فضاء حر

مفهوم النخبة السياسية..!

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

مفهوم النخبة السياسية .. يتضمن في المعنى والدلالات الاشارة الى جماعات صغيرة العدد تتبوأ مواقع هامة في صناعة القرار السياسي والاداري وحتى في الشركات والتنظيمات الجمعوية ايضا .. لكن التركيز ينصب غالبا على النخب السياسية بالاشارة الى من يشغل مواقع كبيرة في السلطة التنفيذية (رئاسة /حكومة) والمستشارين اضافة الى قادة الاحزاب والتنظيمات السياسية .. هؤلاء جميعا يفترض انهم في اعلى المناصب والمواقع القيادية من حيث تاثيرها في المجتمع وتشكيل السياسات والتوجهات العامة للحكومة داخليا وخارجيا بل وتوجهات المجتمع ايضا كما في ادوار الاحزاب والمنظمات الاهلية والمثففين ..

لكن الواقع يؤكد ان هذه النخبة في بلداننا العربية ليست كما ذهب منظرو علمي ” الاجتماع السياسي وعلم السياسة” بانها تشكل طليعة (صفوة /نخبة) حداثية بوعيها وخطابها ومشاريعها نحو المستقبل .. بل غالبيتها تتسم بتفكير ماضوي تعمل على اعادة انتاج نظم ومسارات وخطابات تم تجاوزها تاريخيا .في بلداننا العربية فرضت النخب الحاكم ما يشبه تقسيم العمل بينها وبين ما يسمى مجازا المعارضة.

فالحاكم يستمر بالسلطة بدعم تلك المعارضات الرخوة /الهشة وهو يتولى دعمها باستمرار ماديا ومعنويا .. ولهذا لانجد معارضة حقيقية في اي دولة عربية ( دول النظام الجمهوري) الذي تحول الى ملكيات ( دول جملكية ) بفعل التنسيق والتناغم بين الرئيس وحزبه الحاكم والمعارضة المتعددة التي تتشكل وفقا لصورة النظام ..

وهكذا ظهرت نخب متعددة ومتنوعة في كل المجالات سياسيا وحزبيا وجمعويا وتجاريا لكنها تعتمد التفكير البراجماتي النفعي في مواقفها وادوارها ومن هنا تفتقد لاي مشروع يحمل البديل السياسي او فكرة التغيير والتجديد .. مثال ذلك ..توجهت النخب الاشتراكية والقومية والليبرالية وحتى الاسلامية نحو تبرير احتلال العراق والعمل مع بريمر ومن ثم تعزيز شرعية السلطة الدينية ، وفي سوريا دعمت النظام اللاديمقراطي وسوغت للطائفية والمذهبية كما في لبنان ايضا ، وفي اليمن نفس المسار نظام يقود الفوضى والعبث منذ حرب94 وهناك من شرعن له من الاحزاب ثم تشكل تحالف من الاحزاب قدمت تبرير للتعاون معه و تقاسمت السلطة بعيدا عن اهداف ومطالب الانتفاضة الشعبية فاغرقت البلاد في الفوضى وصولا الى تدخل خارجي وحرب اهلية ..نخب حزبية مستمرة في قيادة الاحزاب سنوات طويلة تغيب معها فرص دوران النخبة وتجديدها سواء في الحكومة او الاحزاب بل في النقابات والجمعيات الاهلية وفي غيرها ..

وللعجب اذكر ان صحيفة عربية تهتم بأمر الادب والثقافة ظل رئيسها اكثر من عشرين عاما وهو اديب ومفكر وكان يتحدث عن الديمقراطية والتغيير احيانا .. هذه السياقات كلها افرزت انتفاضات شعبية واسعة طالبت بتغيير النخب السياسية التقليدية في الدولة والحكومة وطالبت بالخروج من اسر الطائفية وقياداتها ..لكن هذه المطالب لم تتحقق وعمت الفوضى داخل المجتمعات ..و العلم ان بعض قيادات الاحزاب اصبحت عائلية وقروية في اكثر من دولة عربية .. مع ان الاصل هنا ان يتم تجديد النخب السياسية وفق انتخابات كل اربع او خمس سنوات دونما بقاء لاي ممن تم انتخابهم مرتين متتابعتين حتى تتسع دائرة التجديد وظهور نخب حديثة شابة من اجل تجدد الافكار والرؤى والبرامج والتوجهات..

وللعلم ايضا في ثقفتنا العربية لا وجود لمصطلح النخبة / الصفوة .. فهي مفاهيم ارتبطت بالادارات الحديثة التي ارتبطت بالثورة الصناعبية والدولة الحديثة التي ترافقت مع الثورة الفرنسية ..وكان العرب تاريخيا يستخدمون مصطلح اهل الحل والعقد – الوجاهات الاجتماعية ثم مفهوم “سراة القوم ” وفي تاريخ مجتمعاتنا كثير من المفاهيم التي لاتاريخ لها لاننا مجتمعات زراعية وهذه المفاهيم ارتبطت بالثورة الصناعية وما اعقب الثورة الفرنسية من متغيرات .. ولكن لاينتقص شيئا من مجتمعاتنا ولا يشكل ذلك مبررا لرفض المفاهيم جميعا ..لان هذه المفاهيم في مساراتها التطورية تحمل اضافات كثيرة من كل المجتمعات وتصبح ذات بعد انساني ..فالديمقراطية مفهوم يوناني تبلور مع تطورات الدولة والمجتمع الاوربي لكنه اليوم مفهوم ذو طبيعة انسانية تحتاج اليه كل المجتمعات ولا ياخذ تطبيقة نسخة واحد عدا الاتفاق على اهم مكوناته التي تتضمن التعدد والتنوع والاختلاف واحترام الاخر لانه بدونها لاتكون الديمقراطية .. وكذلك النخبة لاتكون وفق ماهيتها دون ان تشكل قدوة للمجتمع وذات تفكير مستقبلي تشكل رافعة للتجديد والتغيير ودون ذلك لايمكن اعتبارها نخبة بل وجاهات اجتماعية تقليدية تعزز تاريخية المجتمع القبلي والزراعي …!

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى