فضاء حر

بقيت الحرب وغادر الشعب الى بيته

يمنات

ماجد زايد

يضع الشباب على وجوههم كمامات سوداء عليها شعارات غريبة، يتجولون في التحرير مع بعضهم، يقاتلون في محاولة العبور وتفادي المترات المزدحمة في الشوارع الضيقة، يدخلون المحلات، يبائعون أصحابها، ثم يغادرون، لا يشترون شيئًا، ولا يحملون بأيديهم أي شيء.

في جانبي الطريق كلما التفت قليلًا ستجد شبابًا خلف نوافذ السيارات يراقبون المارة والزوامل تسيطر على أسماعهم، يشاهدون المتسوقين على الأرصفة الجانبية بنشوة التفوق، لا يتوقف هؤلاء الشباب عند المحلات المزدحمة بالمتبائعين العابرين، أين يذهبون يا ترى؟ تبعناهم سيرًا على الأقدام، وجدناهم في أقصى الشارع الأخر، هناك داخل محلات الأسعار العالية، كانوا يحملون بنادقهم ويشترون ملابس كثيرة دون التبايع على أسعارها، يُخرجون من بطونهم رزم المال المترابطةببعضها ويدفعون عشرات الألاف، يقول أحد الأصدقاء بجواري، لقد إنقسم السوق الى نصفين، أحدهما يعج بالبشر المبائعين، والأخر يرتاده نوع واحد من البشر الدافعين، لم يعد الأخر غريبًا في زمن الحرب، والبكاء عند هذه الأطلال المتكررة حكاية ما عادت تجدي في النفع.

في أطراف السوق ستجد الكثير من البسطات والبسطاء المتذاكون، يبيعون الملابس الداخلية، والأحزمة الشبابية، والكثير من الأحذية الملونة، يبيعون ما يحتاجه الناس العاديون بأسعار معقولة، لكنهم هذه المرة لا يبيعون كثيرًا، يقول أحدهم، لم يعد الناس قادرين على الدفع. لم تعد الأسعار لدينا كما كانت.

بعدها يجد الشباب أنفسهم عائدين بلا شيء يحملونه في أيديهم، يعودون والكمامات السوداء أسفل وجوههم، لم تعد في مكانها، ربما لأن الحياة بمجملها لا تستحق مجرد الحفاظ عليها بكمامة لعينة، وربما قد يأس الحال من الحال.

في حياة هؤلاء هناك ماهو أكثر إغراءً من الدفع والشراء وحمل الملابس الجديدة في طريق البيت، طقوس التجول، ومرافقة الأصدقاء، ودخول المحلات والتبائع والخروج منها، ومشاهدة العيد كأنه إزدحام سنوي في الشوارع، والتجاوز، والتدافع، وربما سلب الأخرين ما أمكن، وأشياء أخرى، أمور صارت عاداتهم التي لابد منها في المواسم والأعياد، لا تغريهم الأشكال العيدية والرمضانية بقدر ما يغريهم ممارسة الطقوس المصاحبة لها.

لقد عدنا وإنتهى الرصيف من العيد والمشاهدون له، وبقي فقط من يشترون البضائع الغالية ويدفعون المبالغ المرتفعة ويحملون البنادق والجعب المسلحة، لقد إنتهت حكاية العيد في هذا السوق، وبقيت حكاية السياسة والمال العام تتجول في الأنحاء بسياراتها وزواملها والكثير من النشوة المسلحة بالتفوق العابر للأخلاق، لقد بقيت الحرب وغادر الشعب الى بيته، لم تنتهي الحكاية بعد.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى