ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. قات وجوع
يمنات
أحمد سيف حاشد
كنت غالبا ما أصطبح في وقت متأخر، غير أن ذلك اليوم لم أصطبح، حيث كان برنامجي اليومي شديد الاكتظاظ إلى الحد الذي أنساني فطوري .. اشتريت قات وعدتُ لأجد ديوان مجلسي مكتظا بالرفاق و الأصدقاء و الأحبة .. كان الترحيب بي من قبل الحاضرين احتفاليا و بهيجا..
بمجرد طلتي عليهم، أفسحوا لي مجالا للجلوس .. و كما نسيتُ الفطور المتأخر للصباح، نسيت تناول وجبة الغذاء .. بدأت التخزين و الحديث و الاهتمام من حولي يدور جاذبا و آسر..
قبل الساعة السادسة بدأت أتعرّق، و بدأ الغثيان يزداد و يشتد .. بدأ وجهي يسود و يكفهر .. أحسست ببداية حمّى تعتريني و طعمها المر يلسع لساني .. ظننت إن سبب ذلك يرجع إلى أني خزنت دون أن أغسل القات..
اعتذرت للحاضرين منوها أنني لم أغسل القات، و أنني أشعر بغثيان و حمى .. دخلت لأتقيأ.. كنت أشعر بانقباض شديد، و معدة أكاد أن أتقيئاها .. تذكرت أن معدتي خاوية و فارغة و لا يوجد ما أتقيؤه .. تذكرت أنني خزنت دون فطور أو غداء..
***
في حملتي الانتخابية و أنا أستقل السيارة في طريق (المداكشة، النويحة) بالقبيطة و هي طريق مكسّرة و صعبة، و لا تخلو من وعورة أمام السيارات، إلى درجة تتنفس الصعداء حالما تصل نهايتها .. كنا نرتطم ببعضنا تارة، و بهيكل السيارة تارة أخرى .. تتصادم أجسادنا ببعض و نترادع أحيانا بالرؤوس .. نبدو في الطريق و السيارة التي تقلنا، و كأننا راكبين على ظهر حمار .. و فيما كنتُ مخزن شعرت بغتة بالجوع يداهمني و يهد قواي.. كنت لا أريد أن أرمي بالقات من فمي، لأنه يعينني بقدر ما على منع الغثيان، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت..
أردت أن أحتال على الجوع، و أحافظ على بقاء القات في فمي .. اشتريت حلوى لأسد بها رمق الجوع، و تفاجأ من كانوا معي في السيارة أنني أريد أن آكل الحلوى و في نفس الوقت لا أخرج القات من فمي .. كنت اعتقد أن الأمر سهلا، فالقات الذي أمضغه في جانب واحد من فمي، فيما أنا سأستغل الجانب الآخر بأكل الحلوى .. سأفعل هذا بحذر و أجعل الحلوى تتسلل إلى معدتي الجائعة بسلاسة و خفة، دون أن أتعرض للقات في الجانب الآخر..
نصحني الجميع فيما عارضني بشدة صديقي ردمان النماري .. فلم أمتثل للنصيحة و لم استجب للاعتراض .. حشيت الجانب الفارغ من فمي بقطعة الحلوى، وبد بدأت أمضغ الحلوى في الجهة المقابلة للقات، و فجأة ساح القات بطريقة عجيبة و سريعة إلى معدتي، لم أكن أتوقعها، ربما قبل أن تصل قطعت الحلوى الممضوغة إليها..
قررت أن أكمل أكل الحلوى لأشبع جوع معدتي بعد أن خسرت قاتي .. لا أريد أن أخسر القات و الحلوى معا و دفعة واحدة .. صرت العصفورين الذي أصابهما الحجر..
واصلنا السير بالسيارة .. و بعد قليل داهمني الغثيان .. بدأت جبهتي و صدغي يتفصد عرقا .. بدأت أشعر بالضيق و الدوار .. بدأ فمي يمتلئ ماء و لعاب، حاولت الإمساك بما في فمي، و أمنع نفسي من أن أتقيأ، إلا أن اندفاع القيء من معدتي إلى أعلى كان أكبر و أقوى .. تقيأت، و أخرجت ما في معدتي .. كنت أشعر و أنا أشهق و أتقيأ إن معدتي هي الأخرى تريد أن تغادرني، أو تخرج من جوفي .. أحسست أنها تريد أن تطلقني بالثلاث، لولا أن العصمة كانت في يدي.
يتبع..