فضاء حر

الطغاة .. وعقدة النقص

يمنات

‏أيوب التميمي

نحن الذين نصنع الطغاة، نصنعهم بقوة الخوف الذي يسكن في قلوبنا ، وبالشكوك التي تحتل عقولنا ، وبالخنوع الذي يمتص وجداننا ، وبالكسل الذي يشل أطرافنا..

والطاغية لا يولد من العدم ، وإنما يولد من رحم الجهل والفقر والمرض، وكما في قوانين التنمية إن الثراء يولد الثراء والتخلف ، يولد التخلف والطغيان ليس سوى شكل من أشكال إعادة إنتاج التخلف في النظام السياسي الحاكم المستبد الذي يكرس التخلف بدوره ويزيده رسوخا بقوة الطغيان ،وهو يستخدم سيطرته المطلقة، تبدأ من القمة وتنهي بالطفل الصغير الذي يمارس طغيانه على قطة في الشارع.

تبدأ من تلقي المحافظ اتصالا طارئا يتغير به لون وجهه يمتعض، لقد كان ذلك مشرف المحافظة، على الجهة الأخرى، يوبخه على أتفه الأسباب ، كونه في موقع القوة ،التي تسانده ، ولكي يشبع رغبته ونقصه النفسي، في ممارسة الطغيان والاستبداد..

حينها يشعر المحافظ أن كرامته قد أُهينت ،ولا بد من استرجاعها ،و الانتقام لعقدة النقص التي يشعر بها ، فيتصل على الفور بأضعف مدير عام يصرخ في وجهه، يصب عليه جام غضبه ، ثم يخبره بقراره إذا لم يمارس مهامه بالشكل المطلوب فسوف يتم تغييره..

هكذا عباطة وهنجمة فارغة.. المهم أنه أخرج غيضه فوق الحلقة الأضعف .

لم تنته القصة هنا ،فقد شعر المدير العام، أن هنجمة المحافظ باطل وظلم واستبداد .وأن هذا الظلم لابد من إيقافه فالناس ليسوا عبيداً عندهم ،يعود المدير قافلاً إلى بيته وهو حانق تتراقص الشياطين أمامه، يدخل بيته ويفتعل شجارا مع زوجته ويشتمها موجها لها شتى التهم، ثم يفرض ظلمه وهنجمته عليها ويصدر عدة قرارات في حقها ، عدم زيارة الجيران ،مافيش خروج كل يوم، وعليها الالتزام بقرارته مالم بيت أهلها.

تدخل المسكينة وهي في حالة غليان غرفة ابنيها فيشتعل صراخها ويطّرد توبيخها، وتضربهما بما تقع عليه يدها.

يخرج الابن المراهق إلى الشارع، يجلس على حافة الطريق يدخن السجائر ويراقب السارح والمروح، تمر من أمامه فتاة شابة، يقفز فورا من مكانه ويلاحقها، ملقيا على سمعها شتى عبارات التحرش والكلام القبيح.

أما أخوه الصغير ، فيخرج إلى الشارع ويرى أمامه قطة صغيرة. يلحقها ثم يمسكها من ذيلها ويلوح بها كما يلوح راعي البقر بالحبل، ثم يرميها بعنف في حاوية القمامة.

تلك مشاهد يومية من حياتنا لا نفتأ نشاهدها. وإن أردنا توصيفها وتصنيفها، فسيكون من الخطأ وضعها تحت خانة التصرفات الفردية وردود الأفعال السطحية، بل يقبع خلفها علم كامل في علوم الاجتماع يعنى بسيكولوجية الإنسان المظلوم، الإنسان الذي صار مادةً لسلطة الآخرين وتسلطهم.

هي إذن منظومة كاملة من ردود الأفعال النفسية التي يتعرض لها أفراد المجتمع نتيجة خضوعهم لسلطة تتحكم في رغباتهم وحاجاتهم وتفرض عليهم نفوذها وسيطرتها، فتتغير وفقها نظرتهم إلى أنفسهم ومن حولهم والمحيط الذي يعيشون فيه.

إن استخدام الإنسان المظلوم للعنف في حق غيره، هو طريقة يسلكها دون وعي لإثبات ذاته، وسعيٌ لا شعوري نحو إيجاد معنى له بعد أن سُلب منه.

تتجلى تلك الممارسات كردود أفعال لما يسمى عقدة النقص، فالإنسان الذي يخضع للأقوى، يشعر بأنه في ضعف دائم، وأنه مهدد الكرامة، عديم المعنى وفاشل حتى في الحصول على أبسط حقوقه والتعبير عن ذاته، فيتولد في داخله ضغط نفسي عظيم، يُصرف في إحدى حالين: إما انكفاء وتقوقعا على الذات، أو انفجارا على شكل عنف يُصدّره إلى الخارج، ويترجَم إلى ممارسات عدة، كممارسة السلطة على الأضعف، واستخدام العنف، والاستعداد الدائم للمناوشات، والخطاب اللفظي الحاد والدائم التوتر، والأمثلة على ذلك وافرة، فقد يكون خلاف بسيط على إشارة مرور سببا في جريمة قتل. أما إذا لم يجد ذلك المستضعف من هو أضعف منه، فيبدأ بممارسة طغيانه على الحيوانات والممتلكات وكل ما لا يقاوم تسلطه.

إن استخدام الإنسان المظلوم للعنف في حق غيره، هو طريقة يسلكها دون وعي لإثبات ذاته، وسعيٌ لا شعوري نحو إيجاد معنى له بعد أن سُلب منه. فتدفعه رغبته بالشعور بالقوة والاحتياج لكيان مرئي إلى ممارسة الطغيان على من هو أضعف منه. وذلك هو جواب السؤال القائم أبدا، كيف يمكن لمن تعرض للظلم بأن يظلم؟

لا بد لنا أن ندرك ذلك التفاعل النفسي فينا حتى نصبح مجتمعات أرحم وأقوم. وألا نسمح للطغيان الواقع علينا بأن يحولنا إلى طواغيت صغيرة تمارس سلطتها على الأضعف، فنُجرّ إلى دوائر من العنف لا تبقي ولا تذر…. من البديهي أن يكون زوال هذه الظواهر بزوال الظلم نفسه، لكن الوعي هو السد الذي سيمنعنا من الانفجار والانحدار حتى ذلك الحين، فلن يزيدنا الانجرار سوى فتكا في إنسانيتنا ونخرا في تعاضد مجتمعاتنا ..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى