سيفشلون لا محالة
يمنات
ضياف البراق
أعتز كثيرًا بعروبتي، وسأظل أحبها بصدق، ولن أتخلى عنها ما حييتُ، ولكنَّ هذا الموقف الطبيعي الجميل لا يمنعني من أن أحب العالم كله، وأن أكون مدافعًا حقيقيًا عنه ضد العبث والشر. إنني أحترم الآخر، وأتفاعل معه إنسانيًا وحضاريًا، لأنّ عروبتي إنسانية وعالمية بحكم طبيعتها التاريخية الخصبة والمتفتِّحة. إنّ الذي لا يحب أمه، أو لا يحترمها، فإنّ اِحترامه لجارته أو لغيرها، مثلًا، إذا حدث فلا معنى له ولن تكون له قيمة إنسانية. وأنا ضد الظلم بكل أشكاله، أينما كان، وفي أي زمن كان. سيظل قلبي يتسع لكل ما هو جميل وإنساني، ويرفض كل ما هو قبيح وغير إنساني. لا أحب الانغلاق على الذات.
أمّا الحقراء من العرب فهُم أولئك الذين باتوا يحتقرون كل ما هو عربي، بالكلام أو بالكتابة، مستغلّين حرية وسهولة النشر على منصات التواصل الاجتماعي. إنهم يكتبون نقدًا تحقيريًا، لا حضاريًا، ضد تاريخنا العربي بكل محتوياته، مستهترين بكل شيء.. وهؤلاء الحقراء، أنفسهم، طبعًا يلمّعون وجه الصهاينة القبيح كل القبح، ويناصرون حملات التطبيع معهم منطلقين من مبررات كلها واهية وخطيرة في آن. ويقولون بكل وقاحة، إننا لن نتطور أبدًا، ولن نستقر على أيّ حال، إذا لم نخرج أولًا من تاريخنا بالكامل، وإذا لم نطبّع، ثانيًا، العلاقات مع إسرائيل، أو بالأصح نعترف بها. هذا مجرد هراء، ولكنه خبيث جدًّا. غير أنّ هجومهم الاستحقاري الشديد على عروبتهم، سيجعلهم أيضًا صغارًا في نظر الأجنبي. إنهم يضعون كرامتهم تحت أقدام المتكبّرين. إنني لأتساءل وحيرتي منهم شديدة: مَن زرع كل هذا الحقد على العروبة في نفوس هؤلاء “البعض” من العرب؟ وماذا يستفيدون من شغلهم المنحط هذا؟ ولماذا يمارسون حرية النقد والتعبير بهذا الشكل التدميري الشنيع، وضد العرب فقط؟ لماذا يهدمون جميلنا وقبيحنا معًا؟… إنهم ينشطون على الدوام من أجل تمييع وتسطيح الضمير العربي، وهدم كل ما هو عربي، ولكنهم سيفشلون لا محالة.
الحقيقة الصادقة، هي أنّ إسرائيل لا تطيق العرب من أي جانب، ولا تقيم لهم أي وزن، وهي اليوم تغازلهم كثيرًا لتقتلهم كثيرًا في القريب. وهي تحتقرهم أكثر، كلما انفتحوا عليها أكثر. انفتاحك على من يحتل أرضك بالقوة ويقتل أهلك بمختلف الأسلحة والوسائل الهمجية، هو الانبطاح بعينه. ويعني أن تُقَبِّلَ السلاح الذي يقتلك به هذا المحتل الحقود. وماذا يعني أن نسامِحَ مغتصِب الأرض، وقاتِل أصحابها الحقيقيين، وعدو الكرامة والعدالة والإنسانية؟ يعني أن نظلم المظلوم مرة أخرى. أن نقتل الضحية مرتين. أن نرفع الظلم فوق العدل. أن ننصر الطغاة على المضطهَدين الأبرياء. والتسامح في هذه الحالة لن يفضي إلى سلام حقيقي بيننا وبينهم. المحتل يريد أن نتنازل له عن كل شيء. إنه محتل عنيد إلى أقصى حد، وأطماعه لا حدود لها.
لا شك أنّ إسرائيل اليوم مرتاحة ومزدهرة أكثر من أخصامها العرب، وتحاربهم بأسلحة عربية، وتلعنهم بألسنة عربية، وتكسر أنوفهم بأقدام عربية، يا للخزي الذي يحل بنا الآن!
عربٌ يقتلون عربًا.. وتلك الخبيثة ترقص فوق جثثهم، وتأكل منها.
إسرائيل تتقدم، وتتجدّد.
ونحن نتخلّف، ونتقادم.
هي تتنفّس بأريحية، ونحن نختنق.
هي تربح من وراء صراعاتنا الداخلية الكارثية، وتشعلها بيننا باستمرار، ونحن نخسر، ونموت محترقين. إنها تحارب (وستظل تحارب) كل نهوض عربي، وتقتل كل خطوة ثورية عربية، وتفسد كل كلمة عروبية جميلة أو صادقة أو عادلة، حتى نيأس من كل شيء، ونركع لها تمامًا، فتصبح هي في نهاية المطاف سيّدتنا الأولى والأخيرة. بالله عليكم، لماذا تمارسون التطبيع بهذه المجانية مع سياسة التجزير والتقطيع؟ إن المقاطعة خير لنا من التطبيع، وهي أشرف لنا منه بمليون مرة؛ لأنها تعني على الأقل أن نموت واقفين لا راكعين. بكل بساطة، إنّ المقاطعة تعني المحافظة على ما تبقى لنا من كرامة وأرض ومستقبل. حتى وإن طبّعنا معها، فإنها لن تقنع بهذا التنازل، بل سوف تطلب المزيد من مثله.
قوة مصر القومية تتدهور يومًا بعد آخر، وهذا التدهور المخيف في الجسد المصري يقوّي إسرائيل في المنطقة. قوة العرب من قوة مصر، وسنضيع جميعًا لو ضاعت هي. ومن المخيف أيضًا، استمرار تفكُّك العلاقات الأخوية بين دول الخليج. وأمّا ما يجري في سوريا من دمار شامل فلا يفيد السوريين في شيء، وإنما يفيد إسرائيل بدرجة أساسية. وإسرائيل كذلك هي المستفيد الأكبر من تدمير ليبيا، وتدمير اليمن، وتدمير العراق، وتدمير أي بلد عربي آخر. وهي دائمًا تستفيد من كل الحروب العربية – العربية، العبثية. ومحترفو التخريب، الصهاينة، لهم يَدٌ طُولى في كل هذا الدمار العربي الهائل، الدمار المتزايد والجاري على قدم وساق. الصهاينة لا يعرفون اليأس أبدًا، قوتهم أقوى منه، ولذا ينتصرون على أخصامهم. إذن، يا عرب، لا تيأسوا. أيها العربي، «إيّاكَ وإن عُرِّيتَ أمام العالم أن تيأس» (مظفر النواب). إسرائيل لا تحب ولا تعبد إلا ذاتها، فقط لا غير. والدولة العربية التي سترفض التطبيع معها، سيتم تدميرها بالتأكيد، هذا ما يجري في الواقع!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.