العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. حكايتي مع الأشباح .. عندما خذلتني المسيرة

يمنات

أحمد سيف حاشد

• عندما صار دارنا الجديد ثلاث طباق، كنت أنام في الديوان مع أمي وأبي وأخوتي الصغار، وفي ليل شاتي وداجي استيقظت من النوم.. كان الليل حالكا والسواد شديدا، فيما السكون المحيط يُسمعك أنفاس من في الجوار، بل ويكاد يُسمعك دبيب النمل، وأنفاسه أيضا..

• بعد وقت قصير، صرت اسمع حركة بقرتنا في أسفل الدار، والدجاج في حجرهن الصغير خارجه.. بدأت أسمع وقع خطوات ثقيلة على سقفنا الذي ننام تحته.. فتح الأبواب وغلقها.. صارت لديّ حدة في السمع، أو حدة في وقع الوهم على السمع.. ظللت ما أسمعه يشتد ويزداد.. ما كان وقعه خافتا صار أكثر وضوحا على مسامعي..

• بدأت أسمع كلام وأصوات تزداد وتتضح مع مرور الوقت، وذلك كلما استمريت في الترقب والإمعان في السماع.. أمي وأبي يغطون في النوم.. استغربت أنهم لا يسمعوا ما أسمعه، بعد أن صار أكثر وقعا ووضوحا..

• قرأت مع نفسي سورة الفاتحة التي أتعبني حفظها، ولم أحسن قراءتها.. وبقراءتي لها لم يتغير الحال.. ظننت إن عدم فاعلية سورة الفاتحة راجعا إلى كثرة أخطائي في قراءتها.. قرأت سور الناس والفلق والإخلاص، وهو كل ما في جعبتي من حيلة ووسيلة، وكل ما كنت أحفظه من القرآن لأحمي فيه نفسي الخائفة، وأطرد ما قد يعتريني من توهم أو وسوسة، أو لأحرق الجن كما كان المعتقد يسود في ذهني، وسمعته عن أمي وأبي ذات يوم، ولكن دون جدوى أو فائدة.. ظل أملي بمنقذ يتلاشى بمرور الوقت..

• الأصوات تزداد وضوحا.. همهمه تتسع.. بكاء طفل.. صوت امرأة تصرخ في وجه بقرتنا الحلوبة.. صرير الأبواب فتحا وإغلاقا.. صرت كأنني في عالم آخر غير ذلك الذي كان قبل قليل مملوء بالسكينة والسكون..

• بدا لا مجال أمامي لأنقذ نفسي مما أنا فيه غير أن أصرخ بكل صوتي، فصرخت مرعوبا ومذعورا، وشق صوتي الليل والمكان.. قفز أبي وأمي من نومهما العميق، وما أن شاهدت “تريك” والدي المنتفض يضيء بيده، شعرت بالنجاة وعودة النفَس، فيما كانت أمي تحتضنني بخوف وقلب هلوع..

• أمي توغل في تعويذاتها من الشيطان الرجيم، وتسألني بقلق عمّا حدث، كانت تعتقد أن حلم مفزع أو كابوس ما قد داهم نومي.. وأنا اجيبها بتقطع وتوتر عمّا سمعت.. أبي يقرأ سورة الجن لحرق الجن الذي عجزت أنا عن إحراقهم..

• كنت أرتجف رعبا وهلعا كأرنب صغير في وجه سكين.. أحاول أن أستعيد حالتي الطبيعية تدريجيا.. أحاول أن أخرج عن روعي وأنا أسمع أبي يقرأ سورة الجن.. كنت أريد أن أسمع أيضا صراخ الجن وهم يتصارخون من الحريق، ولكني لم أسمع شيئا مما كنت أعتقد!!

• قامت أمي وأخرجت من صندوقها الحديدي حرز “السبعة العهود” وألبستي إياه.. نلبسه حرزا في الشأن الجلل والعظيم.. شعرت بالسكينة والاطمئنان، ولم ينام أبي وأمي ليلتها إلا بعد أن ولجت في النعاس ثانية، ورحت أغط في نوم عميق..

• وعندما صرت أستاذا قال لي أحدهم:
– لم يخذلك القرآن يا أستاذ أحمد، بل أنت من خذلت نفسك، واعلم إن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، أما حرز السبعة العهود فهو شرك وشعوذة، أسأل الله أن يردك إليه ردا جميلا..
* قلت.. ونعم بالله.. هو أيضا مترعا بذكر ربي، وآيات من ذكره الحكيم ، ولكن من خذلني هو مسيرتكم التي مرّت جنازيرها يوما على جسدي، عندما خرجت أطالب برواتب أكثر من مليون موظف.

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى