فضاء حر

الحتمية والامكانية والتوافقية وفيروس كورونا

يمنات

أ.د محمد توفيق*

فى احد مقرراتي التى ادرسها لطلابي (جغرافيا – اجتماع – زراعة) بالجامعة اتعرض معهم لموضوع علاقة الانسان ببيئته.

و فى ضوء طبيعة البيئة (صعبة – سهلة) من ناحية، و قدرات البشر وامكانياتهم (ايجابية – سلبية) من ناحية اخرى، و تبسيطا لوجهات نظر الباحثين و العلماء منذ القدم حتى الآن، نقسم هذه العلاقة – علاقة الانسان ببيئته إلى ما يلى:

– الحتم البيئى: و هذا المفهوم يعنى ان البيئة تسيطر على الانسان سيطرة تامة و تحتم عليه اتباع سلوك محدد، و معتنقى هذه الاتجاه ينظرون الى الانسان انه مسير و ليس مخير، و هو بذلك عبد للبيئة و هم يدعمون وجهة نظرهم بالعديد من الشواهد و الأدلة القائمة على سطح الارض و من مؤيدى هذه المدرسة – مدرسة الحتم البيئى ارسطو و هيبوقراط و مونسيكيو و الن سمبل و دارون و بكل و فكتور كيزن و غيرهم.

– الامكانية الاختيارية: و يشير هذا المفهوم الى ان الانسان كائن يستطيع ان يختار و انه ايجابي و ليس سلبي، و انه يؤثر فى بيئته و هو مخير و ليس مسير؛ و يدعمون وجهة نظرهم ايضا بالعديد من الشواهد و الحقائق، و من اصحاب هذا الاتجاه فيدال دى لابلاش و كارل ساور و بومان و غيرهم.

– الاحتمالية / التوافقية: و هى تحاول التوفيق بين المدرستين الاول و الثانىة لكون مؤيديها لا يؤمنون بالحتم المطلق و لا الامكانية المطلقة للإنسان و يؤمنون بأن لكل منهما دوره الذى يتوقف على دور الطرف الاخر و من مؤيدي هذا الاتجاه تايلور و المؤرخ الشهير ارنولد توينبى.

و أصحاب هذه المدرسة يشبهون البيئة كرجل المرور بالنسبة للانسان (Stop and go) أى انها تنظم حركة البشرية؛ و لكنها فى ذات الوقت لا تفرضها عليه فرضا.

و بدون شك أيا من وجهات نظر هذه المدارس الثلاث قد وجه إليه النقد و التحليل و التفنيد من العديد من العلماء.

و حيث انني كنت اطالب من طلابي اختيار مدرسة من الثلاث مدارس سالفة الذكر للانضمام اليها بشرط ان يكون الاختيار مبررا و مدعوما بالأدلة و الشواهد من البيئة العالمية و المصرية و المحلية، و قد كانت اختيارات طلابي تميل فى الاغلب الاعم إلى المدرستين الثانية و الثالثة و قليل منها يقع على المدرسة الاولى – الحتم البيئي..

و قد كنت اعتقد مع طلابي و اشاركهم فى ان الحتم البيئى قد انتهي فعلا و بدون رجعة، لاسيما فى عصرنا المعاصر و ذلك فى ظل ما توصل اليه الانسان من قدرات و امكانيات جبارة على كافة المستويات.

و لكن كما يقال تقدرون و تضحك الاقدار فما نعيشه هذه الايام يشعرني بأن الحتم البيئى عاد و بقوة و مع عودته يتنفس اصحاب مدرسة الحتم البيئى و معتنقيها الصعداء، و رغم فرحتهم بأن وجهة نظرهم تتحقق على ارض الواقع، إلا انهم يشاركون شعوب العالم فى حزنهم على ما نحن فيه الآن متمنين سرعة العودة للامكانية و ما تذهب اليه – لتريح الكرة الارضية من وباء الكورونا – و ان لم يناصروها..!!!

* استاذ في جامعة سوهاج المصرية

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى