امريكا وزلزال سياسي في المنطقة
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
هل هناك مبالغة في دور سليماني (الدور الامني والاستخباراتي والعسكري ) فمثل دوره يشغله افراد عديدون في كل الدول ..ربما هو نجح كثيرا لكن ليس وحيدا في مهمته ودوره وبالتالي يمكن القول بوجود مبالغة من ان غيابه عبر ضربة امريكية سيحدث زلزال سياسي وامني في المنطقة .
وللعلم ايران كانت تتوقع حدوث هذا الامر من سنوات بل وخلال السنة الاخيرة تحديدا اقصد 2019 ..بشكل عام المنطقة دخلت مجال الزلزال السياسي منذ حرب الخليج 90 ومع سقوط بغداد 2003 والاحتلال الامريكي وما اعقب ذلك من متغيرات سياسية وامنية وعسكرية واعادة ترتيب المنطقة سياسيا ووضع قواعد جديدة للعبة سياسية اهم اطرافها امريكا وحلفائها في القارة العجوز ويأتي بعد ذلك الدور الايراني ثم التركي خاصة مع ظهور داعش وما احدثته من اهتزازات سياسية محلية سرعان ما امتد تاثيرها للخارج الدولي .
سليماني كان على راس قائمة اهداف للمخابرات الامريكية من سنوات سابقة السؤااااال لماذا الان قررت الادارة الامريكية التخلص منه ..هل الامر يرتبط بالداخل الامريكي وطبيعة الصراع بين ترامب وخصومه في الحزب الديمقراطي الذين عملوا على وضع مسوغات لعزله وهو على اعتاب مرحلة انتخابية يطمح بالتجديد لولايته ومن هنا يريد نصرا خارجيا يستخدمه كورقة سياسية وهو الذي اعتمد اتجاها شعبويا نحو الناخب الامريكي ..ام ان الامر -اضافة الى ماسبق – اراد منه دفع ايران بقوة نحو الحوار -التقارب- مع الاجندة الامريكية في المنطقة دون السماح لها بالانفراد في اللعبة السياسية داخل العراق وسوريا وتدخلاتها الاخرى .. علما ان الادارة الامريكية قد تسمح لبعض الدول الاقليمية من لعب ادوار محدودة سياسيا وامنيا لكن بمعرفتها ولاتحمل توجها لتغييب امريكا او مناهضة وجودها وادوارها لانها تعتبر اللاعب الرئيس في المنطقة..
ومن هنا هذه العملية التي غاب معها سليماني تحمل رسائل كثيرة لايران تحديدا ووكلائها في المنطقة ولاوربا التي تتحفظ على الدور العسكري الامريكي وللصين التي تدخل في معركة كبيرة مع امريكا اقتصاديا وللمنطقة كلها مفادها بان الفصل قبل الاخير من اعادة ترتيب المنطقة وفق المنظور الجيو سياسي -والاستراتيجي سواء تحت مفهوم الشرق الاوسط الجديد او اسم اخر تحتكر امريكا فيه صناعة السياسات والاستراتيجيات وان الاخرين يسمح لهم بالحضور ضمن الاجندة الامريكية فقط ودون ذلك عظ الاصابع وكسر العظم من ضربات عسكرية واستخباراتية اصبحت جاهزة ومحددة الاهداف سلفا ..
من المؤكد ان هناك رد ايراني تجاه اهداف امريكية داخل العراق اوفي سوريا وفي افغانستان وربما في اماكن كثيرة علما ان كثير من مواقع الجيش الامريكي في المنطقة يقع في مرمى الصواريخ الايرانية وهذا امر معروف لكن الاكثر اهمية ليس قدرة ايران على الرد بل الرد الامريكي على ما ستفعله ايران والذي قد يفوق ما حدث سابقا تجاه سليماني واخرون من الحشد الشعبي العراقي ..لكن هذا الامر ايضا له فوائده اقتصاديا للخزينة الامريكية وللرئيس ترامب وهو على بداية مسار انتخابي جديد لان دول المنطقة واقعة تحت مخاوف انتقامية قد تتسع لحرب اقليمية محدودة او تتسع نحو تهديد فعلي مباشر لبعض الانظمة السياسية كالسعودية والامارات تحديدا .
امريكا قالت للعالم انها لاتزال القوة الاكبر والقائدة في القرن الحادي والعشرين وليس صحيحا انها تسلم الراية لاوربا او للصين ولن تسمح بظهور قطب او اقطاب اخرى منافسه كما كان الاتحاد السوفييتي سابقا ولن تسمح بذلك وهو الهدف الذي عبر صامويل هانتجتون منذ عشر سنوات بان القرن العشرين كان اوربيا مع حضور امريكي لكن الالفية الجديدة تعلن تفرد امريكا بزعامة العالم ومن هنا نفهم الغطرسة الامريكية التي تعكس غرور التفرد بالقوة والزعامة ومن ثم فلامجال للاعبين في الفضاءات الاقليمية دون اخذ موافقة من الزعيم الامريكي الذي قد يسمح لحلفائه بلعب ادور محدودة وفق اجندته او بمعرفته وامثلة ذلك الدور السعودي في اليمن ، الدور الباكستاني في افغانستان ، الدور الايراني في العراق وجوارها ،التنسيق المستمر مع روسيا في ادوارها الجديدة داخل منطقة الشرق الاوسط ،مع رعاية كبيرة ودائمة للدور الاسرائيلي .
ومن يراقب واقع الازمات الراهنة في المنطقة يجد الدور الامريكي واضحا وجليا ومباشرا مثال ذلك دورها المناهض لثورات الربيع العربي ، عسكرة المنطقة والخليج خصوصا ، دعم دول اقليمية غير عربية بلعب ادوار محدودة داخل الفضاء الجغرافي العربي ( ايران ، تركيا ، اسرائيل ، اثيوبيا ..).. وللعلم ايضا مفتاح الازمات الراهنة في عموم المنطقة العربية وفقا لما يسود فيها من تشظي سياسي ومجتمعي وتدخلات كثيرة هذا المفتاح لبدايات الخروج من كل هذه الازمات لن يكون الا بالموافقة الامريكية اولا والتنسيق مع حلفائها من اوربا والصين وروسيا على توافقات واجندة تستهدف تعزيز الاستقرارالسياسي خدمة للمصالح الامريكية الاوربية التي يطلق عليها اسم المصالح الدولية .. ..ولكن ..كيف وباي صورة وشكل سيتم هذا الاستقرار .؟ هنا السؤاال المهم الذي قد يؤسس في حالة غياب الدور العربي كمنظومة او داخل كل بلد الى فوضى اكثر تدميرا مما سبق ومن هنا لابد من ادوار عربية (مجتمعة ومنفردة ) وفق محددات وطنية وحداثية تعيد الاعتبار لبناء الدولة العربية وتفعيل مؤسساتها ضمن توافقات سياسية تعزز من المسار الديمقراطي والتنموي وتحقيق اعلى درجات التنسيق والتكامل وفق مصالح اقتصادية وسياسية وليس ارتباطات مذهبية وطائفية ..فهذه الاخيرة واحدة من عوامل الازمة الراهنة التي يكون الخروج منها برفض الطائفية والمذهبية وبناء دولة المواطنة ..وبرفض التدخلات الدولية التي تغيب معها السيادة الوطنية ..
ايران قد ترد على امريكا وسوف تستفيد كثيرا من هذا الحداث سياسيا داخليا وخارجيا خصوصا في اطار علاقاتها مع اوربا واعادة النظر في الاتفاق النووي ..لكن المنطقة العربية كيف تتعامل مع هكذا متغيرات واحداث تلقي باثارها ومخاوفها الامنية والعسكرية وفق صراعات اظهرت ان دول المنطقة غيرمستعدة لها ..ومن هنا فان اعادة الاعتبار للدولة الوطنية العربية وتعزيز شرعيتها ومزيدا من التنسيق العربي من شأنه تعزيز مجالات القوة والمواجهة للازمات الراهنة وتلك التي ستظهر في الايام القادمة ولن يكون ذلك الا باعتماد رؤية استراتيجية وطنية وقومية تتضمن ادراكا ووعيا تجاه متغيرات كبيرة ولاعبون اكثر قوة دوليا واقليميا وابتكار اساليب وطرق متعددة للتعامل مع كل الاطراف والقوى ضمن منطق المصالح المتبادلة دون التفريط بالسيادة والكرامة الوطنية.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.