فضاء حر

“مقبل” .. ودور الفرد في التاريخ (3-3)

يمنات

قادري أحمد حيدر

ذَهَبْنَا إِلَى عَدَنٍ قَبْلَ تَارِيخنَا، فَوَجَدْنَا اليَمَن
حَزِيناً عَلَى امْرئِ القَيْسِ، يَمْضَغُ قاتاً, وَيَمْحُو الصُّوَرْ.
أَمَا كُنْتَ تُدْرِكُ، يَا صَاحِبِي، أَنَّنَا لاَحِقَانِ بِقَيْصَرِ هَذَا الزَّمَنْ؟
ذَهَبْنَا إِلَى الفُقَراءِ الفَقِيرَةِ، نَفْتَحُ نَافِذَةً فِي الحَجَر
لَقَدْ حَاصَرَتْنَا القَبَائِلُ، يَا صَاحِبِي، وَرَمَتْنَا المِحَنْ،
وَلَكِنَّنَا لَمْ نُقَايِضْ رَغِيفَ العَدُوِّ بِخُبزِ الشَّجَر

محمود درويش
ديوان/ ورد أقل

كان أول الأهداف السياسية الاستراتيجية لحرب 1994م هو التصفية العسكرية والسياسية والأمنية للحزب الاشتراكي اليمني، لإخراجه من المعادلة السياسية والوطنية، كمقدمة لتنفيذ ما كان مدوناً في أجندة تجار الحروب ورموز دويلة المركز العصبوي.

بيد أن ما خيب آمالهم وأسقط أوهامهم، هو الأداء السياسي الرصين، والاستثنائي للقائد الوطني الكبير “مقبل” ورفاقه (قيادة/ وأعضاء) ففي خلال أشهر قليلة من بعد انتخابه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي سبتمبر 1994م تمكن مقبل بروحية المقاوم الوطني العظيم أن يبحر بالحزب الإشتراكي إلى بر الأمان، أو بالأصح أن يمخر به عباب البحر وعواصفه بأقل الخسائر السياسية بعد أن هيئ “مقبل” نفسه لتوحيد وتجميع شروط فعل سياسي وطني، وثوري جديدين.. وإلى “مقبل” تحديداً، ومعه الشهيد جار الله عمر، يعود الفضل الكبير في المساهمة مع الأخرين في انتاج وإخراج صيغة “المجلس الأعلى لأحزاب المعارضة”، وبعدها إلى هندسة صيغة “اللقاء المشترك” .

قائد فذ نادر واستثنائي، هكذا كان في مواجهة الاستعمار “الانجلو سلاطيني” إلى دوره النقدي في تصحيح وتقويم الأخطاء في مسار التجربة داخل تنظيم “الجبهة القومية” و”التنظيم السياسي الموحد” والذي لعب دوراً طيباً في إخراج هذه التسمية، إلى دوره البارز في قيادة الحزب الاشتراكي، إلى مقاومة النتائج المأسوية لنتائج جريمة حرب 1994م وكل تداعياتها في صورة الحرب الجارية.

وفي تقديري أنه لو كان حاضراً بينناً، وتمكنه صحته من القيام بدور ً سياسي في ما يجري اليوم لكان ساهم وبقوة في تصويب اتجاه البوصلة، وفي تقديم رؤية سياسية عملية حول تفاصيل المشهد السياسي.. ولكان صورة الراهن السياسي غير ما هو عليه ولو في الحدود الدنيا .

نحن اليوم أمام أحزاب لاهي سلطة، ولاهي معارضة حقيقية تمتلك رؤى سياسية وطنية مستقلة تجاه كل ما يجري في البلاد .

احزاب لاهي في شراكة مع الشرعية،بمعنى صناعة واتخاذ القرار ولو في حدوده الدنيا،كما أنها لاتملك رؤى سياسية واضحة لمقاومة الإنقلاب، ولم نقرأ لها بيانات سياسية،حول المسألة الوطنية،ممثلة في إختراقات التحالف للسيادة الوطنية اليمنية في اكثر من مكان(ارخبيل سقطرى/المهرة/ما تسمى مناطق محررة، وغير مستقرة وفيها القتل،والاعتقالات خارج القانون وكأنه أمراً إعتيادياً) .

