العلمانية المؤمنة من جديد
يمنات
حسن الدولة
العلمانية ليست ديناً ينافس الأديان على الوجود و الاتباع، و لا ايديولوجية تنافس الإيديولوجيات؛ و لا فلسفة تعادي الدين و لا تعادي المسلمين، و إنما هي فلسفة في فهم الإنسان نفسه بحرية و عقل أولاً، كما انها – أي العلمانية – فلسفة في فهم الناس مقومات الدنيا التي يعيشون فيها علمياً ثانياً، و إذا فهمت العلمانية على هذا الأساس فالمسلمون أحرار في الموقف منها، و كلا المبدأين حرية الإنسان و عقلانيته و حقه في فهم الدنيا بالعلم هما من مبادئ الإسلام الأساسية، أي أن أسس الإسلام و أسس العلمانية في النظرة إلى الإنسان و الحياة على اتفاق و وفاق، من ناحية الدعوة إلى الحرية الإنسانية و احترام العقل و الأخذ بالعلم و منجزاته، و عدم بناء الحياة على الجهل و الخرافة، كما انها لا تلغي مقومات الحياة الدنيوية و الانتفاع بها على أكمل وجه و أتمه و أحسنه.
و لكن ما ينبغي تجنبه أو الحذر منه أن لا يستبد رجال الدين بتفسيرهم للدين، كما لا يجوز لأحد ان يزعم ان العلمانية ضدا على الدين، بناء على قراءة خاصة به .. و لا أن يستبد مفكر آخر بفهمه للعلمانية على أنها ضد الدين أيضاً، فإذا وجد دين يمنع الإنسان من حريته و عقله فإن العلمانية ضده حتماً، و إذا وجدت علمانية تمنع الإنسان من دينه أو حريته و عقله و علمه فإن الدين الحق ضدها حتماً.
و إذا وجد في العالم الحاضر أو في التاريخ الغابر من الأديان أو مؤسساته التمثيلية ما يجعل الدين ضدا على الحرية و العقل و العلم فهذه حالات خاصة بأهلها و لا يجوز تعميمها على كل الأديان، حتى لو تمت ممارستها من قبل بعض مؤسساتها التمثيلية، سواء أكانت أحزاباً سياسية أم مؤسسات كهنوتية، كنيسة أم حوزات مذهبية أم مشيخة أزهرية أم حركات أصولية أم طرقاً عرفانية…إلخ.، فالتعميم هنا هو الخطر الأكبر، و كما لا يجوز التعميم فلا يجوز القياس القائم على مجرد التشابه في الأسماء أو في الأشكال فقط، كما أنه لا تجوز مصادرة حقوق الآخرين في بيان عقائدهم و فلسفاتهم بوزر غيرهم، فلا تزر وازرة وزر أخرى.
على هذه الأسس استطاعت العلمانية التركية أن تخوض تجربتها العلمانية الحرة و العقلانية و العلمية و هي تؤمن بالدين و الإسلام من دون تناقض بينهما و لا تعارض، و بالأخص في عهد حزب العدالة و التنمية في توظيفه الفلسفة العلمانية بمفاهيمها الأساسية كقوة فكرية تنهض بمقومات المجتمع التركي المسلم من دون اصطناع معارك وهمية بينهما، فهم العلمانية على أنها فلسفة في الحياة إن لم يدع إليها الدين الإسلامي في أسسه و أصولها، فإنه لا يعارضها، بل هو أسبق منها في الدعوة إلى الحرية و العقلانية و العلمية، و في رفض الأفكار التي تلغي حرية الإنسان و تحرمه من عقله و تمنعه من إتباع العلم و اكتشاف الحياة و تسخيرها لمصلحة الإنسان و الناس و البشرية جمعاء.
و إذا جاز لنا أن نصف ما نقصده بالعلمانية مقابل العلمانية التي لا ترعى جميع الأديان، فمن الممكن أن نصفها بالعلمانية المؤمنة، لأنها تدعو إلى ما يدعو إليه الإيمان الحق، فكل دعوة إلى العلمانية على أنها فلسفة ضد الدين الإسلامي ينبغي أن يعلم أنها ليست علمانية صادقة و لا حرة و لا عقلانية و لا عالمة، و هي ليست جديرة بأن تكون فلسفة منقذة في مشروع النهوض العربي الحديث، في مقابل علمانية مؤمنة تملك مقومات المشروعية العلمية و العقلية للنهوض بالدول العربية الناشئة في ربيع الحرية و العقلانية و العلم.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.