ابو الروتي
يمنات
عبد الكريم الرازحي
كان اخي الكبير سيف الذي انفق سنوات شبابه في العمل خبازا عند مُلّاك المخابز في المدينة عدن قد تحرر من عبوديته لارباب العمل وفتح له مخبزا في المنصورة قريبا من العمارة الكبيرة التي اشتهرت باسم “قصر المنصورة”لكنه وهو يحرر نفسه حررني انا الآخر وكانت فرحتنا بالخبز والحرية عظيمة.
فالخبز الذي سوف نعجنه بعرق جبيننا هو خبزنا وهو ملكنا ونحن الخبازين الاحرار
وفي مخبز المنصورة الذي اصبح ملكنا تقاسمنا العمل بيننا
هو يصنع الخبز وانا اصنع الكيك والبسكويتات بأنواعها.
كنت حينها في صف سادس ابتدائي كلية بلقيس لكن وانا في طريقي الى الكلية كنت امر بتجربة صعبة تتكرر يومياوتبعث في نفسي شيئا من الالم وشعورا بالاحباط ونفورا من الدراسة ومن المدرسة.
و كثيرا ما كنت اتغيب حتى لاامر بتلك التجربة المرهقة لمشاعري واعصابي ولشدة ماكنت اعانيه اثناء ذهابي الى المدرسة تمنيت لوان اخي سيف بقي خبازا من دون مخبز.
كان اولاد حارتنا واولاد الحارات الاخرى يعرفونني
ويعرفون من اكون
كانوا ياتون يوميا واحيانا اكثر من مرة في اليوم الى مخبزنا لشراء الروتي ويجدوني هناك بانتظارهم
ايامها كان مخبز نا هو المخبز الوحيد في الحي الجديد حي المنصورة وكنت انا ابو الروتي الوحيد
والوحيد الذي يقترف جريمة يومية هي جريمة الذهاب الى المدرسة
كانوا كلما ابصروني ماضيا باتجاه المدرسة ولابسا الزي المدرسي توقفوا يشيرون الي ويتحرشون بي وينادونيي ساخرين ومتهكمين :
-يابوالروتي .. اين رايح يابوالروتي ؟
إندكُّو ابو الروتي .. شفتم ابو الروتي .. ابوالروتي رايح المدرسة ..ابو الروتي يدرس
كانت نداءاتهم تلك ومايصحبها من ضحكات وقهقهات
توجعني وترهق اعصابي وتثير غضبي وكنت احيانا ولشدة مايعتريني من شعور بالقهر اضع حقيبتي جانبا ويضعون هم حقائبهم وتبدأ حصّة الاشتباك.
اكثر من مرة كنت اصل المدرسة بوجه ملطخ بالخدوش وبزي مدرسي ممرغ بالتراب وكان ذلك يلفت انتباه المدرسين والمراقبين ويعرضني لكثير من اللوم والتوبيخ.
وحتى لومرالذهاب الى المدرسة بسلام ولم يحدث اي نوع من الاشتباك فقد كانت نداءاتهم وسخرياتهم وضحكاتهم تثير اعصابي وتجعلني داخل الفصل في حالة تشتت ..
المدرس يشرح وانا هناك في الطريق الى المدرسة مع اولاد المنصورة وراسي مليئ باصواتهم :
-يابو الروتي يابو الروتي
كنت وانا اسمعهم ينادونني يابوالروتي اوحين اراهم يشيرون الي ويضحكون اشعر لكأن اصواتهم وضحكاتهم واشاراتهم خناجر وسكاكين تنغرز في خاصرتي.
وكنت كل ليلة قبل النوم اتمنى ان استيقظ من نومي على صباح بلامدرسة او بدون مخبز لكني كل صباح كنت انهض الرابعة صباحا وعيناي مثخنتان بالنعاس لاكتشف من حرارة الفرن ان المخبز موجود والمدرسة موجودة وانني مازلت ابو الروتي.
*بعد الاستقلال اطلق اخي على مخبزه : مخبز 14 اكتوبر
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.