أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

نص احاطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في اليمن الثلاثاء 18 فبرائر/شباط 2020

يمنات

شكرًا سيدي الرئيس وشكرًا لأعضاء المجلس،

نشهد اليوم في اليمن ما كنا نخشاه منذ وقت طويل، فمنذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قدمت عدة إحاطات لهذا المجلس نقلت لكم فيها بوارق الأمل التي بدأت بالظهور و زخم التقدم نحو السلام. لكن، في الوقت نفسه، كنا دائمًا على دراية تامة أن تجدد العنف قد يبطل تلك المكاسب و يزيد من صعوبة التوصل إلى السّلام و يزيد من حدة التبعات الإنسانية التي يتحملها اليمنيون.

و خلال الشهر الفائت، منذ التقينا آخر مرة، شهد الوضع العسكري تدهورًا كبيرًا، مع إعلان جانبي النزاع عن أهداف عسكرية موسعة و تبادلهما للخطابات المؤججة. و تركزت أكثر أحداث القتال عنفًا في مديرية نهم بمحافظة صنعاء، و في محافظات الجوف و مأرب و صعدة. و حتى خطوط الجبهات التي عمَّها الهدوء لعدة أشهر مضت فقد التم الزج بها في التصعيد. و كذلك، تزايدت التقارير حول الضربات الجوية و الهجمات الجوية العابرة للحدود بشكل ملحوظ.

أشعر بالحزن العميق، و يجب علينا جميعًا أن نشعر بالحزن، بشأن التقارير التي تفيد سقوط العشرات، و ربما المئات، من الضحايا من المدنيين، و نزوح العائلات، و تضرر المدارس و المستشفيات. ما زالت النِّساء و الأطفال هم الأكثر تأثرًا بالكثير من الاعتداءات، كما يستمر الصحفيون و ناشطو المجتمع المدني في مواجهة ضغوطات و قيود شديدة على نشاطاتهم و على منشوراتهم.

و قد أكدت لي الأطراف إيمانهم بالحل السياسي السلمي لهذا النزاع عدة مرات، سيدي الرئيس، لكننا لا نستطيع النظر للسلام على أنَّه أمر مفروغ منه، بل يتطلب تحقيقه التزامًا مستمرًا و رعاية للعملية السياسية. إلّا أن هذا التصعيد الذي وصفته يتعارض بشكل مباشر مع رغبة الأطراف في المضي قدمًا في ذلك الاتجاه.

إن قيادات طرفي النزاع لديهم القدرة على كبح العنف، و خفض التصعيد الخطابي، و الالتزام بتهدئة أكثر استدامة، و يتحمل الطرفان المسؤولية عن تحقيق تلك الأهداف. فقبل التصعيد الأخير، و كما أحطت المجلس سابقًا، كان الطرفان قد خفَّضا الضربات الجوية و الهجمات الجوية العابرة للحدود إلى حد كبير. و كان لتلك التهدئة أثر فوري و إيجابي في زيادة احتمالات تحقق السلام، و يمكن أن يصبح للتهدئة نفس الأثر مرة أخرى إذا التزم بها الأطراف.

يقلقني أيضًا، سيدي الرئيس، أنَّ أعمال التصعيد قد تهدد التقدم الذي تم إحرازه في الحديدة حيث أصبح الوضع هناك عرضة لخطر الارتفاع في وتيرة العنف. فكان الطرفان قد توصلا في كانون الأول/ديسمبر 2018 إلى اتفاق الحديدة في ستوكهولم بناءً على الأهداف المشتركة الرامية إلى تجنيب المدينة للعمليات العسكرية، و ضمان مرور السلع الإنسانية و التجارية عبر تلك الموانئ الثلاثة. و لا ينبغي أن تغيب تلك الأهداف عن أنظارنا.

أدى التصعيد في الجبهات الأخرى إلى زيادة التوتر و التقلبات في الحديدة، إلّا إنه لم يؤثر كثيرًا على الوضع العسكري الكلي فيها إلى الآن. و تعمل بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة (أونمها) جاهدة للمحافظة على التعاون بين الطرفين بالرغم من استمرار التحديات العملية و القيود المفروضة على حرية الحركة و التنقل. إلا إنني أخشى أن تواجه الجهود الرامية للحفاظ على التهدئة في الحديدة لتحديات بسبب التصعيد في الجبهات الأخرى، و أن يؤدي ذلك التصعيد إلى تشتيت انتباه الأطراف عن تنفيذ اتفاق الحديدة.

