العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. الحب الناقص نفسه .. صدمة ومقلب

يمنات

أحمد سيف حاشد

خُطبت “هيفاء” من قبل زميل لها في ذروة حبي لها في الجامعة .. لم أكن أعلم بواقعة الخطوبة، و لكني فقط لمحت دبلة الخطوبة في أصبعها .. كان وقع الصدمة أشبه بوقع الصاعقة .. شقتني نصفين .. سحقت روحي بمجنزرة .. تطاير رأسي كزجاج وقعت عليه صخرة من شاهق..

أحسست أن “الدبلة” التي في أصبعها تطوق عنقي كحبل مشنقة .. الأرض على اتساعها باتت أضيق من خرم إبرة .. خيبة كبيرة تخنق أحلامي بقبضة من حديد .. صدمة تداهم عيوني بزغللة تنتهي بسواد يشبه الموت .. أطبق ملك الجبال على أنفاسي الأخشبين .. أحسست أن وجودي بات معدوما، و أن مستقبل حبي آل إلى بدد .. إحباط اجتاحني كطوفان نوح .. أحسست بعظيم الندم، و حسرة تتعدّى أطراف الكون .. فقدان و ضياع لا حدود له..

تذكرت مَثَل شعبي كرره أكثر من مرة الدكتور أحمد زين عيدروس بمناسبات مختلفة في قاعة المحاضرات .. و هو مثل يُضرب فيمن يستحي من ابنة عمه .. مثل شعبي لاذع و مقذع يدين الحياء و يصعق صاحبه .. أدركني اليأس و صدمتني الحقيقة .. صدمني الواقع بما لا أتوقعه، فيما كان في ظل سلبيتي و ترددي يجب أن أفترضه و أتوقعه .. ما حدث كان طبيعيا، و هو الراجح حدوثه، طالما ظللت مترددا و مراوحا في نفس المكان، أنتظر دون أن أتخذ قرارا، و دون تحديد زمن لاتخاذ مثل هذا القرار .. كانت خيبتي في النتيجة كبيرة، و كان فشلي في هذا الحب بالغ و ذريع..

أحسست أن حبي لـ”هيفاء” بات عبئا يسحق كاهلي .. لم أعد أقوى على الخلاص منه .. صرت منكوبا به، و أعيش ورطته التي لا فكاك منه و لا حيلة للنجاة .. من ينقذني من قيعان هذه الورطة..؟! لا حبال و لا سلالم و لا حانية تمد يدها لتنتشلني مما أنا فيه..

الحب الذي بدأ عظيما أنتهى إلى داء لا أعرف كم أحتاج من السنين لأتعافى منه .. حزني الذي أعتله صار أكبر مني، و ما بقي مني لم يعد يقوى على حمل بقاياي، فمن هذا الذي يحملني و يحمل حزني الذي أحمله..؟!! لم أعد أقوى على حمل حطامي، و لا قدرة لي على استجماع بقايا قواي، و أشتاتي المبعثرة في القيعان السحيقة..

رغم حطامي و بعثرتي و حزني الوخيم، أردت التحدِّي و المكابرة .. أردت البحث عن فتاة لا تشبهها فتاة في الوجود .. أردت أن أستعيد كبريائي و اعتباري أمام نفسي بأفضل مما فقدت .. و فيما كنت أستعرض أوصاف الفتاة التي أريدها زوجة لي في المستقبل أمام صديقي و زميلي عبيد ـ الذي شاركني بلادة “وطسيس” مادة الإنجليزي ـ فاجئني بقوله: “وجدت فتاة تناسبك و بالمواصفات التي تبحث عنها”..

كدت أطير من الفرح .. شعرت أن الدنيا تبتهج في عيوني مرة أخرى، بعد أن أحلكت سوادا و أطبقت خيبة .. توقعت أن القدر يريد أن يعوضني عما فات، و عن خيباتي التي تكاثرت، و بأحسن مما طاله الفقدان .. أحياني و بعثني صديقي عبيد من حطامي، و هو يصفها كرسام .. و لا يعلم حقيقة ما أعانيه في كتماني .. ظننتها و هو يصفها حورية من السماء، و بقي السؤال: كيف لفتاة بوصفه أن تفلت من عيون البشر..؟!

لقد كانت لكلمات صديقي عبيد و هو يقول: “وجدت من تناسبك” وقعها على نفسي، أشبه بوقع كلمات أرشميدس و هو يقول “وجدتها .. وجدتها..” كنت أستعجله و ألح عليه أن يعجل بلقائنا و هو يرجئ المواعيد، و كنت أصبّر نفسي و أقول: و هي بتلك الأوصاف، فإنها تستحق مني الصبر و الانتظار و الجعجعة..

و عندما جاء الموعد الأكيد، حط بنا الرحال في “زعفران كريتر” .. كانت لهفتي تسبق خطواتي و تستحثها على أن لا تتأخر .. لهفتي تزداد لمن أظنها عوض الرب، و المنتهى لما سيستقر عليه خياري .. أوقفني عبيد فجاءة، و أنحاز جانبا كمن ينصب كمينا، أمام معرض تجاري فخيم، لبيع ملابس نسائية جاهزة، ثم همس بإذني: “إنها تلك التي خلف الزجاج”..

لم أشاهد خلف الزجاج أي فتاة .. و لمّا لم أستوعب الأمر أشار إليها بالبنان، و قال: “هذه هي من تبحث عنها و تناسبك” .. الحقيقة لم تكن فتاة و إنما كانت دمية على هيئة فتاة جميلة بملابس أنيقة .. و بقدر شعوري بالغضب و بالمطب الذي صنعه لي صديقي، انفجرنا بالضحك معا .. كانت ضحكتي أكثر دويا و جالبة للانتباه و الفضول .. شاهدنا المارة و هم يتطلعون إلينا بفضول و تساؤل .. مشدوهة عيونهم نحونا، دهشة و غرابة تعلو وجوههم جعلتنا ندرك أننا في شارع عام..

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى