في شارع المقاتلين .. الكتابة من حافة المعركة .. لماذا يذهب الفقراء إلى الحرب (الجزء الثاني)
يمنات
ماجد زايد
“إنّ ما يتم التعتيم عليه هو في الغالب أكثر أهمية مما يُقال”. جورج أورويل
وأنت برفقة المقاتلين الشباب ستشعر بتفاصيل مشاعرهم المؤجلة .. بحياتهم وأمنيات ماضيهم القديم ، لم يعودوا يهتمون لأنفسهم او بأحد آخر، أخذتهم الحرب في صفوفها تماما ، يأس ومتاهات وأمور لا يكادون يفهمونها .. الموت سبيل إلزامي في أذهانهم ، ليس لديهم ما يستحق البقاء ، هكذا ستنتهي بك خلاصة أحاديثهم المكسية بالخوف والبؤس والحرمان البعيد ، هي مراحل متقدمة من اليأس والموت المقدم ، يموت أصدقاءهم كل يوم بينما يعودون بمفردهم ، يخوضون معارك لا شأن لهم بها حتى صار طريق عودتهم في حياتهم محفوف بالمنع أو الموت أو الإعتقال ، لا سبيل آخر غير هذا المصير ، مصير البائسين ، هذا المصير يصبح مع الوقت ميولا الى العنف والعدوان ، هذا الميول ينتج عن تغلب غريزة “حب الموت” على غريزة “حب الحياة” في نفوسهم ، دوافع الكره والحقد والإنتقام تتغلب على دوافع التواصل والحب والتعايش ، هي غرائز تجرهم بشكل ما إلى ممارسة التدمير والقتل والعدوان بحق الأخرين.
تتبقى بعض أمنيات وأحلام وأسى مكبوت بادية في عيونهم بينما يتحدثون ، تشعر بهم كأنهم أنت في ذروة المعركة ، وأنت برفقتهم ستدرك الفرق الشاسع بين شكلين من المقاتلين ، أحدهما ينتمي للتنظيم والأخر جاءت به الظروف والعواطف والبحث عن الطريق ، ظروف الحياة وفقرها ونشوة الخطابات العاطفية والبحث عن تحقيق سلطة الذات البشري كحلم داخل كل انسان..
يومها ظل الحديث بيننا يتوسع أكثر فأكثر ، يقول الشاب أشرف او كبيرهم المؤدلج.. نحن ضمن تنظيم كبير سيفتح العالم ويحرر القدس بإذن الله تعالى ، تنظيمنا العظيم هو الحق والصراط المستقيم ، هو السبيل والشموخ ، نحن سننتصر ولن نتوقف حتى نحرر هذا العالم ، استمر الشاب المؤدلج مسيطرا على جوانب الحديث ، عنوة عن الجميع ، متحدثا عن التنظيم والحق والجهاد وسبيل الله وعاقبة المؤمنين ، هما فسطاطين على الجميع أن يختاروا ، إما معنا أو ضدنا.
هذه العصبية التي يتحدث بها الشاب تُولّد مشاعر الولاء والإنتماء بين أعضاء الجماعة ، ذلك يعطيهم الإحساس بالقوة التي تتسامى على الفردي والجزئي ، من هذه العصبية أو الجماعة يستمد الفرد منهم قيمته ودلالته ، ومن موقعه فيها يستمد مكانته وصورته عن نفسه ، ويصبح عدم الإلتزام بمبادئ التنظيم والجماعة نوعا من النيل من الذات ، وتهديدا خطيرا لها ، وهكذا تتخذ الجماعة شكل الـ”نحن العصبي” كما يسميّها مصطفى حجازي في كتابة “الإنسان المهدور” ، وهي ضمنيا تأتي بالمعنى الواضح والمعبر عن النعرة والعزوة التي تمدهم بالإحساس بقوة الكثرة وغلبتها والتناصر والتعاضد والإلتحام والمطالبة بالأحقية كنتيجة حتمية وصولا الى حالة الدفاع في المواجهة ، الدفاع من أي قناعات وجدالات وأفكار تهز عرش الزيف المزيف.
تدخل صديقي وطلب تغيير النقاش .. محمد الشاب الجميل قال .. نعم لقد ملينا ، جميعنا في الحقيقة ضحايا هذا الحرب الملعونة ، ليس لنا فيها ناقة أو جمل ، الكبار وأصحاب المال يتقاتلون بنا على السلطة ، يتقاتلون بنا دائما ، ونحن ماذا !!
دعونا نتحدث عن أشياء أخرى والا أقول لكم لنستمع الى الراديو .. ماجد أهلا وسهلا بك مرة أخرى ، هززت رأسي وأبديت سعادتي من ترحيبه المتكرر بي..
عبر جهاز الراديو أستمعنا الى زامل حماسي جميل ، القات ونشوة الزوامل من شأنها حسم المعارك ، ومن يصدق !!
لو جربتم ذلك ستصدقون ذلك جليّا ، جربوا تعاطي القات وإستمعوا لزامل “مغازي الليل” أو “يا قبايل” أو “هو الله” وستعرفون الفرق بأنفسكم ، حينها ستسير بكم الأحلام الوردية برغبة عارمة في القتال ، رغبة جامحة لخوض المعارك ، ستتخيلون انفسكم في حافة الحرب ، تقاتلون الأعداء والغزاة ، تتقدمون عليهم ، تدحرونهم ، تدمرونهم ، ولا شيء يوقفكم .. مجرد إنشاد “الزامل” كفيل ببث الفزع في قلوب الأعداء هكذا قال “غيتي” المستشرق الغربي عن معلو الزامل اليمني ، وفي كتاب “اليمن من الباب الخلفي” يقول المستشرق الألماني هولفرتيز،: ان أهل اليمن يعتقدون بأن مجرد إنشاد هذا النشيد الذي يسمى “زامل” كفيل ببث الفزع في قلوب الأعداء ، ذلك عندما يمتزج الإيقاع الصاخب والحاد للزامل ، باحتدام العنف اللفظي في كلماته، يحرك المشاعر والعواطف وغريزة الميول الى الحرب في مسامع اليمني وخصوصا الشباب منهم والمراهقين.
تلاشى الضوء من الدشمة ودنت ملامح الليل ، قام أحد الشباب بتشغيل ضوء خافت موصول ببطارية متصلة بلوح شمسي صغير ثم قال.. انه وقت المغرب ، نصلي المغرب بعدها سيخرج محمد لتجهيز العشاء ، اليوم الدور عليه ، هو أفضل شخص يجيد الطبخ من بيننا .. تجهز الجميع للصلاة ، وعند باب الدشمة وقفنا في صف صغير ، وقبل أن يكبر الأمام قال أحد الشباب .. قصر الصلاة الدنيا برد ، كان الجو باردا بالفعل ، أطرافي لا تتوقف عن الإرتعاش منذ ساعتين لكني اتجاهل الأمر ، إنهينا الصلاة وعدنا سريعا لأماكننا ، كل واحد منا يلتحف أطرافه علها تدفء بعضها ، ثم أخذنا ندفء أنفسنا ببطانيات سوداء قاسية ومتسخة ، لكنها الشيء الممكن والموجود في الجبال ، الجبال التي لا يشتكي مرتادوها من البرد لمجرد البرد ، هو أهون ماقد يمكن حدوثه .. جاء محمد أخيرا وفي يديه حرضة معدنية كبيرة ، وفي الأخرى شوالة مليئة بالكدم ، كان العشاء ساخنا ولذيذا مع انه بلا طعم او نكهة ، في الأماكن الباردة يكون الجوع شديدا والوجبات الساخنة تكون لذيذة ، تناولنا العشاء بعدها أخذ أشرف نفسه ليغادر وقال موجها تعليماته سننقسم الى مجموعتين ، محمد وخالد سيناوبون أسفل الجبل ، وأنا -يعني ذاته- والشاب الرابع سنناوب في مرتفع الجبل عند المنحدر البعيد ، الجميع أشار بالموافقة ، بعدها غادر أشرف برفقة الشاب الأخر ، محمد وخالد طلبوا مني وصديقي البقاء في الدشمة لانه الخيار المريح من البرد والتعثر ، وافق صديقي على البقاء ، وأنا قررت النزول معهم للمناوية أسفل الجبل ، لن أضيع التجربة لمجرد البرد والتعثر بالنزول.
غادرنا الدشمة الكئيبة برفقة بعضنا ، ظلام حالك ، عن اليمين وعن الشمال ، ضوء الكشاف الرديء لا يفيد في شيء ، تعثرنا كثيرا في طريق النزول ورذاذ المشقة والبرودة يتطاير من افواهنا ، في الطريق لا وقت للحديث او الضحك او الالتفاف والمشاهدة ، أنت تنزل من منحدر جبل عليك الحافظة على نفسك بنفسك ، أخيرا وصلنا الى مكاننا داخل منحدر يسمى جرف ، قال خالد .. سنبقى هنا لنناوب ونراقب المكان ..
حسنا حسنا.
داخل الجرف وسط التراب والظلام عدنا لتعاطي المزيد من القات ، عشنا وقتا كالساهرين في عالم عظيم من الاحاديث والسرديات والنقاشات الجريئة..
سألتهم في البدء..
لقد تعودتم على الحرب والقتل أذاً؟!!
ضحك الشابان ، ثم قال محمد، لم أقتل فأرا قبل هذه الحرب ، هل هذا صحيح !! نعم .. أنا أتمنى ان أقتل أي فأر ، متعة كبيرة عندما نقتل الفئران ، اليس كذلك !!
سألتهم مجددا .. هل أنتم راضون عن حياتكم !! ما ثمنها !! هل فعلا تقاتلون لأجل الله والدين والوطن ، أم لأجل أشياءا أخرى ، قد لا تعلمونها أو تفهمونها !! خالد يبتسم بصمت كأنه يتمتم في نفسه ويقول.. نقاتل لأن هذا طريقنا الوحيد ، لم نجد شيئا آخر ، هنا وجدنا أكلنا وقاتنا ومصاريفا شهرية لأسرنا ، بقيت في البيت لمدة عامين ، لم أجد عملا او دخلا او شيء يعولني مع أمي وأخوتي ، بقيت مع أسرتي في بيتنا نعاني الأمريّن ، كان لي خيارين أما القدوم الى هنا وأنقاذهم أو المكوث معهم متحملا العار والألم وهو لا يلبث عن تدميري كل ليلة ، قد لا تصدقني لو اخبرتك أن قلبي يتفطر هنا وحيدا من تجاهل حياتي ودراستي وبعض أمنيات كانت بجعبتي يوما ما.
توقف خالد عن الحديث كأن غصة ما منعته من الإستمرار .. أستمر يا صديقي ، طلبنا منه ذلك ، نحن كبعضنا في وطن لم يُبقي أحد ، أخبرني عن لياليك وأنت تتذكر الاحلام وتندم على فواتها ، أه أه يا صديقي ، كيف أسوقها لك !! في كل ليلة أسأل نفسي ذات الأسئلة ، هل هؤلاء القادة يتقاتلون لأجل الوطن أم لأجل السلطة !! هل يجرؤون على الموت في العشرين من أعمارهم مثلنا !! لماذا تركونا للموت هنا !! ماذا لو كنت أنا أحد أبناءهم !! هل كانوا سيتركوني هنا ، في الجبال ، للموت والحرب !!
هذه الحرب يا صديقي غير عادلة !!
تأخذ الفقراء وتترك الأغنياء.
هي بالفعل كذلك يا خالد !!
هذه الحرب من وجهة نظر الأخلاق والحقّ هي غير عادلة ، تكون الحرب عادلة إذا كانت الغاية منها إقامة سلام أبدي دون إكراه ، إذا كان السبب عادلا ووجيها ، إذا كانت تحارب الكذب والنفاق والظلم والاستعمار. لكنها غير عادلة لأنها تقاتل من أجل النهب والسلب والإنتقام مرتبطة بنزعة تسلطية تسعى إلى التوسّع والهيمنة. من جهة ما تبدو الحرب مقدّسة إذا كانت دفاعا عن النفس. لكنها محرمة ومدانة أخلاقيا إذا كانت حربا ظالمة تسبّب الكثير من المجازر والكوارث. وإذا ما حكمنا عليها بموضوعيّة وتجردنا من كل الميولات الذاتية والانطبعات الشخصيّة فإن الحرب مهما كان نوعها لا يمكن أن تكون بأيّ شكل من الأشكال حربا نظيفة أو مشروعة.
نعم أنا أشاركك الأفكار يا صديقي..
الأنسان قد يموت وهو سعيد ، حينما يموت في سبيل نفسه أو وطنه أو غايتة الحقيقية لا لأجل كهنة باحثون عن التسلط والثروة ، في خطابات إقناعكم يتحدثون عن مهانة الدنيا الفانية ، هذه دنيا حقيرة وزائلة بينما هم متخمون فيها ، عن هدفهم العظيم وغايتهم الجنة الأبدية ، هذه الدنيا مجرد هامش عبثي في حياتكم ايها الشباب ، والبقاء السرمدي يكون في الجنة ، هكذا يبشرونكم بالجنة التي يضمنونها لكم ، هل تعلمون !! هم في الحقيقة يطردونكم من حياتكم بالقوة.. أنتم بالنسبة لهم مجرد وقود وثمن رخيص نحو الوصول ، أما هم وأبناؤهم فخلفاء الله الراشدون ، تنظيماتهم وعصبياتهم تنظر اليكم ضمن حدود العلاقة مع الخارج ، أنتم من خارج تنظيمهم نصيبكم الموت فداء لهم لاغير ، أما هم فضمن رؤيتهم ونظرياتهم للعلاقة مع الداخل ، او العلاقة مع عصبيتهم التي تكون مبنية على المثلنة ورفع الذات والنحن الى المرتبة المثالية في كل شيء وهي أخر مراحل التضخم النرجسي ، من خلال هذه المثلنة يرتفع تنظيمهم بشكله الداخلي الى مرتبة النقاء والتنزه من الشوائب ، وهي حالة من الامل المرتجى تحقيقه ، او الحفاظ عليه ، هذه المثلتة تستند الى أسطورة من نوع ما ، او انجاز ما ينُسب الى مؤسسهم الاول ، وهي نوع من الإنجازات الخارقة ، ايضا تنظيمهم في نظرهم حالة إصطفاء عرقي من قبيل شعب الله المختار او الأمة المجيدة ومجد الأجداد ، هذه التنظيمات تتغذى على الدين والعقيدة جاعلة الإنتماء اليها سموا وفخرا ومصدرا للقيمة الفردية والخير العام ، وتجاوز الذات الى مرحلة الولاء الكلي لهم يعتبر ضرورة ملحة ، أنها هوية ولاء وانتماء بدلا عنها هوية إنجاز وبناء ، هكذا تكتسب الجماعة دلالة متعالية تحاول إبرازها في كل شعائرها ومناسباتها وذكرياتها ، هذين السياقين الداخل والخارج يضمنان هدرا كبيرا للأعضاء بنوعيهما ذو البنية الداخلية أو البنية الخارجية ، انها خدعة كبيرة ليس الا يا أصدقاء ، خدعة لا تستحق عناة الخوض والتجريب ليس الاّ.