السيد الرئيس،

رغم الوضع العسكري المتدهور بشكل متواصل، فقد أحرز الطرفان تقدمًا ملحوظًا في جهود بناء الثقة و تخفيف معاناة اليمنيين. فقد اجتمع الطرفان في عمَّان بين العاشر والسادس عشر من شباط/فبراير “الجاري”، و اتفقا، في السادس عشر من شباط/فبراير على تبادل الأسرى و المعتقلين وفق الآلية التنفيذية التي تم التوصل إليها في اتفاقية ستوكهولم قبل أربعة عشر شهرًا، و هو تعبير عن التزام ثابت من قبل الأطراف أمام العائلات بأن يتم لم شملهم مع أحبائهم. و هي إشارة بأنَّ الطرفين مستعدان للمضي قدمًا و الاستمرار نحو الإيفاء بالتزامهما بإطلاق سراح جميع المحرومين من حريتهم على خلفية النزاع في النهاية على أساس مبدأ الكل مقابل الكل. و أثني بشدة على حكومة اليمن و أنصار الله على مشاركتهما الإيجابية و على تقديم التنازلات التي يقتضيها إحراز التقدم. لقد كنت موجودًا أثناء تلك النقاشات، و كان المناخ المواتي لتقديم تلك التنازلات موجودًا بالتأكيد. و أتقدم بالشكر أيضًا للتحالف، بالطبع، و للمملكة الأردنية الهاشمية أيضًا لاستضافتها لذلك الاجتماع. ونتطلع جميعًا إلى تنفيذ عمليات إطلاق السراح التي تم الاتفاق عليها في أقرب وقت ممكن. يجب أن أضيف أننا فخورون للغاية بشراكتنا مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر و التي كان لها قيمة و فائدة عظيمة في هذا الصدد.

تأتي هذه الخطوة الإيجابية، سيدي الرئيس، بعد إطلاق أنصار الله لسراح ثمانية وستين فتى بدعم من زملائنا في اليونيسيف كان قد تم احتجازهم أثناء العمليات العسكرية. و يتلقى هؤلاء الفتية الآن الرعاية المؤقتة، و يجري العمل على إعادة لم شملهم بأسرهم. و أشَجِّعُ أنصار الله على الاستمرار بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة لإحراز التقدم في معالجة قضية انتهاكات حقوق الطفل.

وإضافة إلى ذلك، انطلقت أول رحلتان للجسر الطبي الجوي في النصف الأول من شهر شباط/فبراير و نقلتا ثمانية و عشرين مريضًا من صنعاء لتلقي الرعاية الطبية خارج اليمن.

و أود أن أشيد مجددًا بالتزام الطرفين و بدعم المملكة العربية السعودية لهذا الإجراء الإنساني. و إنني ممتن أيضًا للمملكة الأردنية الهاشمية، و لحكومة جمهورية مصر العربية التي ستستقبل المزيد من المرضى.

و رغم بارقة الأمل المهمة، بالرغم من صغرها، التي نراها في ذلك الجسر الطبي، ما زال آلاف من المرضى في صنعاء بحاجة إلى الرعاية الطبية خارج البلاد لعدم توفرها في الداخل.

و لابد من استمرار عمل الجسر الطبي الجوي بشكل منتظم من أجل مصلحة هؤلاء المرضى، و ليس فقط كحل مؤقت. أنا على دراية بأن صديقتي ليز غراندي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في  اليمن، السيدة ليز غراندي، و ألطاف موساني، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن يعملان بجد على تحقيق ذلك. و أنا متأكد أنكم تشاركوني الأمل أن تنجح تلك الجهود.

في العموم، سيدي الرئيس، يوضِّح لنا التقدم الذي تم إحرازه في تلك القضايا و الإجراءات الإنسانية، أنَّه بمقدور الأطراف، حتى في هذا الوقت الصعب، أن يعملوا معًا، و أن يجتمعوا على طاولة واحدة لتخفيف معاناة اليمنيين، و أنَّ الثقة التي بنوها، كما يجب أن نأمل، لم تذهب أدراج الرياح.

إلاَّ أنني أخشى، كما يظهر من تلك الإحاطة، أنَّ هذه الثقة و تلك العلاقات قد بدأت تواجه حالة متزايدة من الهشاشة.

السيد الرئيس،

يقلقني جدًا، ضعف التقدم فيما يتعلق بالتعامل مع التهديد الذي يشكله وضع ناقلة النفط صافر و الذي ناقشناه في هذه القاعة من قبل، حيث يزيد تدهور الحالة العامة للناقلة يومًا بعد يوم.

