من أرشيف الذاكرة .. أنا النائب الوحيد ..!
يمنات
أحمد سيف حاشد
• كيف يمكن أن أكون خجولا وأعاني من الرهاب الاجتماعي، وفي نفس الوقت أثور وأشاغب وأتحدى وأصرخ بأعلى صوتي، وأحدث ضجيجا لافتا؟!! حيرة لدى البعض ربما تحتاج إلى توضيح، وحتى لا يفهم البعض أنني متناقضا فيما أقول، أو متعارضا مع ما أفعل أوضح ذلك وأجليه جوابا لمن يسأل..
• أوضح أن ثمة أمر آخر كان حاضرا في هذه المعادلة.. إنه إحساسي الكثيف بالظلم والقهر والانسحاق الذي كان حاضرا، ويتراكم ويزداد على نحو مستمر في معادلة الخجل والبوح..
• الظلم ليس نزهة.. والشعور بالظلم يفسر كثيرا مما أبديه من تمرد وثورة وعنفوان.. لا يمكن أن أُسحق وأنا صامت، مراعاة لمشاعر وسكينة الظالمين، أو خوفا منهم أي كانوا.. عندما كانت حقوقي تستباح في المجلس وخارجه، وكانت حقوق الناس وحرياتهم وكرامتهم تهدر وتستباح كل يوم.. كنت أقف على كثير من تلك الانتهاكات والمظالم والتفاصيل بشكل شبه يومي، كل هذا كان يولّد في وعيي ووجداني كثير من الرفض اللحوح، والمقاومة المستميته، و”الجنون” اللازم والمستحق..
• أنا النائب الذي جاء خجولا ويحرج من صوته في المجلس، ويخجل من سماع صوته في التلفاز.. النائب الذي يتجاوز البسملة، ولا يستهل حديثة بـ “الأخ رئيس المجلس الأخوة أعضاء هيئة الرئاسة” إلا فيما هو مكتوب ونادر، والنادر لا حكم له.. أنا النائب الذي يرتبك، ويسقط أحيانا في إرباك عظيم، من أول جملة يقولها وهو واقفا على ساقيه في البرلمان.. النائب الذي لا يعرف اللعن المعلن، ويلعن في قرارة نفسه من وضع أو أقر نص اللائحة الذي يلزم النائب بالتحدث، وهو واقفا على قدميه أمام رئاسة تحمل الدمامة والقبح كله..
• هذا النائب الجاري الحديث عنه هو نفسه، النائب الذي ردد الشعارات المناوئة للمجلس من أمام بوابته بأعلى صوت، وهو نفسه النائب الذي اعتصم وأضرب عن الطعام في قاعة المجلس، ورفض المغادرة إلا مُكرها بالقوة، بعد مطاردة له في القاعة من قبل قرابة العشرة من حراس المجلس، والقبض عليه، واخراجه عنوة وبالقوة من قاعة المجلس وساحته، ليواصل الاعتصام والمبيت أمام بوابة المجلس..
• أنا النائب القادم إلى المجلس بفردة حذاء واحدة.. النائب الغير مفوّه الذي جاء إلى البرلمان، وهو لا يجيد سحر البيان ولا أبجديات الخطابة، بل يستصعب عادي الكلام أمام مشهدا من الناس، بل لا يجيد أحيانا حتى الدفاع عن نفسه وحقوقه، وهو معني في الدفاع عن حقوق وحريات شعب بأكمله يمتد من أقاصي محافظة المهرة إلى جزيرة بكلان..
هذا النائب، هو النائب نفسه الذي ظل يستصرخ الضمير من أجل الناس، وكبل نفسه بالأقفال والسلاسل محتجا في قاعة البرلمان.. تظاهر وأعتصم وأضرب عن الطعام من أجل مهجري الجعاشن، وجرحى 2011، و رواتب أكثر من مليون موظف ومتقاعد يعيلون ما يقارب السبعة مليون إنسان، تُسرق وتُنهب وتغتصب حقوقهم، ويأكلها الفساد كل يوم..
• أنا النائب الذي كان يأنس أن يدافع عنه النبيل نبيل باشا، وصخر الوجيه في أول عهده، لأنه لا يجيد الكلام للدفاع عن نفسه أمام البرلمان.. أنا النائب الذي عيره جل زملاؤه ولاموه وأثقلوا عليه لأنه لم يحسن القول والكلام في حضرت وجود واستجواب معالي الوزير، حالما أتهمته أنه كذاب، في قاعة البرلمان. ووصفوني بالمحامي الفاشل لأنني لا أنافق، وقد أصبت ما أخطاؤه، ورفضت أن أعتذر أو أسحب الكلام، ولم اندم على قول أصاب الحقيقة، مزكّى ومشفوع بقسم اليمين، ولن أندم حتى وإن “أدمت البعوض مقل الأسد”..
• أنا الذي يأثر الغرق في قاع البئر عن أن يشاهد الطبيب عورته، شرعت في التعرّي في وجه الفساد، تحت قبة البرلمان أمام الراعي وهشول والنواب الحضور، وبحضور وزراء حكومة الانقلاب، محتجا ضد الفساد وانتهاك حقوق شعب مغتصب..
• أنا النائب الوحيد الذي ينعتوه بالمجنون جل زملائه، إن لم يكن كلهم، ويتهمونه بالجنون.. لا زلت أذكر كلام زميلي انصاف مايو في فسحة إحدى جلسات المجلس، ولازالت دهشته موشومة في ذاكرتي كدعسة ديناصور، وهو يسألني بحذر عمّا إذا كنت بالفعل قد أتيت من سلك القضاء إلى مجلس النواب.. وكأنه أراد أن يقول: كيف يأتي هذا المجنون من سلك القضاء؟!! أين وقار القاضي؟! وأين جلالة القضاء وهيبته في حضرة هذا الجنون؟!!
• أنا النائب الذي حضر المجلس وقعد في آخر الصف وأدار مقعده وظهره إلى المنصة والرئاسة، وولى وجهه إلى الجدار الذي يستحق الاحترام، أكثر من الذين في المنصة، ومن زملائه الذين كانوا خلفه، يختلسون النظر إليه، ولا يفعلون شيئا غير العجب..
• أنا النائب الوحيد الذي أقسم بشرفه في المجلس أن أكبر وزير في الحكومة كذاب، وبهذا القسم والاتهام أفسد النواب استجوابي، وطالب عدد منهم بإحالتي للجنة الدستورية مقدمة لرفع الحصانة.. واليوم ذهب الوزير وذهبت الحكومة وذهب معظم النواب، وبقيت أنا في صنعاء أقارع الظلم والظالمين الجدد..
• أنا النائب الذي استمريت 15 عاما في هذا المجلس الذي زور الإرادة، أكشف الزيف والتآمر والبيع والشراء، وما يجري من تمثيل بهذا الشعب المنكوب بحكامه..
• كنت ولازلت ضمير هذا الشعب في حضرت غياب الضمير.. كنت الحصان الوحيد الذي يصهل ويبوح في بيت الشعب، وهو يتذكر الشاعر محمود درويش وهو يقول: “البيوت تموت إذا غاب سكانها.”. وفاروق جويدة وهو يقول:”إن الخيول تموت حزنا حين يهرب من حناجرها الصهيل”
• استمريت بتعرية كل شيء حتى العري ذاته.. أبوح وأكشف ما يُفعل ويُقال خلف الكواليس.. لا أستكين ولا أساوم.. ولطالما كانت القوة لديهم، وكنت وحيدا، ولكن قوة الحق أمضى وأقوى، ولو بعد حين..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.