هل فهمتم شيئا ؟!
إبتسم الشابين وقالا نعم فهمنا الكثير .
أذا أخبروني شيئا عن الحرب .. حينما تكونون في ذروة المعارك ، بم تفكرون ؟!
إستوى محمد في جلسته وتحدث .. في أحدى المعارك إختبئت في جرف صغير بينما القذائف تنهال علينا وطلقات المعلات الرشاشة تغطي المكان من حولي ، يومها استسلمت فعلا للموت ، لم اتوقع أن انجو ، تمنيت ان أبقى ليوم أخر فقط ، كنت راضيا بالموت لكني اريد أن أعود وأشاهد بيتنا وأسرتي ولو لمرة أخيرة ، أتحدث مع امي وأخوتي وأردعهم ، أقول لهم .. نعم لدي الكثير من الحكايات لأخبركم بها قبل أن ننهي طعامنا .. وأنا هناك تمنيت أن أخذ كفايتي منهم ومن رائحة أسرتنا ، كانت هذه احلامي ، بعدها انا راض أن أذهب الى قبري بهدوء ، لا أريد شيئا أخر ، نعم تذكرت.. حزنت كثيرا لأنني لم المس أي فتاة حتى اليوم ، كيف يا ترى يكون الأحساس بهن !!
لقد فاتني كل شيء في الحياة وبقي لي قبر صغير ، لقد خدعوني !! لكم كنت غبيا يوم صدقتهم !! أتمنى أن أعود ، أن أشاهد الفتيات الجميلات ، انظر الى ملامح وجوههن ، أقترب أكثر ، أتحدث اليهن دون خجل ، أستمع الى رقة كلامهن وعذوبة ملامحهن وعنفوان ارواحهن ، أتمنى أن تحبني إحداهن وتمسك يدها الناعمة بيدي ، أدفع كل عمري لأعيش هذه الأحاسيس ، لكنني في قبري ، وحيد وحزين ، كيف يا ترى خدعوني !!
لقد طردوني من الدنيا بقوة ، ها أنا ذا في عمق الارض والظلام ، أبكي وحيدا للأبد ، أنا لم اخلق لهذا القبر الحقير ، ليتهم دفنوني في بقعة خضراء ، علها تنبث الزهور فوق قبري ليقترب الناس مني .. يومها وددت لو أنني صرخت في هذا العالم .. أقول لكل الكادحين والعمال والمزارعين والمتعلمين وغير المتعلمين وجميع الناس .. الجائعين واليائسين والفقراء .. لا تتركوا حياتكم خلفكم وتحملوا البنادق لتقاتلوا الأخرين ، لا تقعوا في فخ الكاذبين ، القبر مظلم وكئيب ، لا تصدقوهم .. !!
لكنك نجوت ، وعدت للقتال !! لماذا ؟!
نعم نجوت يومها لكني لم اعد للقتال ، انا هنا كي أعيش ، لكني مؤمن بضرورة المغادرة ، سأغادر في اول فرصة تأتيني..
الله ما أجمل كلامكم يا رفاق..!!
لماذا لا تكتبون هذه الحكايات ..؟!
هل تفكرون بالكتابة ؟! اجاب خالد .. نعم أحيانا أكتب ، في أحدى المرات وبعد قرابة العام أشتقت لبيتنا وأسرتي ، كتبت اليهم رسالة أعتذار ، قراتها بعد فترة وانصدمت منها ، لم اتوقع انني من كتبها ، انا فعلا أجدت صياغتها من الحزن والحنين ..
هاتها .. دعنا نقراها ، لم يعد بيننا ذلك الخجل..
حسنا.. أسمعوني سأقرأها لكم..
أنا أسف يا امي لأنني مقاتل في حرب لا تعنيني ، أسف لأنني بلا جدوى في حياتي ، أسف لأنني لم أصبح كما حلمت بي ..