إننا أمام مشهد سياسي كالح متهالك، يعكس في الواقع بؤس الدور السياسي لجميع قادة الأحزاب في البلاد دون استثناء، وبالنتيجة بؤس وضعف الأداء السياسي للمكونات الحزبية والثقافية والمدنية التي تكيفت أو استكانت،وبلعت السنتها خوفاً، وغيبت نفسها، وصوت أحزابها، في اضطرابات وارتباكات بؤس الوضع القائم، في الشمال، والجنوب، إما صمتا، أو قول ما لا يلزم من القول، في صورة كلام وخطاب مراوغ وموارب حول كل ما يجري في البلاد، وهو ما سنشير إليه عرضاً أو لماماً في بعض التساؤلات الاستفسارية والاستنكارية في خاتمة هذا الحلقة عن القائد الاستثنائي مقبل، الذي عرفنا قيمته طوداً شامخاً بيننا، واليوم -وفي واقع الخراب الذي نعيشه- ندرك عظيم معنى رحيله، ومدى خسارة الوطن ، والحزب في غيابه وأمثاله من الرجال .. القادة الكبار.

وقد أشار الأستاذ والرفيق المناضل/ أنيس حسن يحيى في كلمته التابينية لمقبل قائلاً: “هو تاريخ وقامة شامخة عصية على الاستسلام والانحناء.. شخصية محصنة ضد الانكسارات والمغريات والتهديدات (…) وطنياً قل أمثاله . لهذا فهو فعلاً يمثل مدرسة تميزت بعشق المبادئ والقيم والطهر والنقاء .. وللإنصاف أقول – والكلام لأنيس يحيى- إننا كنا نعرف أن كل أبواب الرفاهية والاغراءات تحوم حوله، إلاَّ أنه أقفل كل هذه الأبواب المشرعة فهزمها منتصراً لمبادئه ورسالته .. ولولا “عباد” رحمه الله لكان الحزب في خبر كان .. ولولاه لما خرج الحزب من هذه الجريمة أكثر قابلية للبقاء وأكثر شعبية واحتراماً .. ظل أميناً عاماً دون ضجيج، فنهض الحزب، ووقع هو أسير المرض” واليوم ينهض البعض في حالة نجومية ذاتية بائسة ويقع الحزب أسير المرض.. وهنا نقرأ معنى الفارق بين قيادتين ودورين.

إنني على قناعة راسخة أن الأفراد لا يصنعون التاريخ، ولكن القادة الاستثنائيين هم من يتمكنون بالفعل من المساهمة في توجيه وتصويب بوصلة التاريخ في الاتجاه العقلاني والمنطقي والتاريخي .. وهنا يتعملق ويبرز دور الفرد في التاريخ.

هذا باختصار ما كانه وما قام به “مقبل” بجدارة فائقة، والجميع شهود على دوره الاستثنائي في قمة الحزب وفي الحياة السياسية العامة.

لقد رفض “مقبل”، بالمقاومة السياسية المدنية السلمية، تحويل نتائج الحرب إلى أمر واقع وإلى مقدمة وواجهة للفساد أو الإسهام لتشريع الاستبداد.

مؤكدا رفضه ذلك، بعدم رفع “الراية البيضاء” والذهاب إلى تحشيد الناس للتوقيع على بيان وطني جامع لإدانة الحرب وعدم القبول بشرعنة نتائجها في واقع الممارسة. ولذلك لم يقبل بالدخول في انتخابات ما بعد الحرب لأن الجرح ما يزال مفتوحاً والدم طرياً في الشوارع، والنفوس متعبة ومكلومة، وتقديراً واحتراما، منه ورفاقه، للمزاج السياسي العام في جنوب البلاد، حتى لا يكون في ذلك ضغطاً نفسياً وسياسياً واجتماعياً، على الوجدان العام للناس.

وكأنه ورفاقه بذلك يؤكدون الموقف المقاوم، والقول السياسي النهائي والسديد -في حينه- في إدانة الوحدة بالحرب، معلنا أنه وحزبه ضد الحرب وضد الانفصال،الذي اعلن كنتيجة للحرب،ومن أن الحزب مع الديمقراطية واستعادة الوحدة السلمية، وتصحيح مسار الوحدة،وإزالة آثار العدوان على الجنوب الذي جرى اجتياحه وغنيمته،بحرب التخوين السياسي، والتكفير الديني(الردة والانفصال)،وهي الرؤى،والمواقف، التي لو أخذ بها من قبل سلطة الحرب، -في حينه- لكان حال الوطن اليوم أفضل.

وفي هذا الاتجاه أعلن، بقوة وبكل الوضوح السياسي والوطني، إدانة جماعة التكفير الديني والتخوين السياسي، وقال كل ذلك، وعلي عبدالله صالح في قمة هيلمانه، وهو ممتطٍ صهوة حصان القتل ، يرعد ويزبد، ويتوعد ويهدد بمزيدٍ من الدم والصوملة.. ولم يحسب، علي عبدالله صالح، مكر التاريخ، لأن المستبد لا يتعلم من التاريخ، ولذلك محكوم عليه بتكراره ليصل، عبر تعلقه المريض بالسلطة عبر قاطرة “التوريث”، إلى حتفه.

وليس سوى “مقبل” من كان يجرؤ على الكلام في زمن الصمت والنفاق ونجومية الكتبة المأجورين.

وفي تقديري أن هناك اسماء معينة ومحدودة جداً،هي من أسهمت في بلورة وصياغة وتعميم، مصطلح ومفهوم “القضية الجنوبية”، كان مقبل في طليعتهم عملا وقولاً،وعملاً اكثرً،،ومنهم،
أو من ابرزهم المفكر د. ابوبكر السقاف، وصحيفة”الايام”
تحت إدارة،الصديق الفقيد/هشام باشراحيل،واخيه العزيز الصديق/ تمام باشراحيل، الذين واجهوا الويلات.. وقلة قليلة من الذين كانوا يمتلكون شجاعة القول في جحيم الحرب، والقتل،من الجنوبً ومن الشمال،دون ذكر أسماء فجميعها موثقة ..في حين كان البعض من ابناء الجنوب والمزايدين اليوم على القضية الجنوبية، يرون في مواقف “مقبل”وابوبكر السقاف، وخطاب صحيفة الايام،مغالاة في التطرف، ولاوطنية، وعدم واقعية سياسية،وبعضهم كان يعيش في بحبوحة نعيم نظام علي عبدالله صالح .

كان “مقبل” يدرك أن موازين القوة المؤقتة في صف علي صالح وزبانيته، ولكنه كان يعلم علم اليقين أن زمن دولة الباطل إلى زوال، ومن أن زمن المساءلة والمحاسبة قادم، ذلك أن وهم النصر العسكري الزائف،وبمرارة الهزيمة الوطنية ،لم يفت عضده، ولم ينل من نفسيته، ومن وجدانه الداخلي، وبقيت جذوة روح المقاومة مشتعلة في عقله تغذي شرارة النصر القادم.. وهو آت لا محالة.

لم يكتف “مقبل” بكل ما قام به من بُعَيد الحرب مباشرة، بل إنه كان أول الداعمين والمساندين لأولى التحركات الجماهيرية والشعبية الواسعة للحراك الجنوبي السلمي.. ليس فحسب مؤازراً ومسانداً وداعماً سياسياً، بل وحاضراً بالمشاركة الفعلية في جميع التحركات الأولى من “الحبيلين”، و”ردفان” و”الضالع” و”حضرموت” و”أبين” حتى المدينة “عدن”، التي خيم مقيماً في قلب تجمعاتها الاحتجاجية الشعبية السلمية.. أقام، ونام في وسط الحشود الجماهيرية.

