العرض في الرئيسةفضاء حر
ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. فادحة في عزاء
يمنات
أحمد سيف حاشد
- في مستهل عهدي في عضوية مجلس النواب، اشتريت تلفون، و كنت لازلت حديث عهد به .. و تعاملت معه ببدائية لفترة غير قصيرة .. لم أعد أذكر نوع و اسم ذلك التلفون .. كلّما أذكره أن أهم ميزة فيه هو صوت التنبيه العالي بوجود اتصال .. لم يكن مبرمج على رنة معتادة، بل كان مبرمجا على مطلع أغنية لم أختارها أنا، بل أختارها من برمج التلفون على تلك الأغنية..
- تقنية الصوت كانت أهم ما يميز ذلك التلفون .. كان صوت التنبيه بوجود اتصال يصدح بصوت عالي، و بمطلع أغنية تشد الانتباه و العجب .. و فضلا عن ذلك كان ميكرفون الصوت مفتوحا إلى آخره .. كان الصوت العالي للتلفون صارخا، بل كان أصرخ من صرخة هذه الأيام..
- أخبروني أن هناك عزاء في بيت الوزير عبده علي قباطي .. قصدت مكان العزاء في بيت الوزير، و كان البيت مزدحما و مكتظا بالمعزيين .. وصلت إلى صدر المجلس بمشقة بسبب الزحام .. بعد التعزية افسحوا لي مكانا في صدر المجلس، و جلست فيه، و بدأت تناول القات..
- و حالما شرعوا في قراءة الفاتحة لروح الميت .. جاء اتصال لتلفوني، و صدع صوت تلفوني في أرجاء المجلس بأغنية “انا يابوي انا .. خطر غصن القنا.. وارد على الماء نزل وادي بناء ..” سادني ارباك متتابع .. أولا في الوصول إلى التلفون، ثم في اغلاق التلفون .. استغرق هذا الأمر قرابة العشرين ثانية أو أكثر منها..
- كان شكلي لافت في تلك اللحظة، و أنا مشدودا و معقوفا على التلفون كجنبية قبيلي، كنت أشبه من يعاني من نوبة صرع و أنا أهسهس على كل الأرقام و المفاتيح بعشوائية مضطرب و مدهوش .. وشعرت أن كل العيون ترمقني و هي ساخطة مني..
- كان شكلي لافتا و أنا أحاول أن اخرس تلفوني الذي خانني في لحظة شديدة الحساسية .. وددت في تلك اللحظة أن أكسر التلفون على الجدار أو أسحقه بأي وجه، و لكن شعرت أن المشهد سيكون أسوأ مما أنا فيه..
- أخرسته بعد أن تسبب لي في حرج مهول .. أحسست بحرج شديد و غير مسبوق .. بدت اللحظة أشبه بشخص ذو وقار قد أرتكب فعلا فاضحا أمام جمهوره المزدحم..
- الجميع تطلع نحوي بدهشة صادمة، و الفاتحة شابها ما يفسدها طولا و عرضا، و أحسست أن روح الميت عليّ ساخطة، و أن ما ارتكبته فعلا لا يبرأ و لا يطيب..
- شاهدت الحاضرين زمرا يتهامسون و يبتسمون، و كنت أعلم أن “حشوشا” يحتشد ضدي في كل زمرة من زمر الحاضرين .. أحسست أن ما فعلته لا يُنسى .. شعرت في المجلس أنني صرت أسير لعنة تلك اللحظة القاسمة لظهري .. استمريت في المقيل على صفيح ساخن ربع ساعة ثم غادرت المكان..
- خرجت من العزاء و أنا أشعر أنني قد صرت أنا من يستحق العزاء أكثر من الميت .. حاولت أخفف عن نفسي بعزاء نفسي و أنا أقول: مررت في الكثير و ها أنا قد ألفت النسيان، و لو لم أنسَ لما قابلت مخلوقا، و لما حضرت مقيل .. و لكن بعد خروجي ببرهة اكتشفت أنني قد نسيت أيضا علاقية قاتي في مجلس العزاء، فتركته و لم أعد أو أرسل إليه..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.