أسف يا أمي لاني لا أرسل اليك المال منذ أشهر..
أنا يا أمي تائه لا املك شيء..
لا تحزني يا أمي أذا قتلوني ، كانت الحرب طريقي الوحيد ، لم يكن لدي امنيات وأحلام كالاخرين ، أحلامي لم تتعدى وجبات الأكل اليومية وتوفير الدواء ، أنا هنا يا أمي أفكر فيك كل يوم وهمّ العالم بأكمله في داخلي ، أنا حزين وبعيد يا أمي ، حزين من الوهم والحياة الكاذبة ، حزين من الكراهية والطائفية والقتل والدمار .. حزين من الضياع.
انا أسف يا أختي الصغيرة ، لم أكن شابا تفخرين به في حياتك ، أسف يا أخي العزيز لم يكن لدي ما أساعدك به في دراستك ، أسف يا بيتنا الصغير ، أسف يا غرفتي الصغيرة.
أسف فقط ، ارجوكم تذكروا أنني أحبكم وعندما ما قتلوني كنت أراكم أمام عيناي ، أنتم الشيء الوحيد الجميل في حياتي. .
الله الله ي صديقي ما أصدق الكلمات حين نكتبها بصدق !!
كلمات تبكي وتحطم القلوب ، تقبل محبتي وامنياتي ي صديقي.
اليس هذا ما يكفي؟!
أخبروني شيئا من الحرب لم يذهب من ذاكرتكم ، من يملك ذلك.. يجيب محمد قائلا.. لن أنس صديقي يوم قتلوه بجانبي ، بين نظرة وأخرى مات ، مات ألف مرة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة , حينها فقد الثقة من كل شيء ، كان يسقط ، كان ينهض ، كان يترنح ، يمتلئ حلقه بأدعية خائفة لا يعرف كيف أتت ، يصرخ دون صوت ، ينظر في وجهي ليرى وجهه ، يتذكّر ، يقاوم ، ينهار ، يسقط . يموت مرة أخرى ، ينهض من الموت ، يتأمل الأمتار القليلة التي يمكن ان تُرى عبر الشبابيك ، يلامس حبات الرمل المتسربة في كل مكان ، يريد ان يصرخ ، ان يموت تماماً..
لقد مات صديقي ، انه شهيد !! هكذا تحدث الأخرين ، لا أحد يتامل في الناحية الاخرى ابدا ، أنا الأن أفكر فيها حقا .. لماذا مات ، لقد مات وهو ينوي العودة الى أهله ، كان ذاهبا للبحث عن عمل كما أخبرني.
يوجد المئات كهذا الشاب بل الألاف ، الحرب لم تنتهي ، لن يتركوكم ، الحرب لا تنتهي ، لن يتركوكم ، عليكم ان تختاروا ، إما هم أو أنفسكم .. لا تنخدعوا بهم لتضيعوا أنفسكم ، لا تدعوهم يدفنونكم ، عودوا الى منازلكم ، الى أهلكم وأصدقاءكم ، لازلتم لم تعرفوا الحياة بعد ، لا زال أمامكم الكثير من الطيش والغرور ، عودوا لأجل من يفكرون بكم كل يوم ، لقد إنتهت المعركة بالنسبة لكم ، لا شك انكم ستعودون لفقركم المخيف ، ستشاهدون التعساء يتجولون أمامكم وحولكم لكنكم بالرغم من ذلك بأمكانكم ان تصبحوا أفضل ، لابد ان يأتي يوم يتجمع فيه التعساء في حفلة نجاح كبيرة.
ثقوا بذلك..
عودوا وأخبروا الناس كل شيء ، إكسروا قاعدة التعتيم المفروضة على الشباب ، أخبروهم الحقيقة ، لا تحرموا الناس من معرفة هذه الحقيقة ، انتم حقيقة الشعب والناس ، لم يفت الاوان بعد ، صدقوني.
يجب ان يعود الجميع.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.