حقاً.. لقد سكن مقبل عقول وأفئدة الحشود الجماهيرية/ الناس.

” لم يعانق قاتله كي يفوز برحمته” كما كتب محمود درويش، بل ذهب لمعانقة حريته كي ينجو ويحرر المجتمع من عبودية قاتله، ذلك هو “مقبل” الذي لم يقايض حريته، بأقل من الحرية المطلقة خياراً وحيداً، ولذلك ترون كل هذه المحافظات اليمنية الحضرية، والريفية، شمالاً، وجنوباً تحتضن الاحتفاء به، بجميل التوديع.. في مهابة توديعً يليق باسمه وبتاريخه.

قائد استثناني فوق العادة أكد في سلوكه الكفاحي السياسي اليومي، وليس بالشعارات والمزايدات السلاموية، كيف تتوحد الكلمة بالموقف .. وأصر من بُعَيد الحرب مباشرة – بعد خمسة أشهر من توقيف صحيفة “الثوري”- على ضرورة وأهمية إعادة إصدارها، ولم يهرب ولم يجبن ويضعف في أشد الظروف ظلامية وسواداً، لأنه كان يدرك أن “الثوري” / الصحيفة هي المنبر الذي تنطلق منه مبادرة إعادة بناء الحزب وتجميع صفوفه، وتجديد بنيته التنظيمية والسياسية، وتصليب بنية ملاكاته، وتوحيدهم فكرياً، وسياسياً، وتنظيمياً، ووجدانياً، ومعنوياً، من خلف الحزب في الجنوب وفي الشمال،وهو ما كان.

كان “مقبل” بحق هو القائد السياسي الفعلي والرمز المعنوي للحراك الجنوبي السلمي، ليس بالقول والخطاب فقط، بل وبالمشاركة العملية وبالدعم المعنوي والسياسي وبالمساعدة في تحويل مقرات الحزب إلى نقاط تجمع وانطلاق للحراك الجنوبي السلمي، الذي يزايد عليها البعض اليوم زوراً..

اليوم .. ها هو الحزب مشلول ومفكك وصحيفة الحزب مصادرة بالقمع ومغيبة لأسباب “غير مفهومة”، مع أنه بالإمكان إعادة اصدارها من أي مكان في اليمن، إن تعذر إعادة إصدارها من صنعاء، أو عدن .. ومعها عمل أو تأسيس قناة فضائية، وهو مطلب ملح قديم، يتجدد باستمرار، إلى جانب أهمية وضرورة إنشاء العديد من الإذاعات التي يجب أن تغطي مساحة الجغرافيا الوطنية، وجميعها مطالب سهلة غير مكلفة، وفوائدها وعوائدها السياسية، ناهيك عن المادية، أكبر مما يتصوره بعض القيادات..، على الأقل تغطي عجز وضعف حضور الفعل السياسي القيادي والتنظيمي، ولكن دون جدوى .

لقد لعب الإعلام، وإذاعتا صنعاء وتعز دوراً سياسياً ووطنياً بارزاً في الدفاع عن صنعاء،وبأدنى الإمكانيات، في حصار السبعيين يوماً في مواجهة إعلام الملكية والإمامة والإعلام الاستعماري الموجه لفت عزيمة وإرادة أبطال الحصار.. وكان لقادة المقاومة الشعبية –عمر الجاوي، سيف أحمد حيدر، علي مهدي الشنواح، عبده علي عثمان، مالك الإرياني، يحيى محمد الشامي وغيرهم- الدور السياسي الكبير في الجمع الخلاق بين العمل العسكري والسياسي والإعلامي، وكان الإعلام والإذاعة أحد أهم عوامل النصر العسكري وهو ما نفتقر إليه اليوم. وهنا يظهر ويبرز الدور السياسي المركزي للقادة الاستثنائيين في التاريخ .. القائد الذي يقرأ المستقبل من ادراك ومعرفة الاحتياجات السياسية، والموضوعية للواقع الراهن .

