لا تقمعوا القلم الذي توهج من أجلنا .. خالد سلمان يعود إلينا
يمنات
حسن عبد الوارث
حين تكون الكتابة قَدْرك و قَدَرك و معاناتك اليومية حدَّ الاِدماء، و تكون راحلتك و رحلتك و الزاد و الماء..
حين تكون الكتابة بوصلتك الهادية لخطوتك الحادية صوب نبع الشمس و ضفَّة الظلال، و قنديلك المنير في دروب الشك و مروج الاِفك و ليل الضلال..
حين تكون الكتابة أنت وحدك دون سواك، و تكون هويتك و هواءك و هواك..
حينها – حينها فقط – لابُدَّ من أن تكونها .. لابُدَّ من أن تعود اليها لتصونها .. فأنت لا أنت دونها..
و هذا ما أدركه جيداً حدَّ الاِيمان، خالد ابراهيم سلمان.
…
قرَّر خالد يوماً أن يتوقف عن الكتابة (أم تراني أقول: قرَّر أن يتوقف عن النشر) تحت وطأة ظرف شديد الحلكة، اِثر أن قرَّر اللجوء إلى لندن في نوفمبر 2006 ، حاملاً على كاهله 14 إحالة على محاكم صنعاء في قضايا نشر و رأي و موقف سياسي.
و برغم أن اِبتعاده عن المكان الذي عانى فيه من التضييق على قلمه و التطويق لرأيه و الخنق لفكرته، من شأنه أن يغدو دافعاً دافقاً لانطلاقه في رحاب الحرية و سماء الاستقلالية و ضفاف الانعتاق، الاَّ أن غياب البيئة المادية و السياسية و النفسية التي تشهدها قضيته كان – في رأيي – كابحاً لهذا الانطلاق و ذاك الانعتاق..!
…
حين انتقل زمام السلطة من يُسرى النظام الى يُمناه – بعد فبراير 2012 – توجهت دعوات من بعضنا الى أطراف نافذة في منظومة السلطة، و الى قيادات في الحزب الاشتراكي، تحُثُّهم على دعوة خالد إلى العودة و العمل من الداخل، و قبلها ينبغي اطلاق راتبه الذي انقطع اثر رحلة لندن. و لكن لا صدى..!، بالرغم من تسهيل عودة و عمل آخرين..!
و لمّا جدَّت التحضيرات لعقد مؤتمر الحوار الوطني، تجددت الدعوات – للأطراف ذاتها – لضمّ خالد إلى قوام عضوية هذا المؤتمر. و مرةً أخرى: لا صدى..!، و أيضاً بالرغم من ضمّ آخرين من المقيمين في الخارج – لأسباب سياسية أو نفعية أو شخصية – ممن هم أقل مكانة و قيمة من أبي عمرو..!
و لا تدري ما الذي دعا قيادة الحزب الاشتراكي و أحزاب اللقاء المشترك الى الاحجام عن التعاطي مع قضية خالد بإيجابية لازمة و واجبة و مفترضة، و هو الذي حطّ رأسه قنطرة لعبورهم المشؤوم..! .. أما السلطة فلم يكن موقفها مثيراً للدهشة باعتبارها امتداداً طبيعياً لما قبلها في منظومة النظام الذي ظل كل تغيير مفترض في مفاصله ديكورياً محضاً..!
…
ظل الرفاق و الأصدقاء و الزملاء يتساءلون، مثلما ظل القراء يتساءلون، عن السرّ وراء اختفاء قلم خالد..؟ و عن الموعد الذي سيُنبئ بعودة هذا القلم..؟ و هل سيعود قريباً، أم سيطول ذاك الغياب..؟
غير أن الغياب طال لثلاثة عشر عاماً. و حين عاد خالد، مؤخراً، تساءل عدد من القراء الشبان: من هو هذا الـ”خالد” الذي تزفُّون لنا بشرى عودته بكل هذا الاحتفاء..؟
يا الهي..! … ان ثمة جيلاً يا خالد لا يعرفك .. لم يقرأ لك من قبل .. يتساءل بدهشة عن سرّ غبطتنا الغامرة بعودتك إلى ساحة الكلمة و الرأي و الموقف..!
حينها أدركنا أن تلك الأعوام الثلاثة عشر كانت عُمراً فادحاً، هو عُمر جيل كامل، هو الجيل الذي يُثير اليوم أسئلة الوطن بحماس مقرون بوعي، و يبحث عن اجابات لهذه الأسئلة أيضاً بحماس مقرون بوعي، على نحو أكثر روعة مما كان يصنعه جيلنا يا خالد.
…
في حديثي معه، اثر عودته الأسبوع الماضي، كان خالد يعاني – و بالضرورة – من توتُّر هذه العودة و اضطراب تداعياتها و قلق تجلياتها. فهو يعود بعد انقطاع طويل، و في ظل واقع سياسي و اجتماعي و ثقافي و اعلامي جديد، عدا وطأة الظروف و المفاعيل القاهرة التي خلقتها معارك و قلاقل و أحداث مأساوية لم تزل تتواتر على أرض الواقع و في تلافيف الوجدان حتى هذه اللحظة.
و قد فوجئ خالد بالبعض يُشكِّك في هوية هذا العائد الى فضاء الكتابة بعد نأي، باعتقادهم أن حساب الفيسبوك المتداول باِسمه مُزوَّر بأيدي أجهزة الأمن الاليكتروني..! . و راح البعض يهاجمه بل يرفع لافتة تقول “ليتك لم تعد” .. مرةً لأنه قال كلمة طيبة في حق زميلته في الحرف و رفيقته في النضال توكل كرمان .. و مرةً أخرى لأنه قال كلمة أطيب في حق المختلفين مع الآخر الوحدوي، من الرافعين شعار “حق تقرير المصير للشعب الجنوبي” .. و مرةً ثالثة لسببٍ ثالث من الأسباب التي تُغضب هذا و تُرضي ذاك..!
تحت وطأة هذه الضغوط القاسية، قال لي خالد أن عودته هذي “حلاوة روح بعد بيات شتوي طويل .. و ربما هي عودة لن تطول”..! .. قلت له انظر الى حجم ردود الفعل الايجابية الساحرة لدى غالبية الناس الذي تعاطوا مع هذه العودة، و اقرأها جيداً و أنت خير من يستطيع قراءة أحاسيس الناس و استشعار نبضهم . فاذا به يردّ: “سأفعل، حسن. و اِنْ مُتُّ قهراً، اعلم أنك السبب” و ضحك.
…
عاد خالد، لاجئاً هذه المرة إلينا. فلا تقمعوا القلم الذي توهَّج من أجلنا، و كافح حدّ التضحية في سبيلنا، بل احتضنوه بكل الدفء و الثقة و المحبة.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.