العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. الإرغام على الالتحاق بالكلية العسكرية

يمنات

أحمد سيف حاشد

كان هنالك حرصاً من قبل القائمين على الكلية العسكرية و وزارة الدفاع على ضمان توفير الحد الأدنى من تمثيل المحافظات في صفوف الملتحقين بالكلية، و كان أبناء عدن تحديدا أكثر من يحجمون عن الالتحاق بها، إلاّ في حدود أعداد ضئيلة و قليلة جداً، ربما بسبب مزاجهم المدني الذي لا يميل للسلك العسكري، أو لأن معظمهم ربما لا يطمئن له كمستقبل..

شاهدت في أول يوم و أنا استعد لحلاقة رأسي ثلاث مجموعات من الطلبة و هم يجتمعون على ثلاثة من أبناء عدن ليرغمونهم على حلاقة شعر الرأس (صفرا) و كانت هذه الحلاقة من الشروط الأولية و البديهية للالتحاق بالكلية العسكرية .. و قد ذكّرني هذا الفعل القمعي بالفلكة التي أنزلها الاستاذ على أحمد سعد و عدد من الطلبة على قدماي، عقابا على غيابي و تهربي من المدرسة..

الفارق إن جماعة الإرغام في الكلية استهدفت رؤوسهم لحلاقته، فيما جماعة الفلكة استهدفت قاع قدماي لإلحاق أكبر قدر من الألم زجرا و عقوبة للحيلولة دون التهرب مرة أخرى من المدرسة .. لقد كان الإرغام هو المشترك بين الفعلين.

شاهدت هذا الإرغام بأم عيني، و سمعت صراخ المُرغمين الطافح، و تألمت أن يتم حمل بعض الشباب على الالتحاق بالكلية العسكرية كارهين .. إنه أشبه بالإرغام على الزواج بمن لا تعشق و لا تحب، بل و بمن تعاف و تكره .. وقد ذكرني سماع صراخهم المشبوب بالنار، بصراخي و أنا تلميذ افتلك بالخيزران..

من المجحف أن تُرغم على ما لا تريد، و أن تشرب مما تعاف، لاسيما بعد بلوغ و رشد .. و أي نظام أو سلطة أو حتى رب أسرة يجري تغييب المعني الأول، و اصدار القرار عنه، في خيارات هي من صميم حياته، و تتعلق بمستقبله أو بجانب منه، أمر فادح الإجحاف، لاسيما عندما تتجاهل تلك السلطة إرادة و رغبة و خيارات المعنيين باتخاذها..

كثير من الآباء حددوا بعض خيارات الحياة لأبنائهم في التعليم أو العمل أو الزواج، و لكن أيضا كثير منهم أنتهى بهم المطاف إلى الفشل أو التعثر أو تحقيق نسبة أقل من النجاح عمّا يُرام أو يُفترض، و أحيانا ينقلب بعضهم على تلك الخيارات التي فُرضت عليهم من غيرهم، أو حتى من ظروف الواقع التي حملتهم على ما تريد، و على نحو مغاير لرغبات و تمنيات أصحابها..

أحيانا يقضي بعضهم سنوات في خيارات غير تلك التي كانوا يتطلعون إليها، ثم يعودون بعدها يبحثون عن ذاتهم، و عن خيارات الرغبة التي يريدونها، أو تمنونها يوما و لم يطولوها، و لم يتمكنوا منها سابقا .. و يمكن القول أن المقموع في خيارته، يعيش مُراغما لواقعه، و يكون حصاد تلك الخيارات، ضئيلا أو قليلا أو في مستوى غير مُرضٍ لصاحبه..

إنه لمن الخطاء فرض القناعات و الخيارات على الناس بسطوة السلطة و الغلبة، بعيدا عن إقناعهم و صناعة الوعي المؤيد لتلك القناعات و الخيارات .. من الفادح فرض قناعتك و تصوراتك و اختياراتك على ناس لا يرون ما تراه، أو تفرض عليهم ما تعتقد أنه محل نموذج و مثال، و هو مع الواقع في صدام و تنافر لا يقبل بعضه..

عليك أن تقنع الناس بصواب رؤيتك، و ارفع من وعيهم إن كانوا لا يدركون صوابك أو كانوا يجهلون مصلحتهم، و لا تستخدم سلطتك القمعية و أسلوبك البيروقراطي في فرضها و استمرارها تعسفا على إرادات الناس و قناعتهم..

كثير من الإجراءات القسرية و البيروقراطية التي تعسفت الواقع و قامت بالتهجير و الدمج القسري بين الجماعات أو القوميات أو الشعوب انتهت إلى الفشل بعد أن اهدرت كثيرا من الجهد و الوقت و الامكانيات .. فشلت لأنها أرادت فرض النظريات المتعسفة على الواقع، و الاقتصار و الاعتماد على القمع و الإرغام في تنفيذ تلك السياسات غير العادلة، و التي يكون مصيرها الإخفاق و الفشل، بل و الفشل الذريع الذي حوّل الآمال العراض إلى ردة حضارية بكل المقاييس..

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى