العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. قصتي مع الأشباح .. الشبح الأبيض

يمنات

أحمد سيف حاشد

  • كانت النقاط الأمنية التي تم نشرها في الثمانينات من القرن المنصرم في مناطقنا النائية، ترغمنا على تجاوزها من خلال الالتفاف عليها، و سلك طرق غير سالكة، و عبور أكثر من منحدر، و تسلق الوعر منها؛ لتجنب الاحتكاك بتلك النقاط أو الاصطدام بها..
  • في إحدى المرات سلكت طريق التفافي في جبل محاذي لـ”سوق الخميس” و كانت الساعة بحدود الواحدة بعد منتصف الليل .. القمر يتوارى خلف الجبال العالية، و ضوؤه الشاحب يتلاشى نحو الزوال، و الظلمة تقتفي أثره و تلاشيه .. شاهدت كتلة بيضاء تتحرك .. انزويت في مكان لأرقب الأمر بحذر..
  • أقترب الشبح الأبيض منّي أكثر دون أن يشعر بوجودي .. كان يلبس قميصا أبيضا، و معمما، و حازما عمامته و صدغيه بقطعة قماش أبيض .. ربما بدا لي في هيئة أشبه بولي من أولياء الله، أو رجل من عباده الصالحين المصطفين الذين يظهرون نادرا على بعض أبناء البشر، و يجلبون لهم الحظ و السعادة، أو يبعثون في نفوسهم من الفأل و الأمل احسنه..
  • داهمتني الأسئلة و الاحتمالات: ربما يكون الخضر..!! و لكن لماذا الخضر عليه السلام يترك الطريق السالكة، و يجلب لنفسه العناء و المشقّة، و يتسلق الوعورة و الجدران..؟!! أنا أفعل ما أفعله، و أعبر طريق غير سالكة، لأنني أتحاشى الاصطدام بنقطة الحراسة، و لكن لماذا هو يفعل هذا طالما أنه ولي الله أو نبيه..؟!!
  • نسمة عطر فواحة تسللت نحوي و هي تسبق صاحبها الذي بدى ملهوفا .. أحسست بانتعاش روحي التي أنهكها السفر و الاحتيال على نقاط الحراسة و التفتيش .. صار الشبح الأبيض يقترب منّي أكثر و هو يتسلق الجدار الذي يؤدي إلى المكان الذي أنا كامنا فيه .. لم يعد هناك متسعا لأتجنب الاصطدام به، فيما هو لا يشعر بوجودي .. أسأل نفسي بسرّي و أتعجب: ما أسمعه هو أن الخضر يتجلى بهيئة رجل رضي أو شيخ بثياب بيضاء أو خضراء، و لكني لم اسمع أنه يتعطر بعد منتصف الليل..؟!!
  • هل هو جني..؟! الجن ربما يتسلقون الجدران، و لكن لا أظنهم يلبسون ملابس التقى و الورع، و لا أظنهم يتعطرون إلا إذا كانت “جنية” تريد إغواء الرجال، أما هذا الشبح الأبيض فهو بخلاف ما هو مسموع ومروي عن الجن..؟! و أما لو كان الخضر عليه السلام أو أحد من أولياء الله الصالحين لكان حري به أن يدرك أن في طريقه فتى يده على المقبض و سبابته على الزناد، من المحتمل أن يطلق الرصاص عليه في أي لحظة..؟! لم أسمع يوما أن رجال التقى و الورع يتسلقون الجدران في هزيع الليل، و ينثرون عطرا يهبل النساء في لجته..؟!! أشتد عجبي و ارتيابي و شكوكي في الأمر من أوله إلى آخره..
  • بعد لحظات وجدت نفسي بمواجهته تماما، لا تفصل بيننا إلا مسافة في حدود المترين .. لا محالة سيصطدم بي قبل أن يبدأ بتسلق الجدار المسنود ظهري إليه..
  • الاصطدام وشيك .. انتفضت من مكمني مباغته، و هجمت عليه واضعا فوهة بندقيتي الآلية بين جنبيه، و أنا أباشره بالسؤال: من..؟! من معي..؟! كانت المفاجئة له صادمة و صاعقة .. تكاد أصبعي تضغط على الزناد و اطلاق النار وشيك في حال أبدى أي حركة مريبة أو مقاومة منه، و حتما سينتهي الأمر هنا بقتيل مجهول قاتله .. غير أن ردة فعله كانت مملؤة بالجزع و الارتباك، و أجابني بصوته الهلوع: عمّك “فلان..” عمّك “فلان..” عمّك “فلان..”.. أحسست أن قلبه يكاد يقفز من بين ضلعيه .. كدت أسمع خفقات قلبه .. الخوف يجتاح جسده، و الهلع ينتشر في أوصاله..
  • أنزحت عنه و تركته يمضي، و تمنيت أن يكون هذا العاشق أغلب الظن قد أحتال علي و قال لي “أنا وليكم الخضر” لو فعلها و أحتال و برر لأختلفت الحكاية هنا، و لا أدري ما كنت سأنتهي إليه .. لو قالها و أستطاع تبديد شكوكي و الإجابة على أسئلتي لربما كانت القصة أكثر تشويقا مما هي عليه الآن .. لو تطفلت عليه، و كشف لي عن سره، و باح لي عن تفاصيل عشقه و حبيبته، لكانت قصته اليوم مع قصتي أشوق و أمتع مما هي عليه الآن..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416

زر الذهاب إلى الأعلى