وهنا نقرأ -كذلك- الفارق النوعي بين القائد الاستثنائي، المتدثر بهموم الناس والمحب لهم،والمنغمس في مشاكلهم، وبين مثقفي الصالونات، رجال كل المراحل، ومع المستبد في كل الاحوال، مع القاتل والضحية في نفس الوقت.

ولذلك نحن في هذا الوضع المزري والمهين الذي أوصلتنا إليه حرب الغنيمة والفيد، وفي موازاة ذلك قيادات ليست في مستوى تحديات المرحلة، مع أن ظروف اليوم هي الأفضل نسبياً قياساً لأوضاع ما بعد حرب الاجتياح للجنوب،والتي طالت آثارها السلبية كل اليمن.

اليوم تسبق الأحداث السياسية الدور السياسي للقادة المسترخين في أبراجهم العاجية، ولذلك يتقدم الشارع على القائد السياسي.

وحين يسبق الشارعُ (الجماهير) القادةَ السياسيين في النزول إلى الشارع وفي قيادة الأحداث الثورية، وبدون رؤية سياسية برنامجية للتغيير ، حينها علينا أن نقتنع ونتأكد من أننا نعيش في “أزمة قيادة حزبية وسياسية ووطنية”، بعد أن استقالت القيادات الحزبية “الفائضة عن الحاجة” التي تحولت إلى ظاهرة صوتية، عن دورها السياسي والوطني في انتظار الفرج والمخلِّص من خارجها.. ولذلك يحظر -اليوم- العالم كله في اليمن متبختراً متغطرساً إلاَّ اليمنيون ومصالحهم ، وهو ما يفسر هيمنة التحالف (الإمارات /السعودية)على القرار السياسي الوطني اليمني، ويتحكمون بإدارة الجغرافيا السياسية اليمنية كيفما يشاؤون، وكأنهم أصحاب الأرض، دون أن تنبس القيادات الحزبية والنخب الثقافية، والمدنية، بكلمة سياسية ووطنية في وجه من ينوبون عنهم / وعنا سياسياً وعملياً في حكم بعض أجزاء من البلاد ، ومن مصلحتهم استدامة الحرب لترتيب أوضاعهم المستقبلية في بلادنا وعلى حساب مصالحنا الوطنية ومستقبل الأجيال.

لذلك، تدخل حركاتنا السياسية، والثورية في أزمات مستعصية وتبقى دون أفق للتغيير.

وما يؤكد ذلك هو انعدام وغياب اية إجابة سياسية وطنية عن جملة من الأسئلة السياسية المركزية المقلقة والتي نقدمها في صيغة استفسارات إستنكارية تحتويها التساؤلات التالية :

كيف يمكننا أن نفهم ونصدق أن من يمول ويدعم تشكيل وقيام تكوينات وتشكيلات سياسية وعسكرية، قروية وقبلية ومناطقية وجهوية، ومذهبية/دينية، مليشوية (على الطريقة الأنجلو سلاطينية البائدة)، سيساعد ويساهم في بناء وقيام دولة وطنية لكل اليمن أو حتى في الجنوب، أو في الشمال ؟!

وكيف لنا أن نفهم ونستوعب أن من يمول ويساند ويحمي تشكيل وقيام جيوش ميليشوية/ قروية وقبلية ومناطقية ومذهبية/دينية، من أنه سيكون مع بناء وتشكيل جيش وطني يمني حديث، سواء للجنوب، أو للشمال؟!

بل ونراه علنا يقوم بتشكيل جيوش من رميم جثث متهالكة من بقايا النظام القديم،وممن كان لهم دوراً سياسياً مشهوداً، وعسكرياً بارز في غزو واجتياح الجنوب، وتدمير الشمال !!

وهل يعقل أن من يمول ويسلح ويحمي ويدافع عن وجود ميليشيات مذهبية/سلفية “جهادية” سيكون مؤهلاً لمواجهة “القاعدة” و”داعش” والارهاب السياسي الديني؟!

كيف نستوعب ونفهم تشكيل ميليشيات قبلية/محلية في المناطق المحاذية والقريبة من مناطق النفط، والغاز، والذهب، ويضيق على اي محاولات للاستثمار، والتنمية الاقتصادية، ويضع ويبقي موانئ البلاد ومطاراتها جميعاً معطلة وتحت الحصار، ويمنع رئيس الدولة من التواجد داخل بلاده، أو على الأقل داخل المناطق المسمى محررة؟!!

كيف نفهم أن من يمارس كل ذلك سيكون مع يمن آمن ومستقر، ومزدهر سياسياً، واقتصادياً ؟ فهل من يهندس ويفبرك كل ذلك سيكون مع يمن مستقر أو حتى، مع جنوب مستقر، ودولة متقدمة فيه،؟!

اشك في ذلك إن لم أجزم بالقطع، ولغيري أن يعتقد ويرى ما يشاء من التفسيرات والتأويلات!!

إن ما هو حاصل أننا أمام كانتونات قروية قبلية مناطقية عديدة موزعة في أحسن الاحوال على احزاب (مارب)، (تعز)، ( الحديدة)، أو على مناطق قبلية، مرتبطة بمشاريع “تحت وطنية”، جميعها بدعم وتمويل من التحالف، وجميعها الغام جاهزة للتفجر في وجه المجتمع، وما تبقى من الدولة، حين يريد ويقرر، مهندس العملية الخارجي ذلك !!

فهل من يغذي وينمي المنازع، والعصبيات ما قبل الوطنية، داخل الشمال، وداخل الجنوب، وفي ما بين الشمال، والجنوب، ويعقد الصفقات، من تحت وفوق الطاولة، مع شيوخ القبائل،سيدعم،أو يقف مع أي دور سياسي مستقبلي للاحزاب الوطنية الديمقراطية في البلاد، أو مع أي دور سياسي، دستوري، تشريعي للبرلمان في قادم الأيام، أم أنه يشتغل على كل ذلك كمتفجرات والغام تفخّخ في وجه المجتمع، والأحزاب الوطنية الديمقراطية، وفي وجه مستقبل البلاد ، في شكل حروب مستدامة ومتناسلة، تسهل له تمرير مشاريعه السياسية، والاقتصادية، لعقود قادمة إن لم يكن أكثر؟!!

وهو” عشم ابليس في الجنة”كما يقول المثل الشعبي المصري..

من هنا نقول للواهمين الصغار الجدد بممارسة دور المستعمر: لن نقايض الحرية، والاستقلال الوطني بأوهام الانقلاب الحوثي، أو بأوهام دعم الشرعية واستعادة الدولة التي تتبدد وتتآكل أمام أعيننا –في الشمال والجنوب- إلى كانتونات .. الشرعية التي يجري امتهانها ونهبها، واحتلالها واحتقارها من قبل اصغر ضابط إماراتي.. هو ليس اكثر من ” مستعمر” بليد صغير وجاهل، لم يقرأ التاريخ، ولا يدرك أن أبناء الشعب اليمني في الجنوب والشمال سيواجهونه بجميع أنواع السلاح اليوم،أو غداً،أو في ما سيأتي من الأيام.. ومن أن بلادنا تاريخيا، وراهنا “مقبرة للغزاة” .. وجاهزون، وقادرون أن نقاومهم بسلاح التاريخ وحده، وليس بسلاح السلاح .. فاليمن ولادة بالرجال ولم تصب بالعقم .. ولن تصب.

فقدناك ونفتقدك يا “مقبل”..
كم نفتقدك في هذا الزمن الممتلئ بالعبث والجنون، والاوهام، وموت الإرادات.

لك يا “مقبل” كل الرحمة والغفران، ولروحك الطاهرة المجد والخلود. 
ففي كل الأوقات سنظل نتذكرك، وليس فقط في الليلة الظلماء .

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى