هل تسرّع ابن سلمان بالقيام بجولته الحالية العربية والدولية..؟
يمنات
عبد الباري عطوان
لا نعرف على وجه الدقة من هم مستشارو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذين ما زالوا يلتفون حوله، بعد اعتقال او ابعاد عدد كبير منهم تورطوا في جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، بشكل مباشر او غير مباشر، ولكن ما نعرفه ان هؤلاء ربما قدموا له المشورة الخطأ، عندما تصحوه وشجعوه على القيام بهذه الجولة الخارجية التي بدأها يوم الخميس الماضي بزيارة دولة الامارات العربية المتحدة، ومن المفترض ان تشمل كل من البحرين ومصر وتونس والجزائر وموريتانيا لتكون محطة الختام بوينس ايريس، العاصمة الأرجنتينية حيث سيشارك في قمة الدول العشرين.
من الواضح ان الهدف من هذه الجولة هو الايحاء بأن ولي العهد السعودي لا يعبأ بردود الفعل العربية والدولية الناجمة عن اتهامه بالوقوف خلف عملية الاغتيال المذكورة، والطريقة البشعة التي تمت بها، وانه ما زال الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولا يواجه أي اخطار، او مؤامرات داخلية، للإطاحة به مثلما يتردد في بعض الوسائل الإعلامية، عربية كانت او اجنبية، ولكن ربما تأتي ردود الفعل المترتبة عليها بنتائج عكسية تماما، من حيث توفير ذخيرة حيه ربما ترش المزيد من الملح على جرح الازمة النازف والملتهب، خاصة ان هناك من يتحرق شوقا لالتقاطها.
***
لا نجادل مطلقا بأن الشق الخليجي (الامارات والبحرين)، وربما المصري أيضا آمن، ولن يسبب أي مشاكل لولي العهد السعودي الزائر، فهذه الدول تصنف في خانة الحلفاء، ولكن الامر المؤكد ان الحل لن يكون كذلك في دول أخرى مثل تونس والجزائر وموريتانيا توجد فها أحزاب سياسية وتمثيل برلماني ومؤسسات مجتمع مدني قوية، ومعارضة سياسية نشطة، ووسائل اعلام مؤثرة، ورأي عام لا يكن الكثير من الود لولي العهد الزائر وحكومة بلاده وسياساتها العربية والدولية.
فالمعضلة الآن ليست محصورة في مقتل الخاشقجي وخنقه وتذويبه بعد تقطيعه على ايادي فريق الموت الذي طار خصيصا الى إسطنبول لانجاز هذه المهمة ومعظم افراده من المقربين من الأمير، وانما الاتهامات الموجهة الى المملكة، والأمير محمد بن سلمان شخصيا بالوقوف خلف هجمة التطبيع الخليجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس دونالد ترامب الذي يعتبر من اكثر المدافعين والحامين للامير بن سلمان، تصرف مثل الدب الذي قتل صاحبه، عندما كشف بأن إسرائيل ما كانت تستمر في الوجود لولا المملكة العربية السعودية، وشدد على ان بقاء ولي العهد السعودي في منصبه يخدم مصالح أمريكا وإسرائيل، معيدا الى الاذهان المثل الانكليزي الذي يقول “مع هكذا أصدقاء من يريد أعداء”.
لم يصدر أي بيان رسمي سعودي يؤكد ان الأمير بن سلمان سيزور تونس او الجزائر او موريتانيا حتى كتابة هذه السطور، كما ان الدول المضيفة التزمت الصمت أيضا، ولكن مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول أعلنت رفضها المطلق لهذه الزيارة، وعبر عن هذا الرفض في مظاهرات وجمع تواقيع مليونية لعبت فيها مؤسسات المجتمع المدني الدور الأكبر، وربما يؤدي هذا الرفض الى الغائها، والتكتم مقصود في هذه الحالة.
نشرح اكثر ونقول ان حقوقيين جزائريين عبروا عن رفضهم لهذه الزيارة، ووصفوها في بيان صدر عن نقابتهم بأنها حلقة من حلقات التطبيع غير المباشر مع إسرائيل، بينما قال متحدث باسم الشبيبة الجزائرية ان زيارة ولي العهد السعودي غير مرحب بها على أساس قتل الشعب اليمني، وتدمير دول المنطقة مثل سورية وليبيا بل والمنطقة بأسرها، اما في موريتانيا فأكد رئيس حزب الرفاه محمد ولد فال وجود دعوات من أحزاب سياسية والكثير من الشخصيات الثقافية والنقابية لمقاطعة الزيارة، ورفع برلماني تونسي لافتة كتب عليها “لا اهلا ولا سهلا” داخل البرلمان، وأعربت نسبة كبيرة من نشطاء المجتمع المدني التونسي عن الرفض المطلق للزيارة لبلدهم المقررة بعد غد الثلاثاء، ولا ننسى البيانات التي أصدرها معارضون في مصر رفضا للزيارة، وربطت بين الأمير الزائر و”تنازل” الحكومة المصرية عن جزيرتي “صنافير” و”تيران”، وهذا لا ينفي تأييد الموالين لهذه الحكومة للزيارة، وربما التظاهر تأييدا لها.
ربما من السابق لأوانه الحديث عما يمكن ان يحدث في أروقة قمة العشرين في الارجنتين من مفاجآت، ليست شرطا ان تكون كلها سلبية فهناك ثلاثة زعماء بارزين اظهروا رغبة في لقاء ولي العهد السعودي على هامشها (بوتين، ترامب، اردوغان)، ولكننا لم نسمع عن رغبة مماثلة من زعماء آخرين مثل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بالإضافة الى رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، الذي ما زالت علاقات بلاده مع الرياض متوترة على أرضية انتقادها لانتهاكات حقوق الانسان في السعودية، ولذلك فإن المفاجآت، وإيجابية او سلبية واردة، وكثيرون يرجحون الأخيرة.
***
نحن الآن امام معسكرين، الأول يقوده الرئيس ترامب ويريد تبيض صفحة ولي العهد السعودي، وتبرئته من جريمة اغتيال الخاشقجي وكل تبعاتها، وآخر يريد تجريمه، وفرض عقوبات عليه والحكومة السعودية ويقوده الرئيس اردوغان (حتى الآن)، وأعضاء بارزين في الكونغرس الأمريكي، ومعظم وسائل الاعلام الامريكية والأوروبية.
لا نجادل مطلقا بأن المال سلاح قوي ربما يرجح كفة المعسكر الأول نظريا، فالصفقات تتقدم على المبادئ وقيم حقوق الانسان في العالم الغربي، ولكن لا يجب التقليل نيار مدني وبرلماني قوي يحظى بالدعم، من وسائل إعلامية نافذة مثل مجلة “الايكونوميست”، وصحيفة “الواشنطن بوست”، و”الغارديان” و”الاندبندنت” البريطانيتان، وجميعها طالبت بتحميل الأمير بن سلمان المسؤولية الرئيسية في جريمة اغتيال الخاشقجي.
جولة الأمير بشقيها العربي والدولي ربما تقود الى احد امرين، اما إعادة تأهيله وعودته الى المجتمع الدولي بأقل قدر من الخسائر، او محاصرته وربما عزله، واذا كان هناك خيار ثالث بين الاثنين، وهذا غير مستبعد، فان هذا يعني استمراره ضعيفا وليس بالقوة التي كان عليها.. ونترك الإجابة للأيام المقبلة.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.