رجل استثنائي في زمن الربيع العربي
يمنات
أحمد طه المعبقي
الإهداء : لشباب الثورة السلمية المغيبين قسرا في سجون نظام مابعد الربيع العربي .
أيوب شاهر سيف الصالحي أستاذ التاريخ ، الموهوب في الهندسة الإلكترونية ، والسياسي المحنك والنقابي الفطن ؛ قلما تذكرني شخصية أيوب الصالحي بشخصية علي صالح عباد وكما قيل بأن المواقف تصنع الرجال .. فالنظريات لاجدوى منها إذا لم تنعكس بشكل موقف ، تجسد تتطلعات الجماهير من أجل حياة أفضل ، فالشخصية الإنسانية السوية تتسم برفضها للظلم بغض النظر من هي الجهة التي تمارس الظلم …
تعرضا صالح عباد ، وأيوب الصالحي لتغيب قسري داخل زنازين مظلمة . فالأول غيب داخل أقبية مظلمة من قبل رفاقه في النضال ،من شاركهم الهم الواحد ، والإنتماء السياسي الواحد والمشروع الواحد في صنع أحداث تغيير جذري لحياة اليمنيين في جميع جوانب الحياة ، عرفت بثورة 14 أكتوبر ، وقد كان لصالح عباد ‘مقبل ‘ مواقف مناهضة للأخطاء والمظالم التي صاحبت سلطة القوى الثورية التي عرفت في ذلك الحين (بسلطة الجبهة القومية ).
قضى على صالح عباد سبع سنوات عجاف خلف القبضان – نتيجة لمواقفه المناهضة لأخطاء السلطة الثورية . وبعدها أعترفت السلطة الثورية بأخطاءها عما أقترفته من ظلم جائر بحق ”مقبل” ، مما جعل مقبل صاحب النفس الزكية ، يتسامح مع سجانه ورفاقه . مقابل عدم السماح بتكرير الظلم مرة آخرى ؛ متجاوزا الألم الذي عاشه بالسجن ، بنفس آبيه تنظرإلى مستقبل مشرق ، راميا خلفه كل سلبيات الماضي ، مسجلا أعظم موقف شهدته مرحلة مابعد حرب 94 م .. نعود إلى موضوعنا حول الرجل الإستثنائي في إنتفاضات الربيع .. المغيب قسرا في السجون السرية التابعة لسلطة الأخوان بتعز..
في البدء . ندرك الانتكاسة الى حلت بانتفاضة الربيع العربي لكن ليس موضوعنا الآن في تناول التراجع الذي حصل عقب انتفاضات الربيع العربي . ولكن سوف نسلط الضوء هنا ، حول شخصية ديناميكية لعبت دور كبير في اندلاع ثورة 11 فبراير السلمية ( المختطفة ) .
عقب أختطاف أيوب الصالحي من وسط مدينة تعز 2016 م كتبت صحيفة الحياة اللندنية تحت عنوان ‘ جيفارا الثورة الشبابية السلمية ” بإشارة منها إلى أيوب الصالحي ودوره في صنع الأحداث الأولى لثورة فبراير التي بدات بنكهة يسارية خالصة ..كماهو معروف بأن صورة جيفارا ، أخذت رمزية ” وشعارا ‘ للإنطلاقة الأولى لثورة الربيع العربي ليس في اليمن فحسب بل في جميع الأقطار العربية التي اندلعت فبها انتفاضات سلمية .. السؤال المطروح ماهو الرمزان التي أتخذتها ثورة فبراير في انطلاقتها الأولى ؟ وماعلاقة أيوب الصالحي بهذين الرمزين ؟
شهر يناير 2011 م تم أنشأ حركة شبابية في مدينة تعز. عرفت هذا الحركة باسم شباب نحو التغيير ( ارحل) وكان من أهداف هذه الحركة القيام بحراك جماهيري و المطالبة برحيل أركان النظام من عسكريين ومدنيين ملوثين بقضايا فساد كذلك من اهداف الحركة تخليص الوظيفة العامة والمناصب الرفيعة داخل الدولة من التوريث الوظيفي ..وإيجاد الرجل المناسب في المكان المناسب . اتخذت الحركة مكتب المحامية ياسمين الصبري ، مقرا لها لإدارة اجتماعاتها ، وفي أول اجتماع للحركةتم تزكية بشرى المقطري منسقة وناطقة للحركة. وفي 1 فبراير أقرت الحركة مشاركة أحزاب المشترك المهرجان الذي سيقام في وسط مدينة تعز في ساحة صافر . كما أقرت الحركة بان يكون لها لافتات وشعارات سقفها مرتفع عن سقف أحزاب المشترك ، و كان لا بد من شخص ديناميكي وحركي ، واقترحت حينها اسم أيوب. وكلفت بالتواصل معه فمجرد ما ابلغته ، رحب بالفكرة وأبدأ استعداده بالمهام المناطة به.
في صباح يوم 3 فبراير 2011م خرج أيوب الصالحي باكرا يتجول بسيارته الصغيرة (دباب) بشوارع تعز فاتح أغنية والله ورب العرش مانركع ..(عبرسماعة مكبر الصوت) وكانت صدى اغنية خواجة تهز مدينة تعز.
استمرأيوب يتجول حتى الساعة التاسعة صباحا تقريبا وبعدها اتجه إلى ساحة صافر المعروف اليوم (بساحة الحرية) وكان هناك مهرجان تقيمه احزاب المشترك.
تفاجأت أحزاب المشترك بسيارة أيوب تحمل صور جيفارا ، وسماعة صوتية تتغني بأغاني عبود خواجة.
ارتبكت قادة أحزاب المشترك بمجرد سماعها صوت لم يعتادوا سماعه.
أصدروا على الفور تعليمات إلى (لجنة النظام المشكله من حزب واحد) بمنع الرفيق أيوب من الاستمرار بهذه الاغاني وكما سموها (أغاني جنوبية انفصالية).
حاولت لجنة النظام التابعة لحزب الإصلاح ، أغلاق أغنية عبود خواجة وتمزيق أسلاك سماعة الصوتيات التي كانت فوق سيارة أيوب، لكن أيوب وقف لهم بالمرصاد بمساندة شباب الأشتراكي.
هذه الأغنية التي كان تراها أحزاب المشترك بأنها أغنية انفصالية أصبحت فيما بعد من أشهر أغاني الثورة الشبابية السلمية، نستطبع القول بإن هذه الأغنية أصبحت روح الثورة الشبابية، بينما مشترك تعز كان يصف الاغاني الموجهة ضد نظام صنعاء بالاغاني الانفصالية كونها ارتبطت بالحراك الجنوبي.
عموما ، قام الرفيق أيوب حينها بتوزيع مايقرب خمسين صورة للرفيق الاممي جيفارا على الرفاق المتواجدين داخل المهرجان (ساحة صافر).
ويعتبر هذا اليوم أي يوم 3 فبراير2011م أول يوم نزلت فيه صور جيفارا إلى الشارع اليمني، هذه الصورة التي أصبحت مرتبطة بثورة فبراير أو بالاصح أصبحت صيرورة ثورة وبرنامج ثورة.
استمر الرفيق أيوب داخل المهرجان حتى انتهت الخطابات المملة التي القاها قادة المشترك والتي كانت عبارة عن خطابات تعزز مبدأ الخضوع والاستسلام خطابات تترجأ وتتسول من الحاكم ، وتطلب منه المغفرة وهي الخطابات التي اعتدنا سماعها من قاداتنا في داخل المشترك.
وفي نهاية المهرجان مسك الرفيق أيوب المكرفون الذي كان فوق سيارته ونادى الحاضرون إلى المشاركة في مسيرة في اتجاه مبنى المحافظة، وظل أيوب يردد هتاف الشعب يريد إسقاط النظام على الفور.
تحركت لجنة النظام التابعة لحزب الإصلاح برئاسة عبده حمود الصغير وكان يتقدمها ايضا النائب الإصلاحي عبدالكريم شيبان، اللجنة المنظمة للمهرجان اعتبرت هتاف (الشعب يريد إسقاط النظام)، اساءة للنظام وأركانه والخروج في مسيرة من داخل المهرجان مخالفة لقوانين النظام وخروج عن طاعة ولي الامر..
عادت لجنة النظام برئاسة عبده حمود الصغير مرة ثانية الى تمزيق اسلاك سماعات مكبر الصوت التي فوق سيارة ايوب ، ومحاولة منع ايوب من التحرك هو ورفاقه ، لكن أيوب أصر هو ومجموعة من الشباب على الخروج من داخل الساحة والتوجه بالمسيرة الى مبنى المحافظة ، اعترضتهم القوات الأمنية التابعة لنظام صالح التي كانت مرابطة بالقرب من المهرجان .. حينها قام ضابط امن المحافظة المدعو علي العمري باعتراض سيارة أيوب ومنعها من التحرك ، وهدد باحراق السيارة ، ما اجبره على الاتجاه إلى شارع آخر بقوة السلاح ، لكن القوات الأمنية لم تستطيع ايقاف المتظاهرين الذين كانوا خلف سيارة ايوب ، واصل والمتظاهرون المتمردون على لجنة النظام التابعة للاصلاح ، والمتمردون على القوات الأمنية لصالح ، السير إلى مبنى المحافظة لكن قوات الامن المرابطة أمام مبنى المحافظة قابلت المتظاهرين بالقمع واطلاق الرصاص الحي.
وتفاجأ المتظاهرون بأيوب وخلفه موج من البشر يلتحقون بالمظاهرة التي امام مبنى المحافظة. هكذا اصر ايوب ان يلتحق برفاقه رغم التهديدات الامنية باحراق سيارته.
عموما ، ليس بوسع احد أن ينكر بان ثورة فبراير هي امتداد لإنتفاضات الحراك الجنوبي وان القضية الجنوبية كانت حاضرة بشكل كبير في وجدان شباب الثورة السلمية وان نواة ثورة 11فبراير كانوا من ابناء محافظات جنوبية وشمالية ، آمنوا بعدالة القضية الجنوبية حتى عندما ركب المشترك الثورة الشبابية وعمل على حرف مسارها ورهنها للمشائخ ، كان شباب الثورة يرفضون تأجير الثورة مرددين الهتاف ( عصابة 7/7 نفس اللون ونفس الطبعة ) وكان هذا الهتاف تعبير عن حضور القضية الجنوبية في وجدان شباب الثورة السلمية ، الشئ الآخر كان هذا الهتاف يردد كردة فعل للقمع الذي يمارسه حزب الإصلاح لشباب الثورة وتذكير حزب الإصلاح بانه جزء من عصابة النظام الذي ثار الشعب ضده.
لذا نستطيع القول بأن فبراير كان تعبير عن وحدانية القضية والهم المشترك في الشمال والجنوب واسقاط النظام المشيخي الكمبراردوري الطفيلي.
لكن المؤامرة على الثورة كانت أكبر مما نتوقع حيث استطاع النظام أن يرتب اوراقه ، ويدخل على الثورة من ابوابها ويحتويها ويتحول هو نفسه حامي لها ولايمكن ان نغفل دور الدول الاقليمية في افشال الثورة الشبابية وبهذا أفرغت الثورة من اهدافها ومضمونها التي قامت من أجله وانقسم النظام الفاسد الى نصفين وأصبح معه رأسين رغم التشابه الكبير بين الرأسين إلا ان الراسين أصبحا ، هما الثورة ،وهما الثوار هما السلطة وهما المعارضة…صحيح ان ثورة فبراير لم يكن لها برنامج واضح ، لكن فقدانها لبرنامج ليس نقص في مضمونها الاجتماعي الثوري التاريخي بل يرجع الى مدى الثغرة الايدلوجية بين جماهير الثورة وقياداتها
ختاما ، كم أنا حزين على رفيقي أيوب كان أحد رواد الثورة الشبابية وكانت خطواته الجريئة هي التي عجلت بانتفاضة سلمية ،
لذا كان يرى أيوب بأن الحروب الأهلية وضع حيواني للشعوب أما الوضع الإنساني فهو السلام والتغيير السلمي، دون ازهاق قطرة دم.