وتحولت إلى مليشيات.
4- برأيك، كيف أثّرت الحرب الراهنة على الحياة الثقافية بخاصة؟ وكيف تقرأ لنا وضع الأدباء والكتّاب اليمنيين في هذه المرحلة الخطرة والسيئة على كل المستويات؟
– الحرب هي العدو رقم واحد للحياة بعامة، وللحياة الثقافية بخاصة. حساسية داعية الحرب الهترلي ترمز لهذا المعنى: “أتحسس مسدسي عندما أسمع كلمة مثقف” بحسب جوبلز، وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان يردد: إن الملوك لو أدركوا قيمة المعرفة لقاتلوا القائمين عليها. الدكتور علي محمد زيد، كتب بحثًا مهمًا عن أثر الحرب على الثقافة. فالحياة الثقافية جرى قمعها وتمويتها وتهميشها حدّ الإلغاء. تعطلت المؤسسات الثقافية: اتحاد الأدباء والكتّاب، ونقابات الرأي، والمؤسسات الثقافية (مؤسسة السعيد)، و(العفيف)، و أبو الطيب في عدن، ومنتديات حضرموت وزبيد، ومؤسسات المجتمع المدني ونشاط الجامعات، والمدارس، ومراكز البحث، والأندية الثقافية والأدبية.
5 – ما الذي يشغلك في الوقت الحالي؟
– حاليًا ما يشغل اليمنيين- كل اليمنيين- الدعوة والسعي لوقف الحرب وإطفاء حرائقها في عموم الأرض اليمنية. شغل اليمني اليوم هو هم المعيشة، ومواجهة كوارث الحرب وجرائمها: التقتيل، التشريد، والمجاعة، والأوبئة الفتاكة، وانهيار العملة، وانعدام المواد الأساسية، والارتفاع الجنوني للأسعار .
6 – اليمن.. إلى أين يمضي الآن؟ وأيّ مستقبلٍ في انتظار هذا البلد الذي تعصف به الحرب منذُ العام 2014؟
– اليمن اليوم في تيه المجهول، ولكن هذا التيه المفروض ليس قضاءً وقدرًا. إن الإرادة اليمنية هي الرهان الحقيقي للتصدي لغول الحرب وغيلانها. هذه الإرادة هي ما ينبغي أن نراهن عليه. الميزة الرائعة والعظيمة في المجتمع اليمني أن هموده آني ومؤقت؛ إذ سرعان ما يهب كالأعاصير؛ فيقتلع أوتاد الظلم والظلام، ويواجه قدره ومصيره ويأخذهما بيديه.
7- وهل من مخرج عقلاني للشعب اليمني للنجاة من هكذا حروب كريهة؟
– ليس من مخرج عقلاني غير النزول الميداني في كل المدن اليمنية ومختلف المناطق والقرى وتساند المجتمع المدني والأهلي، وبالأخص في مناطق الاحتراب، وفي زمن واحد أو متقارب. فالمجتمع اليمني سريع الاستجابة، ولديه قابلية العدوى؛ فما إن ينطلق الاحتجاج المدني في منطقة؛ حتى ينتشر كالحريق إلى عموم المناطق. من يقرأ تجارب اليمنيين في الماضي في بناء السدود والمدرجات والتعاونيات والثورات والملاحم والهبات الشعبية في مراحل مختلفة، والتصدي للغزو الأجنبي وللظلمة المستبدين في الماضي والمحاضر- يدرك عمق هذه الحقيقة، وهي المنتظر الحقيقي، أو بالأحرى، البدء لصنع ربيع جديد.
8- في نهاية هذا اللقاء الساخن والمُهِم، ماذا تقول؟
– كل الأشياء تبدأ بالسؤال. فالسؤال جذر الأشياء ومفتاح الحياة. كثيرًا ما كان الشاعر الكبير، عبد الله البردوني، يردد أن السؤال أذكى من الإجابة. أتمنى أن أكون قد استلهمت بعضًا من ذكاء الأسئلة وفطنت أو وفقت للإجابة.. لكم التحية وفائق الود والاحترام.
المصدر: منتدى الحداثة والتنوير
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.