ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. قضاة يعرفون كل شيء
يمنات
أحمد سيف حاشد
- بعد عودتي من مجلس العزاء، و الذي وجدت نفسي فيه أحوج للعزاء؛ طلبت من أحد أولادي على الفور أن يغير الأغنية “أنا يا بوي أنا” التي فضحتني في مجلس العزاء، و يستبدلها برنة عادية، أو أي شيء يليق بقاضي و عضو مجلس نواب لازال في مستهل عهده .. و لكن بدلا من أن يغيرها برنة تليق بأبوه، غيّرها بأغنية لم أفهم من كلماتها غير “عبد القادر يا بو..” و لم أفهم شيء من كلماتها، و لا اسم الفنان الذي يغنيها، و لا جنسيته، و لكنها كانت أغنية شبابية مشهورة و منتشرة في تلك الأيام..
- أنا في الحقيقة و غالبا لا أفرق بين الأغاني التي تليق و الأغاني التي لا تليق .. لا أفرق بين أغاني الشباب و أغاني العجائز .. أكثر الأغاني تنال اعجابي و استحساني غالبا بسبب ايقاعاتها و اللحن و الموسيقى فيها أو العود، بل و أجد نفسي أحيانا استمتع بسماع الأغاني الكردية .. غالبا أنا لا أفهم ما يقول الفنان في الأغنية يكفيني إن إيقاعها يأسرني .. لازالت في ذاكرتي أغنية “بين الدوالي و الكرم العالي” التي كنت اسمعها و أنا صغير من الراديو، و أرددها مع صوت الفنان بكلمات “بين الزاوالي و الدرب العالي” و شتان بين المعنيين..
- زرت تعز .. تواصلت بالقاضي خالد محمد يحيى المطهر لأخزن عنده، و هو زميل لي من أيام المعهد العالي للقضاء .. و في مجلسه، وجدت كثير من القضاة المعممين و الذين تبدو عليهم الهيبة و الوقار .. كما أن والد زميلي هذا أعرف أنه قاضي و عالم و فقيه و مؤلف .. إنه محمد بن يحيي المطهر .. كان له في أيامه شأنا، و مؤلفات عدة، و منها مجلدين في الأحوال الشخصية التي اقتنيتها حالما كنت طالبا، في المعهد العالي للقضاء .. لا زلت أذكر أنني احترت كثيرا فيما يتعلق بشروط صحة عقد الزواج، و مانع زواج الإنسي من جنية..
- زميلي القاضي و من خلال زمالة المعهد الذي دامت ثلاث سنوات، انطباعي الإجمالي عنه، أنه كان ذكيا في الدراسة، و متوقد الذهن، و دمث الأخلاق، و ذو وقار و كياسة و دين .. يحرص على أهمية مسلك القاضي و سلوكه و الحرص حيال ما يجرح عدالة القاضي، و هي تفاصيل مررنا عليها في المعهد العالي للقضاء..
- و فيما كان الحديث المحترم في حضرة جلالة القضاء و هيبة القضاة في المجلس الوقور، رن تلفوني، و لكن ليس برنة، و إنما بأغنية “عبد القادر يا ابو…” أنفجر القضاة بالضحك، و غرقت أنا معهم في نوبته، و أدركت أن الفضيحة الثانية قد حلت بي، و زميلي القاضي يقول:
– ما هذه يا قاضي..؟!! شبابي هه .. من عمل لك هذه النغمة..؟!
– و أنا أرد: هؤلاء العيال اللذين عملوها .. عيال الكلب .. و أنا معرفش أغيرها..
- فمد القاضي يده و أخذ مني التلفون و بدأ يتعامل معه حتى غيرها إلى رنة قاضي بحق و حقيقة..
- الحقيقة لم أخرج من المجلس إلا بعد أن عرفت أن تلفوني اسمه “الرنان” و عرفت كيف أتعامل مع التلفون، و كيف أغير نغماته، و عرفت أيضا إن الأغنية جزائرية، و اسم الأغنية (عبد القادر)، و أن الأغنية شبابية جدا، و أن الفنان اسمه الشاب خالد .. و عرفت أيضا بعض كلمات الأغنية التي تقول:
عبد القادر يا بو علم ضاق الحال عليّ
داوي حالي يا بو علم سيدي ارؤف عليّ
دعوتي القلّيلة … يانا … ذيك المبلية
خليتني في حيرة … يانا… العشرة طويلة
- الحقيقة كانت جلستنا رائعة و ودودة، و فيها فائدة و معرفة لم أسبق إليها من قبل، ابتداء بالتلفون و انتهاء بكلمات الأغنية .. شغفت بالمعرفة و صرت أشبه بالعربي الذي يتوق لتعلم اللغة العبرية..
خرجت من المجلس بعد المقيل، و أنا أضحك على نفسي وأحدثها كمجنون: “بعض القضاة خطيرون.. يفهمون في كل شيء” و أنا لا أعرف حتى اسم تلفوني..
تعرفت خلال سنوات الحرب بقاضي جليل و عزيز هو أحمد الخبي .. إنه مرجع في القضاء و في غيره .. و وجدت أن بعض القضاة متجاوزين لواقعهم بكثير .. و لهم اضطلاع و معارف في كل الفنون، و لهم أيضا عالمهم الجميل غير المعلن عنه في الحب و الغناء و الشعر و الحكايات التي لا تُنسي، و لدى بعضهم قلوب مرهفة، و بإمكانك أن تسمع منهم ما لا تعرفه و لا تسمع به من قبل .. فيما بعضهم لازالوا يعتقدوا إن النجم سهيل كان عشارا في اليمن فمسخه الله نجما ليكون عبرة..
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.