من أرشيف الذاكرة .. ضبط برلماني متسلل يتجسس على محتجزين
يمنات
أحمد سيف حاشد
– لا تتورع السلطات المتعاقبة في اليمن على مختلف مسمياتها، و أسماء من يديرونها، أن تكيل لك التهم الكبيرة إن عارضتها، أو أردت تناول معايبها، أو حاولت الكشف عمّا ترتكبه من جرائم بحق الإنسان، أو بحق المجتمع و الوطن .. ستجدها تقلب الحقائق رأسا على عقب، و تفتري عليك بجُرأة لم تكن تتبادر إلى ذهنك، و تسيء لك على نحو بالغ و مسف و وضيع..
– ستجدها تستخدم وسائل الإعلام الرسمية و غير الرسمية الممولة من المال العام، في فبركاتها الإعلامية الدنيئة، و تلفق التهم الجسام، و الترويج لأكاذيبها، و التشويه و الإساءة و النيل البالغ من معارضيها، على نحو صادم، و مصادم للحقيقة و الواقع.
– عندما قمنا بحملة “#أوقفوا_الحرب”، في سبتمبر 2018 أتهمتنا سلطة أنصار الله في صنعاء بالخيانة، و الحرب الناعمة، و الرياح الباردة، و العمالة لصالح أمريكا و الصهيونية العالمية، فضلا عن اتهامنا باستلام أموال منها .. و سلطت ماكنتها الإعلامية بكل وسائلها و تعددها للنيل منّا، و ترهيبنا، و تشويه سمعتنا، و استهدافنا بضخ اعلامي واسع و كثيف و متعدد، فضلا عن المضايقات الأمنية، و تحفّز سلطات الأمن لاعتقالنا و التنكيل بنا.
– عندما خرجنا يوم 25 مايو 2017 للمطالبة برواتب الموظفين، و الاحتجاج على سياسات التجويع، و المطالبة بإلغاء جرع المشتقات النفطية، من قبل سلطات الأمر الواقع في صنعاء و عدن و غيرها، قمعتنا سلطة صنعاء بشدة، و كالت لنا التهم الغلاظ، و منها الخيانة و العمالة مع العدوان، و استلام أموال من السعودية، بل و اختطفت قبل يومين من خروجنا الرفيق نائف المشرع، و قامت بتعذيبه بهدف انتزاع اعترافات أننا نستلم أموالا من السعودية.
– و في عهد صالح عام 2007 أتهمتني مصلحة الهجرة و الجوازات في تصريح رسمي تداولته وسائل الإعلام التابعة للسلطة، و على نطاق واسع، بأنني قمت بالتسلل من فوق أسوار مصلحة الهجرة و الجوازات، و الدخول إلى مؤسسة حكومية في يوم عطلة رسمية .. و هددت باستخدام حقها القانوني في مقاضاتي.
– نشرت و عممت وسائل إعلام السلطة يومها افتراءاتها و أكاذيبها، تحت عناوين شتى منها: “ضبط برلماني متسلل إلى مصلحة الجوازات يتجسس على محتجزين”، “عضو مجلس نواب يتسلل إلى مصلحة الهجرة في يوم إجازة منتحلا صفة صحفي”، “في ثاني محاولة له لتصوير مؤسسات حيوية” .. “ضبط شخص يقوم بتصوير من تم الإعداد لترحيلهم من الأجانب المخالفين لقانون الدخول و الإقامة” وما إلى ذلك من العناوين..
– كانت تلك الأكاذيب و الافتراءات التي روجت لها الآلة الإعلامية للسلطة، فماهي الحقيقة يا ترى..؟! ماذا حدث في الواقع..؟! ما هي الوقائع التي حدثت على وجه التحديد..؟! سأشرح فيما يلي حقيقة ما حدث:
– في تمام الساعة الثانية عشرة تقريبا من ظهر يوم الخميس 28/6/2007م تلقيت بلاغا أن شخصا ارتيري الجنسية، لاجئ، اسمه ابراهام توفى في سجن الجوازات بعد أن امضى فيه سنة، و شخص آخر أوزباكستاني قضى سنتين في سجن الأمن السياسي، و أحيل إلى سجن الجوازات و أمضى فيه عاما ثالثا، و صحته في وضع حرج و يكاد أن يموت.
– كان مصدر البلاغ شخص اسمه سند سليمان يعمل في انظمة الكهرباء داخل المصلحة، و أظن أن العمل كان تابع بوجه ما لـ”حميد الأحمر” أو على علاقة مقاولة به .. الحقيقة لم ألتفت إلى الدوافع أو الاحتمالات .. فاهتمامي كان ينصب فقط نحو ما أخبرني به من وقائع، و اطمأنت إلى صحتها، لاسيما أن من بلّغني، أبدأ استعداده لمرافقتي، و أن يكون دليلي إلى أقبية و عنابر السجن.
– تمكنت من الدخول و عبور بوابتين ببطاقة عضوية مجلس النواب، و معي الأخ سند سليمان .. وجدنا أنفسنا في الساحة القريبة من عنابر الاحتجاز في الجوار، و الأقبية التي كانت تحت الأرض، و لا يظهر منها غير النوافذ العليا التي كانت تطل على أرضية تلك الساحة المتواجدين فيها، و تُوفر للسجناء قليل من الضوء و الهواء.
– كنت أطل عليهم من النوافذ، أعرفهم باسمي و عضويتي النيابية فضلا عن عضويتي في لجنة الحريات و حقوق الانسان التابعة لمجلس النواب .. أدون ما استطعت من اسماءهم و شكاويهم و طلباتهم و أوجاعهم، و أصور حال السجن، و أحوال المساجين .. وجدت مئات السجناء من النساء و الرجال الغرباء يقبعون فيها، وسط ظروف مأساوية لا يعلم بها الرأي العام و لا وسائل الإعلام..
– مئات المساجين و السجينات لا يعلم عنها مجلس النواب و لا لجنة الحريات و حقوق الإنسان شيئا .. قيمة السجين هناك لا تساوى أكثر من كيس قمامة .. يموت السجناء هناك عطش و جوع و مرض، بل أن مرضى الإيدز لا تقوم إدارة السجن أو مصلحة الجوازات بعزلهم، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار المرض بين الأصحاء.
– وجدت صومال و أحباش و ارتيريين و سودانيين و أزباكستانيين و جنسيات أخرى يقضون سنوات طوال في انتظار ترحيلهم، و لم يتم ترحيلهم، و يعيشون في السجن ظروف مأسوية غاية في السوء .. يعانون من الفاقة و الجوع، و تفتك بهم الأمراض، و يفتقدون للحد الأدنى من المعاملة الإنسانية من قبل القائمين على السجن، و من قبل وزارة الداخلية المعنية بأولئك السجناء، و بأوضاعهم في السجن..
– بعد أن كدت أنتهي من إنجاز ما أتيت لأجله، رمقني مسؤول السجن الرائد الجعدبي، من إحدى شرفات الدور الثالث في إحدى الأبنية، و معه ثلاثة من أولاده الذين صاروا على ما يبدو يعملون معه في السجن .. صرخ متسائلا عمّا أفعل..!! اخبرته مباشرة بأني عضو مجلس نواب و عضو لجنة الحقوق و الحريات بالمجلس، غير أنهم هرعوا مهرولين و جزعين نحوي، هو و أولاده الثلاثة و آخرين، و كان جميعهم يرتدون الزي المدني..
– أبرزت لهم بطاقة عضويتي في مجلس النواب لتأكيد صفتي، غير أنهم كانوا مندفعين بهياج يشبه هياج الثيران، لا نفس من صبر و لا بقايا من ضمير، و لا استعداد للسماع .. انتزعوا مني البطاقة و الكاميرا و التلفون و القلم و الأوراق التي كانت بيدي .. عنّفوني، و نالت أيديهم من جسدي، و كذا الأخ سند الذي غيبوه عنّي.
– دفعوني إلى سجن فسيح ليس فيه غير سجين واحد أمضى في السجن أكثر من عشرين عام دون حكم أو محاكمة أو عقوبة محددة .. فهمت أنه من جنوب السودان .. كان ضخم الجثة و شعره مشدود إلى الخلف، و مربوط بفتيلة، و مسدول شعره إلى ظهره العريض .. و رغم غرائبية شكله بالنسبة لي، كان خلوقا و هادئا و مستأنسا بي، و سعيد بأن أسجن إلى جواره، و خصوصا عندما عرف أنني عضو في البرلمان.
– بقيت في السجن أكثر من ساعة، و لم يسمح لي بالاتصال بأسرتي أو بأي شخص أخر .. و لم يخرجنا من السجن إلا أحمد زيد الضابط المستلم، الذي كان معنا مخلقاً و مهذباً، و اصطحبنا معه إلى غرفة الضابط المستلم لنقضي فيها ساعات أخرى.
– و في غرفة الضابط المستلم جاء “شاويش” السجن، يطلب حضور المستلم أحمد زيد إلى العقيد أحمد يحي الجرادي، و بعد أن ذهب، دخل الحارس مسلحاً و هددنا بالقتل أنا و سند سليمان، و مكثنا قرابة الثلاث ساعات في الغرفة، و لم نغادر المصلحة إلا الساعة الخامسة عصراً بعد أن أعادوا لنا التليفون و البطاقة و الكاميرا، و لكن بعد أن مسحوا تماما “فرمتوا” الذاكرة التابعة للكاميرا..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.