و إذا ما حدث أي خرق في الناقلة، فإنَّ ذلك يُنذِرُ بتسرب النفط منها بكميات تقدر بما يزيد عن مليون برميل إلى البحر الأحمر مما يمثل كارثة بيئية و اقتصادية لليمن و لجيرانه. و نحن جميعًا في حالة تأهب قلقًا من احتمالية وقوع تلك الكارثة.

و لا بد من التعامل مع ذلك التهديد، و الذي نناقشه في كل زيارة نقوم بها لصنعاء، على أساس تقني بحت بعيدًا عن التسييس. و الأمم المتحدة ملتزمة و مستعدة لإرسال خبراء فنيين موضوعيين لإجراء تقييم عام للناقلة و بدء الإصلاحات الأولية، على أن يتبع ذلك مباشرة ترتيبات دائمة للتعامل مع التهديد و لجعل تلك الناقلة آمنة.

و في إحاطتي التي قدمتها في شهر آب/أغسطس الماضي، أخبرت هذا المجلس، أنَّ تاريخ إجراء التقييم المذكور قد تم تحديده حسب الاتفاق ليكون في الأيام الأخيرة من ذلك الشهر. لكنَّ ذلك لم يحدث، و يجب أن تبدأ بعثة التقييم عملها فورًا دون قيد أو شرط و دون أي تأخير.

السيد الرئيس،

في الشهور السابقة التي شرفت أثنائها بخدمة الأمين العام للأمم المتحدة و هذا المجلس من خلال هذا التكليف، كل ما سمعته من القادة اليمنيين أثناء تلك الشهور يشير إلى مبدأ جوهري أود أن أؤكد عليه اليوم، ألا و هو أنَّ السلام في اليمن لا يمكن أن يأتي إلا بتقديم كلا الطرفين للتنازلات السياسية من خلال عملية تقوم فيها الأمم المتحدة بدور الوساطة، و هي العملية التي نناقشها في كل لقاء. و لن يكون السلام أمرًا تفرضه الهيمنة العسكرية، لن ينجح ذلك في حل النزاع. و لا بد من أن تكون المشاركة في العملية التي تقودها الأمم المتحدة غير مشروطة. و لا يمكن أن يكون السلام أمرًا ثانويًا بالمقارنة بالحصول على مكاسب على الأرض، خاصةً في ظل عدم إمكانية حل هذا النزاع عسكريًا و هو ما نراه بوضوح في اليمن.

و هنا أطرح السؤال: كيف لنا أن نتقدم نحو إطلاق عملية السلام في نهاية المطاف..؟ إننا نعمل، بتشجيع من هذا المجلس، نحو تحقيق هذا الهدف المرجو و الوصول إلى ترتيبات خفض التصعيد تشمل الجميع.

لكنَّنا ندرك أن خفض العنف وحده ليس كافيًا، كان ذلك هو الدرس المستفاد من الشهرين الماضيين. فنحن نحتاج من الطرفين أن يوحدا مواقفهما حول رؤية مشتركة ليمن ما بعد النزاع بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن المعنية. و ربما حان الوقت، سيدي الرئيس، لنستذكر عناصر تلك الرؤية: و هي حكومة و عملية انتقال سياسي تشمل الجميع بشكل حقيقي، و قطاع عسكري و أمني يحمي جميع اليمنيين، و فرصة لإعادة الإعمار و تنشيط مؤسسات البلاد و اقتصادها، يجب أن يكون هناك قبول أنه على العداوة أن تنتهي، حتى و إن استمرت الخلافات. تلك الأهداف معقولة و قابلة للتحقيق و لا تمثل سرًا. و أنا أصر، سيدي الرئيس، أن الوقت حان لتذكر تلك الأهداف مرة أخرى و أن نأمل أن نرى تلك الأهداف تتحقق قريبًا عندما تتوفر الإرادة السياسية الحقَّة.

السيد الرئيس، يتم اتهامي بفروغ الصبر أحيانًا، و نحن نرى السبب الآن. إنَّ التردد في سَلكِ المسار السياسي يسمح بعلو أصوات طبول الحرب و يزيد ويضاعف من الاستفزازات. و إنَّ كل ما بذلناه من عمل و جهد يواجه اليوم خطرًا عظيمًا قد يأتي على كل ما حققناه. و لا بد للطرفين من أن يُظهِرا الشجاعة التي أعلم أنهم يمتلكونها لتنحية الأهداف العسكرية قصيرة الأمد جانبًا و إبداء التزام مستدام و ملموس و لا رجعة فيه نحو العملية السياسية.

شكرًا جزيلاً لكم سيدي الرئيس..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى